العدد 447 - الأربعاء 26 نوفمبر 2003م الموافق 01 شوال 1424هـ

بين المرح واللعب والملابس الجديدة... لماذا توارت بهجة العيد؟

يندر أن تجد أحدا من الناس، لا يعبر عن أسفه لانقضاء شهر رمضان المبارك دون أن يشعر به، ويندر أن تجد أحد كبار السن لا يتكلم بأسف وألم شديدين عن شهر رمضان وروحانيته السابقة، التي لا يجدون اليوم شيئا منها. والأمر ذاته ينطبق على الأعياد، فالأعياد التي كانت تعني في يوم من الأيام شعورا واحساسا غريبين وأوقاتا متميزة، أصبح اليوم مجرد يوم عادي لا تميزه سوى الألبسة الجديدة ووسائل الترفيه الكثيرة، اللهم الا تلك الصلات الانسانية التي تزداد شعلتها وضوحا أيام الأعياد.

هل نستطيع القول اذا أن أعيادنا الاسلامية فقدت سحرها وجاذبيتها وتحولت الى مظاهر جوفاء، فارغة؟! وهل ان الناس لم يعودوا يتقبلون تلك الصورة القديمة الجميلة للأعياد، يوم كان عيد الفطر السعيد وعيد الحج الأكبر يعني حالا استثنائية ينسج خيوطها الصغير والكبير والشيخ والشاب والفتى والفتاة، ويحس بها وبسلطانها الروحي والأخوي المسلمون كافة.

نبحث عن الاجابة في ثنايا التحقيق الآتي:

السوق الصغيرة المفتوحة للأطفال كانت تعج بالبائعين والمشترين الذين كان معظمهم من الأطفال، كان هناك من يبيع الهدايا والألعاب والسكريات «والنفيش» وكان هناك من يبيع المرطبات، ومن يبيع شطائر الكبدة والقيمة، التي أمسك باحداها الطفل علي محمد، قائلا «لقد حصلت اليوم على عيدية كبيرة، عشرة دنانير كاملة».

فسألته «وماذا ستفعل بها؟» فأجاب «سأشتري بها كل شيء، سأشتري الحلاوة والمسدسات والليزر» فتدخل الطفل الآخر علي عبدالغفور مقاطعا «سنذهب الى الحديقة اليوم، ونأكل ما نحب ونلعب حتى المغرب»، وكانت تلك حال جميع الأطفال الذين يجدون في الأعياد فرصة للعب والمرح والأكل.

أما بالنسبة إلى كبار السن والشباب فالأمر مختلف، وهذا ما لاحظناه عند دخولنا أحد هذه المجالس في بيت الحاج محسن أحمد محسن، إذ كانت هناك جماعة من الرجال، من بينهم الحاج علي رضي، الذي سألته قائلا: «لم أجد اليوم تلك السعادة والبهجة التي كنت أجدها وأنا طفل صغير، فهل تشعر أنت بها؟ فأجاب «طبعا أشعر بها، وأشعر معها بهذا العيد السعيد، فنحن والحمد لله من جيل غير جيلكم، ولم نعتد على ما تعودتم عليه أنتم من هذه الأشياء الجديدة، لذلك لايزال شهر رمضان بالنسبة لنا شهر الرحمة والمغفرة والتواد والتزاور، نترقبه بفارغ الصبر، لأنه يعني بالنسبة لنا يوما اسستثنائيا وأوقاتا خاصة نلتقي فيها بأصحابنا وأهالينا سواء في زياراتنا أو على وجبات الغداء».

ويقول معيوف حسن موضحا: «ان العيد السعيد انما هو عيد للمسلمين المؤمنين، الذين حسن صيامهم وقيامهم في هذا الشهر الفضيل، والذين استنفدوا الشهر في الطاعات والقربات لله سبحانه، وليس لأولئك الذين قضوه في السهرات والمجالس الفارغة، إذ تلف العيون والرحلات والمجمعات ودور السينما، والعياذ بالله في المراقص والمسارح، لذلك يستحيل أن يشعر به هؤلاء الضائعون ويشعروا بروحانيته، فهو بالنسبة لهم ثوب جديد وعطر جديد وعلاقة جديدة والعياذ بالله، ولكن المؤمنين اليوم في سعادة كبيرة ونحن لم نفقد أبدا احساسنا به».

ويخلص أحمد غلوم هو الآخر «أنظر الى هذا الطفل الصغير إنه يشعر بالشهر الكريم، أكثر مما تحسون به أنتم الشباب - أنا لا اعني كل الشباب فهنالك شباب يوضعون على الجرح فيطيب، ولكنني أعني أولئك الذين اتخذوا شهر رمضان لهوا ولعبا - فالطفل لايزال على سجيته ولايزال يشعر بأن العيد بالنسبة اليه يوم مختلف، وهو يقابل أصدقاءه ويمرح ويلعب معهم وهو يشتري الهدايا الجميلة ويجمع النقود، ولكنه لايزال يحمل الروح الرقيقة الهشة التي تشعره بهذا اليوم العظيم».

وفي مجلس آخر يضم مجموعة كبيرة من الشباب، كان الأمر مختلفا، فالثوب الجديد وتنسيفة الغترة والبدلة المزركشة كلها كانت علامات مميزة للشباب، وبعد أن أخذ عيسى أحمد نفسا طويلا من السيجار قال «وما هو العيد ان لم يكن الكشخة والثياب الجديدة؟! كيف يشعر الشباب بالأعياد اذا حرموا من كل ذلك؟! اننا والحمد لله صمنا الشهر الكريم وامتنعنا عن أشياء كثيرة لأجله، فهل نلام اذا ما استمتعنا بعيده السعيد باللباس الجديد وبالمطاعم وبالتسوق في المحلات التجارية، ثم اننا لم نخدش الحياء أبدا، فقد كنا سهرانين منذ الأمس خشية أن تفوتنا صلاة العيد، وسنحافظ اليوم أيضا على الصلاة جماعة، فأي جرم نرتكبه في لبس الجديد والتمتع بالحلال؟! اننا نعبر بذلك عن بهجتنا وسعادتنا بالعيد».

وبعد أن قدم لي هاشم سيدجواد، كوبا من الشاي الساخن قال «ان كلام كبار السن أمر طبيعي، فأهالينا والحمد لله على ذلك القدر الكبير من الايمان بالله سبحانه وتعالى، ولكنهم وهذه عادتهم يرفضون دائما وجهة نظرنا ويرون فينا شبابا تافهين لا نعرف ديننا ولا حتى دنيانا، والحال أننا معشر الشباب نعلم ونشعر بالعيد وقد قضينا شهر رمضان المبارك والحمد لله، فهل يريدون منا الحياة كما يحيونها هم؟ اذكر أنني اجتمعت مع أحد كبار السن وكان عمره يقارب الثمانين، وكان يتكلم عن الشباب وكيف أنهم يضيعون ليالي الشهر الفضيل في لعب البتة والكيرم والزهر، بدلا من ذهابهم الى المساجد، فرد عليه أحد الحاضرين من سنه نفسه انك عندما كنت شابا، كنت تلعب الكيرم والبتة والدومنة، أيام شهر رمضان. فهي حاجة من حاجات الشباب الى الترفيه عن النفس، وليس فيها خدش للدين والأعياد كما يظن كبار السن».

عندها ضحك الشاب الظريف، يوسف حسين معلقا: «أنا أجلس مع كبار السن وأستمع الى كلامهم كثيرا، وقد كنت جالسا مره أستمع الى أحد المشايخ في شهر رمضان في أحد المآتم، وكان حديثه دائرا حول الغيبة وكيف أنها اثم عظيم، وكنت أسمع كلام وتعليق كبار السن واستنكارهم، ولكن وبمجرد نزول الشيخ بدأ الغمز واللمز عليه، لا يعرف كيف يقرأ، «ما يسوى تفلة» أمام الخطيب الفلاني، وما لنا نحن وهذه المواضيع، بل تجرأ بعضهم وتحدث بكلام لا يليق عن الشيخ، فهل هذه أخلاق وشهر رمضان وأخلاق المؤمنين الذين ينادون بها؟ وهل ان خروج الشباب الى المحلات التجارية أو ذهابهم الى السينما أو قضاء أيامهم في السهر أكبر من هذه الكبيرة المنتشرة عند كبار السن بسهولة ألا وهي الغيبة؟ اننا نشعر بالعيد ونشعر ببهجته لأننا كما كبار السن تماما صمنا الشهر الكريم وحافظنا فيه على فرائضنا».

غير أن عقيل أحمد، يعارض هؤلاء الشباب، فهو يرى «أن المسألة غير متعلقة بكبار السن أو صغار السن بقدر تعلقها بالروحانية التي افتقدها الناس، صغيرهم وكبيرهم والعيد هو امتداد لروحانية الشهر الفضيل ومن دون هذه الروحانية يصبح العيد خاويا من المعاني».

بينما ينظر طارق صنقور (فني بمكتبة جدحفص العامة) الى المسألة من زاوية اخرى فيقول ان التربية التي عشنا عليها والاعراف والتقاليد - التي كانت تعني في مجملها امورا كثيرة شديدة الارتباط بمجمل اهتمامات الناس وتطلعاتهم اعني بذلك الاواصر الانسانية - تلاشت من الوجود فخلفت لنا المظاهر ليس الا فاصبحت الاعياد والمناسبات مجرد كلاشيهات وواجهات ولم يعد لها ذلك الحضور في وجدان الناس وذلك التأثير العظيم في مسالكهم فبهجة العيد تلاشت بفعل امور كثيرة انتهت وامور كثيرة سيئة برزت للسطح.

ولعدم قدرتنا على الدخول الى مجالس النساء، فنحن في بيئة محافظة، فقد تسلمت منهم مجموعة أوراق تحدثوا فيها عن مشاعرهم وخواطرهم تجاه العيد، واختصارا اذكر بعضا منها مع بعض التصرف.

اما فاطمة علي، فتقول «لكل انسان وجهة نظره في الأعياد، فكبار السن لهم وجهة نظرهم والشباب لهم وجهة نظرهم، وحتى الأطفال لهم وجهة نظرهم والزاوية التي يرونه منها، وأرى أن كل ذلك يشكل بهجة وفرحة الأعياد، فلا يجوز لنا اتهام أحد، أو التنزيل من قدره، فالانسان محتاج الى بعض الترفيه سواء كان صغيرا أم كبيرا».

وتقول خديجة «أنا أرى أن هناك فئة من الناس تقع عليها مسئولية ذهاب ريح العيد، وهم هؤلاء المتسيبون الذين لا يراعون ذمة ولا ضميرا، فلا بأس أبدا في المرح والترفيه، ولكن ما هو تعليل وقوف هؤلاء الشباب أيام الأعياد أمام البرادات واختلاطهم مع الأطفال في كل جهة من جهات القرية، وليس لهم من عمل سوى تفحص النساء، هؤلاء هم من يستحقون الضرب على أيديهم، وليس أولئك الشباب الذين يبحثون عن المتعة البريئة».

وتقول أم يوسف «كالعادة فإن الأعياد تمر علينا من دون أية فعاليات، فالفعاليات التي كانت منتشرة بشكل كبير في شهر رمضان المبارك، كأنما العيد ايذان بنهايتها، فلا نلحظ مهرجانا أو فعالية قائمة، اللهم الا أمورا بسيطة قد اعتادها الناس، فنحن لا نجد ذلك الحضور للمؤسسات المدنية كالصناديق الخيرية والجمعيات والنوادي مثلا، ذلك الحضور الذي يمكنه أن يحقق المهرجانات والفعاليات التي تعنى مثلا بالألعاب الشعبية والمسابقات والأسواق».

تبقى اذا للأعياد بهجتها وفتنتها، وان كان الفرد منا كلما تقدم في السن كلما بدأت نفسه تمل هذه المظاهر وتنصرف الى أعماقها التي تعني الطاعة والقرب من الله سبحانه وتعالى

العدد 447 - الأربعاء 26 نوفمبر 2003م الموافق 01 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً