العدد 4466 - الجمعة 28 نوفمبر 2014م الموافق 05 صفر 1436هـ

القلب الذي لا يشيخ

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

هل ينبغي على القلب أن يشيخ كما تشيخ الأجساد؟

هل عليه أن يتصلّب ويجفّ، تماماً كالأظافر التي تقسو كلما تقدم بها العمر؟

هل يجب أن يمتلئ بالتجاعيد ويخبو كما البشرة التي تفقد نضارتها حين يغلبها الزمن فلا تسعفها حتى عمليات الشد والتجميل لإخفاء ما تعانيه من تعب وشيخوخة؟

إن للقلب قدرة على أن يظل طفلاً أو مراهقاً أو شاباً متعلقاً بالحياة والحب والجمال، متى ما أراد صاحبه ذلك، وأقول القلب هنا مجازاً لكل ما له علاقة بمشاعر الفرد ومزاجه، ولو استطاع هذا القلب أن يكون شاباً طوال العمر، لكان من الصعب على الشيخوخة أن تهزمه يوماً وتفتك بصاحبه.

القلب الذي هو مصدر حياة المرء، هو كذلك مصدر تعبه وانهزامه؛ فمن استطاع أن يحافظ عليه شاباً ندياً، ستعجز مشاغل الحياة ومتاعبها عن هزيمته؛ فهو حينها لن يدير بالاً أبداً لكل عارضٍ يمرُّ به، ولن يقف مذهولاً أمام مشكلةٍ عاطفيةٍ أو صدمةٍ نفسية، بل سيكون منطلقاً قادراً على تحويل كل ألم إلى أمل، وكل تعب إلى متعة، وحينها سيقول للأمراض التي تعصف بالمرء نتيجة كثرة المشاكل كأمراض القلب وضغط الدم والسكر وغيرها وداعاً.

كما أن القلب قادر أن يعيق الزمن عن مواصلة صولاته وجولاته ضد أي شخص يتقن التحكم في مشاعره وأحزانه وصدماته، وبإمكانه أن يظل في ربيع دائم، فيمنع الخريف من إسقاط أوراق عمر صاحبه ويمنع الشتاء من تجميد مشاعره وإيقافها عن الاستمرار.

دائماً حين أتذكر شباب القلب تقفز عمتي العجوز رحمها الله في ذاكرتي، وأتيقن أن بإمكان القلب أن يكون شاباً طوال عمره، وهو ما ينعكس على حياة صاحبه وحبه لنفسه وللآخرين ولكل شخص من حوله، فقد كانت عمتي تقول دائماً: «الشباب شباب القلب»، ولم تبخل يوماً علينا بقصة جميلة ولا أبيات شعر مرتجلة طوال فترة حياتها، وهي التي جعلتنا نعشق الشعر ونحب مجالستها برغم فارق السن الكبير جداً بيننا وبينها، ولحين وفاتها كانت قادرة على المحافظة على جمالها الظاهر كما الداخلي، فكانت تهتم بشعرها الطويل الأحمر وبشرتها البيضاء المجعدة وكأنها شابة في العشرين من عمرها، برغم كل مصاعب الحياة التي مرت بها حتى بعد وفاة والديها وكل إخوانها وأخواتها. كانت قادرة على الضحك كطفلة، وعلى إيهامنا بأن الحياة تدب في كل شيء، كساحرٍ بارعٍ يجيد تحويل الأشياء إلى كائنات حية أمام من معه كي يشعروا بالسعادة وجمال الحياة.

وأعلم تماماً أن هناك كثير من البشر تجاوزوا السبعين من أعمارهم مازالوا يعيشون بقلوب أطفال، فيما هرم كثير من الشباب والمراهقين قبل أوانهم بعد أن سمحوا لقلبوهم أن يغزوها الخريف وأهملوها حتى نبتت بيوت العنكبوت عليها وجعلت نبضها صعباً.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4466 - الجمعة 28 نوفمبر 2014م الموافق 05 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 1:37 ص

      شكراً

      شكراً على هذا المقال الرائع الذي يشجع الشخص على التغلب على المشاكل اليومية و المتعلقة بالكثير من الأشياء، كالعمل، الأسرة، و غيرها....
      لقد تفائلت كثيراً بقرائتي لمقالتك...

    • زائر 1 | 8:59 م

      عمر صديقي 72 عاما

      ومازال يضحك كالاطفال ويهتم بشكله وصحته كمراهق، وجميعنا نقول له دائما ستعمر لاكثر من مائة عام لانك مازالت طفل
      صدقت استاذة الشباب شباب القلب والدليل انني اشعر اني كهل مع ان عمري نصف عمر صديقي لانني احنل هموم الدنيا على رأسي ولا وقت عندي لحب زوجتي او اولادي او نفسي ولا وقت عندي اضيعه في الرياضة او الاهتمام بنفسي.

اقرأ ايضاً