العدد 4471 - الأربعاء 03 ديسمبر 2014م الموافق 10 صفر 1436هـ

لا تخشوا الأمراض... سيتولى الكمَدُ أمركم!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

اصمتوا ففي الصمت سلامة. ابنوا جدراناً كي تمشوا إلى جانبها. سدّوا عيونكم كي لا تُبصر ما لا تحبُّونه ولا تُحمَدُ عُقباه. لا تُصغوا إلى الذين ينبِّهونكم لمن يصادرون أبسط خياراتكم في الحياة. لا تتّبعوا الذين يريدون الخير لكم لأنهم سيلوّحون لكم بطرق النجاة لكنهم سيوردونكمُ سبل المهالك.

استغنوا عن سبَّاباتكم كي لا تحرِّضكم على اتهام أحد حتى لو كان متلبِّساً بالجُرْم. لا ترتادوا أمكنة الساخطين والمُحبطين والذين امتلأت قلوبهم بالجراحات والعذابات والفقد، ففي ذلك مواساة وعدوى قد لا تُحمد عواقبها.

ثم إنكم ما لكم والانحناء على منازل موتاكم انحناء في أسى يسترجع الوجع مما حدث، ويفتح الجراح على مصاريعها، ولكم في جراحاتكم ما يُغني! اخترعوا محاسن حتى للذين لا محاسن لهم من الأموات والأحياء؛ ولو كان رصيدهم منها صفْراً. احلموا ولكن في غُرف نومكم والأماكن المغلقة فذلك أدْعى للسلامة وتجنّباً للتهور. استغنوا عن حصَّتكم حتى من الهواء وضوء الشمس تحسباً لانهيار أسعار النفط، وعجوزات الموازنة التي ستتطلب منكم العودة من حيث أتيتم، وبذلك تريحون وتستريحون.

ثم ما الضير في أن تكونوا رهائن ما دمتم تحظون بحراسة على مدار الساعة؟ وما الضير في أن تحيوا فصلاً واحداً في السنة؛ إذ في ذلك تجنبُ تقلُّبِ الطقس، وما يتركه من أثر على جهاز المناعة! ثم لتكن ألسنتكم بين فكّيْن؛ كي لا تقعوا في محصلة ونتيجة مخالفة حكمة سيِّد البلغاء في «مقتل المرْء بين فكَّيْه».

كونوا من الذين يُحسْنون المجاراة وطأطأة الرأس، ففي ذلك طرْدٌ للهمِّ، وجلْبٌ للسذاجة، وأكثر ما يكون الإنسان سعيداً حين يعطّل عقله، ويتخذه طبْلاً، هكذا قال بعض الحكماء ولا تسألوني من هُم!

الزموا حكمة الذين يرون في «حشْرٌ مع الناس عيد»، فذلك يعيدكم إلى وداعة القطيع، وانشغاله بالعشْب. وإياكم والوسواس الخنّاس الذي ينزغ في قلوبكم دفعاً إلى التبرُّم، والاحتجاج، والمخالفة، والتكتّل، ففي ذلك فساد أمركم، وتكالب الفتن عليكم، واستعداء الإنس والجن. وأنتم الذين لا تتحمّلون «التصرفات الفردية»، أو غازاً بطعْم المايونيز، لن تقوى أرواحكم المرهفة، ونفوسكم «الجيلاتين» على مقاومة ما هو أشد وأمضى.

والزموا رعاكم الله، اجتماع الكلمة بحسب الوصفات الجاهزة سريعة التحضير. المهم ألاَّ تؤدي بكم إلى أبواب تعبرونها، أو نوافذ تطلُّون من خلالها، أو طرق تسلكونها، ولتتمثَّلوا: «الصبر مفتاح الفرج»، حتى لو لم يأتِ الفرج ولم تشمّوا رائحته! فيكفي أنكم تحفظون مؤدى الحكمة عن «ظهر» و»بطن» قلب!

وحين تضيق بكم السبل، وتسوَدُّ الدنيا، فعليكم بالنوم الذي سيكون لكم عاصماً من عمليات الطرح والجمع والقسمة والضرب في أخماس وأسداس؛ أو ضرب «الكف والوَدَع» دون أن تفتحوا أفواهكم حتى للتثاؤب كي لا يساء الظن بكم!

ثم إنكم يا معشر الإنس ممن عنيْنا، أولئك الذين إذا صمتوا كانوا في مأمن وسلامة، والذين إذا لزموا الجدران أمنوا الوصول، والذين إذا سدّوا عيونهم ضمنوا ألاَّ تُبصر ما لا يُحبُّون وما لا تُحمَدُ عُقباه، والذين لا يُصغون إلى الذين ينبِّهونهم لسارقي أقواتهم ومُصادري أبسط خياراتهم في الحياة؛ خذوا حظكم ونصيبكم من الحياة الدنيا، بموت إضافي وفائض؛ مادمتم مجرد أرقام تظل عرضة للتحول والتغيّر، وعرضة لأن تتم قسْمتها وضربها وطرحها وجمعها بحسب المراحل والظروف والفصول والمقتضيات؛ وبحسب حركة مؤشرات البورصة، في سباقات رهانٍ، لدى أصحابها لياقة الوصول إلى الكواكب هرولة؛ وتوفير المنِّ والسلوى لكم، ولكن في كوابيسكم التي لن تتحول إلى أحلام.

وفي النهاية، لا تستنزفوا تفكيركم خشية الأمراض الفتاكة والأوبئة وتقارير الفحوصات الدورية نتيجة التلوث والغازات؛ لأن كمَدَاً وحسرة وقلة حيلة ستتولى ما هو أسرع وأرحم من كل ذلك.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4471 - الأربعاء 03 ديسمبر 2014م الموافق 10 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • المتمردة نعم | 6:28 ص

      المتمردة نعم

      سلمت انامل الاستاذ الجمري لا حرمنا الله هذا اليراع الدافق.

    • زائر 1 | 11:41 م

      تحية

      مقال جميل ومعبر وأسلوب حيوي . كلام عميق وفي الصميم. keep on with good luck

اقرأ ايضاً