العدد 4469 - الإثنين 01 ديسمبر 2014م الموافق 08 صفر 1436هـ

الحد الأدنى للأجور... المفاهيم العامة وضرورته للاقتصاد

عبدالله جناحي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مفهوم الأجر تطوّر من اعتبار العامل سلعة، وبالتالي كلما زاد الطلب عليه زاد أجره كأي سلعة أخرى، حيث تم التعامل معه لاحقاً باعتبار الأجر قيمةً لقوة عمل العامل، وأن العمل ليس مجرد سلعة بل اكتسب مفهوماً تاريخياً واجتماعياً في تحديد قيمته وأجره. أي أن العامل يبيع قوة عمله مقابل أجره، لكن هذا الأجر لا يساوي قيمة عمله التي تتجسّد بالسلعة التي أنتجها أو الخدمة التي حققها، والفرق بين قيمة العمل والأجر هو فائض قيمة العمل الذي هو في نفس الوقت أرباح مالك وسائل الإنتاج.

وسنقدم تباعاً سلسلة مقالات تعتمد في طرحها لمفاهيم ومتطلبات الحد الأدنى للأجر على دراسة صادرة من منظمة العمل الدولية.

الحد الأدنى للأجر والمعايير الدولية

منظمة العمل الدولية منذ نشأتها في العام 1919، لم تعتبر العمل سلعةً، وأن قيمة الأجر لا يجب أن تخضع لقواعد السوق من حيث العرض والطلب، بل هذا جزءٌ أساسي من حياة كل فرد، وأساسيٌ لكرامة الإنسان وتطوّره وعيشه الكريم.

وحسب الاتفاقية الدولية رقم (131) بشأن تحديد الحد الأدنى للأجور، عرّفت المنظمة هذا الأجر بأنه «الكسب الأدنى المسموح قانونياً أو فعلاً مهما كان مستوى كسب أو مهارة العامل، وهو الأجر الذي لديه في كل بلد قوة القانون، ويوفّر هذا الأجر حمايةً للعاملين بأجر من الأجور شديدة الانخفاض».

لذا فإن الحد الأدنى للأجور يجب أن يراعي فيه التالي:

1. احتياجات العمال وعائلاتهم، مع مراعاة المستوى العام للأجور، وتكاليف المعيشة وإعانات الضمان الاجتماعي ومستويات المعيشة النسبية للمجموعات الاجتماعية الأخرى.

2. العوامل الاقتصادية ومنها متطلبات التنمية الاقتصادية، غير أن هناك خلافاً بين المدارس الاقتصادية والاجتماعية على أولوية أي وظيفة على الأخرى.

فالمدرسة «النيوليبرالية» تشجّع على السياسات المبنية على العرض والأرباح، وأن سوق العمل كغيره من أسواق السلع تخضع لقواعد العرض والطلب، ووجود الحد الأدنى للأجور هو إجراءٌ يخلّ بتوازن سوق العمل بين العرض والطلب، ولن يترك السوق حراً في تحديد الأجر والذي نتيجته هو الوصول إلى العمالة الكاملة وغياب البطالة، حيث أن سبب البطالة -في نظر هذه المدرسة- هو مشكلة عدم التوازن في سوق العمل وليس نقصاً في الطلب على العمل.

أما المدرسة «الكينزية» فترى بأن الحد الأدنى للأجر ليس مجرد كلفة، وإنما هو مصدرٌ لتدعيم الاستهلاك والطلب على السلع والخدمات، فالأجور هي محفز للطلب وبالتالي للإنتاج والاستثمار، مما سيزيد الطلب على العمال على المدى البعيد، وبالتالي لا يؤدي إلى التضخم وخفض الإنتاج وزيادة البطالة كما تزعم المدرسة «النيوليبرالية».

وحل المدرسة الكينزية بأن زيادة الأجور، يمكن لأصحاب العمل أن ينقلوا هذه الكلفة إلى المستهلك عبر زيادة الأسعار من أجل أن تحافظ الشركات على هامش ربحيتها عبر زيادة الأسعار، تماماً مثلما تقرّر زيادة الأسعار بسب زيادة الضرائب وأسعار المواد الطبيعية وغيرها من العوامل.

إن زيادة الحد الأدنى للأجور غايتها إعادة توزيع الثروات بين الأجراء، وارتفاع هذا الحد يؤثر إيجاباً على النسبة الأكبر من ذوي الدخل المحدود، حيث سيساهم في زيادة الاستهلاك والطلب على السلع، وبالتالي فإن ارتفاع قوتهم الشرائية سوف تحرّك وتنشّط الأسواق والقطاعات الاقتصادية، ما يحقّق المزيد من فرص العمل مع توسع هذه النشاطات.

إلى جانب ذلك، فإن وظيفة الحد الأدنى للأجور هي أنها أداةٌ لمكافحة اللامساواة في الأجر على أساس الجنس أو الوضع الاجتماعي (الطبقي)، وتمنع التمييز ضد العمال على أساس العرق أو المنطقة.

آليات تحديد الحد الأدنى للأجر

يجب أن لا تكون العملية بطريقة عشوائية أو لحسابات سياسية ومن دون معايير واضحة، كما يجب وجود دراسات اقتصادية واضحة لتحديد الحد الأدنى للأجور وزيادته دورياً.

1. زيادة الحد الأدنى للأجر يجب أن تتطابق مع نسبة التضخم، ومستويات الإنتاجية، حتى لا تؤدي إلى زيادة التضخم، وأن تحقق تحفيزاً في النمو والإنتاج.

2. زيادة الحد الأدنى للأجر يجب أن تترافق مع الزيادات في الأجور العامة لكي لا تتوسع الهوّة بين الأجور، بل يجب أن يزيد الحدّ الأدنى أكثر من الزيادات في الأجور العامة حتى يتم تقليص الهوة بينهما.

3. من أجل أن يكون الحد الأدنى للأجور ذا تأثير، عليه أن يطال شريحةً واسعةً من العمّال ذوي الأجر المتدني، ويجب أن لا يكون هذا الحد شديد الانخفاض لأنه لن يحقّق الهدف المنشود في التأثير على الاقتصاد والتحفيز، وأن لا يكون شديد الارتفاع أيضاً لأنه سيؤدي إلى البطالة والتضخم.

4. أن يتم تغيير الأجور عامة والحد الأدنى للأجور دورياً (سنوياً أو كل سنتين) خصوصاً في حال وجود نسبة تضخم عالية.

5. في كثيرٍ من الأحيان يتم ربط الحد الأدنى للأجور بالتأمينات الاجتماعية وإعانات البطالة، حيث تكون الأخيرة جزءًا من الحد الأدنى للأجور، وكذلك المعاش التقاعدي والمساعدات الرعائية الحكومية للفقراء والمهمّشين.

6. يجب أن يتم تأسيس المجلس الأعلى للأجور بأطرافه الثلاثة (الاتحاد النقابي، الحكومة، أصحاب العمل)، وأن يتم تحديد الأجور عبر المفاوضات الجماعية وليس بقرار حكومي منفرد، مع تطعيم المجلس بأكاديميين مستقلين معروفين بمصداقيتهم كالاقتصاديين والاجتماعيين وغيرهم.

7. في أغلب دول العالم يتم تحديد الحد الأدنى للأجور بشكل موحّد بين كل الأجراء، لكن بعض الأحيان يتم تحديده حسب القطاعات، ففي الصناعات ذات الإنتاجية الأكبر يكون الحد الأدنى أكثر ارتفاعاً... وهكذا.

8. القوانين لا تكفي لتطبيق الحد الأدنى للأجور بسبب محاولة بعض أصحاب الأعمال الالتفاف حول القوانين والتهرّب من دفع الحد الأدنى للأجر للعمال، لذا يجب أن يكون للنقابات دور قوي، وكذلك وجود جهاز تفتيش قوي وفعال، إلى جانب ربط حصول الشركات على المناقصات والعقود بوجود حد أدنى للأجر والسماح بتشكيل نقابات عمالية فيها. (يتبع).

إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"

العدد 4469 - الإثنين 01 ديسمبر 2014م الموافق 08 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 5:49 ص

      الكثير من أصحاب المؤسسات الصغيره يستغلون حاجة البحريني الوظيفة

      الكثير من أصحاب المؤسسات الصغيره يستغل حاجة البحرينين للعمل وخصوصا حديثي التخرج ويقوم بتوظيفهم كمتدربين وبدون أجر او بأجور ضحله لا تكفي حتى لتغطية كلفة المواصلات، ولا يوجد اي تدريب يذكر لهم بل عمل قاسي بساعات تتعدى ال 48 ،، وبعد انتهاء فترة التدريب يرفض تثبيت المتدرب بحجة عدم توفر دعم ال 200-200 .. ومن متدرب لمتدرب آخر مجاني .. أين الرقابة على هؤلاء الاستغلاليين

    • زائر 2 | 11:52 م

      شكرا أخي

      تشكر على هذا الموضوع الذي تحتاجه الطبقة العاملة

    • زائر 1 | 10:01 م

      لو

      أوكان البحرينيون ركزوا علي المطالب الاقتصاديه اولا لاصبح حالنا بأحسن حال لكن تغطرس البعض وخاصه امين عام احدي الجمعيلت الذي وعد في التسعينات بانه سيرجع ....

    • زائر 3 زائر 1 | 5:00 ص

      هناك مشكلة اكبر ، التستر بالخصخصة

      اقترح على جريدة الوسط ان تبحث موضوع الخصخصة والمقاولين اللذين يتفقون مع الشركات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية ويأكلون حق العامل ، ما هي قصة المتعهد الذي يأخذ ربع او نصف الراتب من حق العمل

اقرأ ايضاً