العدد 4474 - السبت 06 ديسمبر 2014م الموافق 13 صفر 1436هـ

الحركة النقابية العربية بعد الربيع العربي

عبدالله جناحي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الشعب العربي من المغرب إلى عُمان لم يعد نفسه بعد ثورات الربيع العربي، فقد تم الفرز الاجتماعي والسياسي بين طبقاته وشرائحه الاجتماعية، وبرز جيل شبابي ثائر ومطالب بالتغيير والإصلاح، كما برزت تحولات في بنية الأحزاب التقليدية منها والجديدة، وانقسم المجتمع بمؤسساته المدنية والسياسية إما على بقاء الوضع السابق وعدم التغيير الجذري المطلوب، أو إلى التغيير والإصلاح. هذه التغييرات والتحولات أصابت الحركة النقابية العربية أيضاً، ففي كثير من الدول العربية تأسّست نقابات جديدة وتمردت نقابات عمالية ضد الاتحادات التي انحازت للأنظمة السابقة، بل وقامت هذه الأنظمة بتأسيس نقابات واتحادات عمالية جديدة ودعمها لمواجهة النقابات والاتحادات العمالية التي انحازت لثورات شعوبها.

والنموذج الواضح لهذا الانقسام والولادة الجديدة للحركة النقابية هو تأسيس الاتحاد العربي للنقابات والذي كان رداً وبديلاً عن الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب الذي انحازت قيادته وبعض الاتحادات العمالية العربية الموالية للأنظمة السابقة، الأمر الذي فرض خروج كثرة من الاتحادات العمالية منه والعمل لخلق اتحاد عربي نقابي جديد.

تأسس الاتحاد العربي للنقابات في العاصمة الأردنية (عمّان) وذلك في 1 ـ 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2014م، وقد انعقد هذا المؤتمر بحضور 220 مشاركاً من 17 اتحاداً نقابياً عربياً، مدعوماً بحضور نقابي دولي.

ولقد كشف هذا الحضور الدولي الكبير في المؤتمر بأن الحركة النقابية الأممية الأكثر تمثيلاً قد انحازت لهذا الاتحاد العربي وبالتالي رفعت دعمها وتأييدها عن الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب.

واقع الاتحادين الجديد والقديم

بالنسبة للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب الذي استمرت قيادته مؤيدة لأنظمة عربية فاسدة سقطت في الثورات العربية، أو داعمة لأنظمة عربية مازالت تقاوم التغيير والإصلاح، فإن من بقيت من الاتحادات العمالية العربية في عضويته هي تلك الاتحادات المدعومة من هذه الأنظمة التقليدية أو التي تم تشجيعها في التأسيس لمواجهة الاتحادات العمالية العربية التي انحازت لثورات وانتفاضات شعوبها.

وقد خرجت من هذا الاتحاد عدد من الاتحادات العمالية العربية ليشاركوا في تأسيس الاتحاد الجديد، وذلك على النحو التالي: الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، الاتحاد العام لنقابات عمال عُمان، الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن، الاتحاد العام لنقابات عمال موريتانيا، الاتحاد المغربي للشغل، الاتحاد التونسي للشغل، الاتحاد العام لنقابات عمال اليمن.

وهذه الاتحادات قد انفصلت من الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب والانضمام لهذا الاتحاد الجديد، إضافة لهم شارك الكثير من الاتحادات العمالية المستقلة التي كانت بالأساس خارج الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب والنقابات الجديدة في تأسيس هذا الاتحاد العربي الجديد وهي على النحو التالي: الكونفدرالية الوطنية للشغيلة الموريتانية، الكونفيدرالية الحرة لعمال موريتانيا، الكونفيدرالية العامة لعمال موريتانيا، الاتحاد الديمقراطي لعمال مصر، الفيدرالية الديمقراطية للشغل في المغرب، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل في المغرب الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، الاتحاد العام لنقابات عمال ليبيا، النقابة الوطنية المستقلة لمستخدمي الإدارة العمومية في الجزائر.

أما على الصعيد الأممي فقد انحازت كثرة الاتحادات الدولية لهذا الاتحاد العربي الجديد وهي على النحو التالي:

ـ إلقاء مدير عام منظمة العمل الدولية غاي رايدر كلمة عبر الفيديو.

ـ مشاركة الأمين العام للاتحاد الدولي للنقابات شارن بررو ونائبها ياب.

حيث أعلنت في المؤتمر «أن ولادة هذا الكيان النقابي العربي تحت مظلة الاتحاد الدولي للنقابات».

ـ وقد شاركت اتحادات عالمية عديدة في هذا المؤتمر تعبيراً منهم لدعم هذا الاتحاد الجديد مثل: الاتحاد الدولي للمعلمين ـ اتحاد الصناعات الدولي ـ الاتحاد الدولي للنقل ـ الاتحاد الدولي للخدمات ـ الاتحاد الدولي النقابي لشبكات الإعلام ـ الاتحاد الدولي لعمال البناء والأخشاب ـ واتحاد عمال إيطاليا ـ مركز التضامن العمالي الأميركي ـ اتحادات ومؤسسات من إسبانيا وألمانيا والدنمارك وبلجيكا وبريطانيا وفرنسا وتركيا.

ـ كما شاركت منظمات دولية وشخصيات نقابية مرموقة في تأسيس هذا الاتحاد مثل: ندى ناشف، مسئولة مكتب منظمة العمل الدولية في الدول العربية وغيرها من المسئولين الكبار في منظمة العمل الدولية المتواجدين في جنيف أو في القاهرة مثل الأستاذ النقابي العربي وليد حمدان، ومن معهد تورين التابع للمنظمة في تورين بإيطاليا، اتحاد عمال النرويج، الفيدرالية العامة لعمال النفط في العراق، الاتحاد الشعبي اللبناني، المنظمة العمالية العالمية، الفيدرالية العامة لعمال اتحاد التجارة بالعراق، ومن تونس، الأردن، المغرب، مصر، ليبيا والبحرين من الشخصيات النقابية المرموقة التي تم تكريمهم في المؤتمر، ومنهم أول أمين عام للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين الأخ العزيز عبدالغفار عبدالحسين.

التحول العربي المناقض للتحول الأممي

في ظل الصراع الدولي إبان وجود المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي انقسمت الحركة النقابية العمالية العالمية إلى قسمين، قسم انحاز للمعسكر الاشتراكي رغم أن هذا المعسكر لم يجسد التعددية النقابية في دوله، فلم يكن هناك وجود سوى لاتحاد عمالي واحد في كل دولة من هذه الدول الاشتراكية تم فرضه من قبل الحزب الحاكم دون أن يترك للعمال حق الاختيار بين الوحدة النقابية أو التعددية النقابية، وقسم انحاز للدول الرأسمالية التي تركت للعمال حق الاختيار بين التعددية أو الوحدة النقابية، ولكن بعد انهيار المعسكر الاشتراكي بدأت الحركة النقابية العمالية بقطبيها تقتربان تدريجياً مع بعضها البعض لتتوحد جهود الحركة العمالية لمواجهة العولمة المتوحشة، ولذلك اندمج الاتحاد الدولي للنقابات الحرة والاتحاد العالمي للعمل في اتحاد نقابي عمالي واحد وذلك في نوفمبر/ تشرين الثاني 2006م، وذلك بعد أن استوعبا أهمية توحيد صفوف الطبقة العاملة في جميع أنحاء العالم لمواجهة السياسات النيوليبرالية الرأسمالية والعولمة المتوحشة التي أفرزت نتائج سلبية على جميع العمال سواء في الدول الرأسمالية أو في العالم الثالث.

وعلى العكس من هذه الحالة التوحيدية المطلوبة والتي أؤمن بها رغم قناعتي بحق العمال في الخيار بين الوحدة أو التعددية النقابية، ورغم وضوح هذه الحرية في الاختيار بين التعددية أو الوحدة في الاتفاقية الدولية رقم (87) المعنية بالحقوق والحريات النقابية الصادرة عن منظمة العمل الدولية، بترك هذا الحق للعمال بحسب تفسير لجنة الحريات في المنظمة، ويجب ألا تفرض التعددية على العمال من خلال القانون، ويجب عدم تدخل الحكومات في هذا الخيار. ففي مرحلتنا الراهنة وفي ظل العولمة المتوحشة وقيام الشركات عابرة القارات في تفتيت الطبقة العاملة واستغلالها بات الوعي والضرورة والمصلحة العمالية يفرض الوحدة والديمقراطية والحرية والاستقلال وذلك على حساب التعددية لتكون هذه الطبقة العاملة متوحدة وقوية وقادرة على مواجهة جشع الرأسماليين، ولكن على العكس من هذا التوجه المطلوب انقسمت الحركة النقابية العربية بدلاً من أن تتوحد من جراء تأثير السياسة والانحيازات لأنظمة عربية فاسدة ومستبدة، الأمر الذي فرض على الكثير من الاتحادات والنقابات العمالية المنحازة لثورات شعوبها العربية ألا تتحمل الصراع الداخلي وتنفصل، وهذا ما جرى عند تأسيس الاتحاد العربي للنقابات كبديل عمالي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب.

ورغم أن أمين عام الاتحاد الجديد قد أوضح في كلمته أمام المؤتمر التأسيسي «بأن إنشاء منظمة عربية جديدة كانت فكرة سابقة على انطلاق انتفاضات الربيع العربي، ولكن الفكرة تعززت بعد كشف حراك الربيع العربي عن تشابك موضوعات العدالة الاجتماعية والديمقراطية وأهمية دور منظمات المجتمع المدني والنقابات، وأن سبب التفكير في تأسيس اتحاد نقابي عمالي عربي جديد هو وجود خطر الأطماع الخارجية التي يطمح أصحابها إلى الاستيلاء على ثروات المنطقة عبر إلهاء شعوبنا بالاقتتال وخطر الاستبداد والإرهاب».

وأمام هذا المشهد يبدو أن ثنائية القطبين بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي والذي انتهى، قد تحولتا إلى ثنائية عربية بين حركات نقابية عمالية حرة ومستقلة وديمقراطية ومنحازة للشعوب ومدافعة عن حقوق الطبقة العاملة في دولها، وحركات نقابية عمالية منحازة للأنظمة العربية المستبدة وغير الديمقراطية، وإلى حين ينهار أحد المعسكرين في الوطن العربي سيكرر التاريخ نفسه كما كان إبان الحرب الباردة ولكن بوجهه العربي.

إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"

العدد 4474 - السبت 06 ديسمبر 2014م الموافق 13 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 10:26 ص

      الزائر1 (تحياتي)

      تكملة الرد على الزائر1 \\عن تشابك موضوعات العدالة الاجتماعية والديمقراطية وأهمية دور منظمات المجتمع المدني والنقابات،
      والخلاصة : بأنه لابد من انشاء البدائل النقابية عن تلك التي تعمل تحت عباءة الحكومات وتسبح بحمدها و ان ايجاد البدائل النقابية ضرورة حفاظا على استقلاليتها و اهدافها الصحيحية التي لا تكون الا بالاستقلالية عن الحكومة. انتهى

    • زائر 3 | 10:21 ص

      الزائر1 (تحياتي)

      تابع الرد على الزائر1والنموذج الواضح لهذا الانقسام والولادة الجديدة للحركة النقابية هو تأسيس الاتحاد العربي للنقابات والذي كان رداً وبديلاً عن الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب الذي انحازت قيادته وبعض الاتحادات العمالية العربية الموالية للأنظمة السابقة .وكان أمين عام الاتحاد الجديد أوضح في كلمته أمام المؤتمر التأسيسي «بأن إنشاء منظمة عربية جديدة كانت فكرة سابقة على انطلاق انتفاضات الربيع العربي، ولكن الفكرة تعززت بعد كشف حراك الربيع العربي عن تشابك موضوعات العدالة الاجتماعية والديمقراطية يتع

    • زائر 1 | 4:33 ص

      كلام يقترب للتهريج

      هل إتحاد عمال عمان يعبر عن الحرية والإستقلالية وهل وجوده في الأردن يعبر عن ذلك ثم من هي الجهة التي تمول هذا الإتحاد أنت تتحدث بنوع من الغير موضوعوعية ....ثم من قال لك ان معظم الإتحادات التي تتحدث عنها هي نتاج الربيع العربي مثال الإتحاد المغربي للشغل الإتحاد التونسي للشغل إتحاد عمال موريتانيا إتحاد عمال البحرين وغيرهم كانت تعمل بسنوات طويلة قبل ما يسمى بالربيع العربي هذا الإتحاد نتاج مركز التضامن الأمريكي

    • زائر 2 زائر 1 | 10:14 ص

      الزائر1 (تحياتي)

      الزائر 1 وكرد بالمثل أعتقد ان تعليقك الذي عنونته ب كلام يقترب من التهريج ان تعليقك هو التهريج بعينه لأن كاتب المقال لم يقل ابدا ان معظم الاتحادات المذكورة هي نتاج الربيع العربي ، ابدا لم يقل ذلك و انما قصد :وانقسم المجتمع بمؤسساته المدنية والسياسية إما على بقاء الوضع السابق وعدم التغيير الجذري المطلوب، أو إلى التغيير والإصلاح. هذه التغييرات والتحولات أصابت الحركة النقابية العربية أيضاً، ثم يقول :والنموذج الواضح لهذا الانقسام والولادة الجديدة للحركة النقابية هو تأسيس الاتحاد العربي للنقابات يتبع

    • زائر 5 زائر 1 | 10:48 ص

      الزائر1(تحياتي)

      تابع الرد على الزائر1والنموذج الواضح لهذا الانقسام والولادة الجديدة للحركة النقابية هو تأسيس الاتحاد العربي للنقابات والذي كان رداً وبديلاً عن الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب الذي انحازت قيادته وبعض الاتحادات العمالية العربية الموالية للأنظمة السابقة .وكان أمين عام الاتحاد الجديد أوضح في كلمته أمام المؤتمر التأسيسي «بأن إنشاء منظمة عربية جديدة كانت فكرة سابقة على انطلاق انتفاضات الربيع العربي، ولكن الفكرة تعززت بعد كشف حراك الربيع العربي عن تشابك موضوعات العدالة الاجتماعية والديمقراطية يتبع

    • زائر 6 زائر 1 | 10:49 ص

      الزائر1 (تحياتي)

      تكملة الرد على الزائر1 \\\\عن تشابك موضوعات العدالة الاجتماعية والديمقراطية وأهمية دور منظمات المجتمع المدني والنقابات،
      والخلاصة : بأنه لابد من انشاء البدائل النقابية عن تلك التي تعمل تحت عباءة الحكومات وتسبح بحمدها و ان ايجاد البدائل النقابية ضرورة حفاظا على استقلاليتها و اهدافها الصحيحية التي لا تكون الا بالاستقلالية عن الحكومة. انتهى

اقرأ ايضاً