العدد 4475 - الأحد 07 ديسمبر 2014م الموافق 14 صفر 1436هـ

التجمهر السياسي السلمي ليس جرماً

علي محسن الورقاء comments [at] alwasatnews.com

محامٍ بحريني

في مقال سابق لنا حمل عنوان «التجمهر السياسي» قد نُشر في صحيفة «الوسط» بالعدد رقم (4033) قلنا فيه إن التجمهرُ كلمةٌ منبثقةٌ من مصطلح «الجمهور» أي جمهور الشعب، وتعني بوجه عام: تجمهر أو تجمع أو تظاهر بعضٍ من الجمهور لسبب من الأسباب أو لمناسبة معينة. وحددنا فيه أنواع التجمهر الذي يدخل فيه التجمهر الرياضي، والتجمهر الديني (كصلاة الجمعة أو الجماعة أو مواكب العزاء الحسيني)، والتجمهر الاجتماعي (كحفلات الأعراس والأفراح)، والتجمهر السياسي لأمرٍ سياسي معين أو لحدثٍ سياسي واقع.

وقلنا حينذاك أن التجمهر السياسي قد يكون صامتاً وساكناً في بقعة واحدة ويسمى «اعتصاماً»، وقد يكون متحركاً وناطقاً ويسمى «تظاهرةً» أو «مسيرةً»، وفي الحالتين قد يكون مؤيداً لسياسة الحكومة أو معارضاً لها، فيأتي إما معبراً عن رأي وإما حاملاً لمطالب شعبية، وهو حق للمواطنين وحدهم فقط.

وحيث إننا في هذا المقال نتحدث عن تعلُّق التجمهر السياسي بالجرم الجنائي، يلزمنا بداية أن نقف حول مشروعية هذا التجمهر من حيث المبدأ، ثم نتوقف لنبحث مدى تعلق التجمهر السياسي بالجرم الجنائي المعاقب عليه قانوناً، وذلك من خلال الوجهين الآتيين على النحو الآتي:

الوجه الأول: مشروعية التجمهر السياسي:

سنكتفي في هذا الشأن بالدستور والقوانين المحلية دون الاستناد إلى الاتفاقيات والمواثيق والمعاهدات الدولية للتأكيد على مشروعية التجمهر السياسي، فيما يأتي:

أولاً: الدستور: وفيه تنص المادة رقم (23) على «أن حرية الرأي مكفولة، ولكل إنسانٍ حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما».

ثانياً: ميثاق العمل الوطني: وفيه تنص الفقرة الرابعة من الفصل الأول على «أن لكل مواطن حق التعبير عن رأيه بالقول أو بالكتابة أو بأي طريقة أخرى من طرق التعبير عن الرأي...».

فإذا كان التجمهر السياسي هدفه الأساس ـ وفقاً لما أشرنا إليه سلفاً ـ التعبير عن الرأي باعتباره وسيلة من وسائل التعبير، فهو إذاً بمقتضى النصين السابقين حق مشروع.

فضلاً عما تقدم نجد أن قانون رقم (18) لسنة 1973 بشأن الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات قد اعتبر الاجتماعات العامة ومنها المظاهرات السياسية مباحة.

وبناء على ذلك، ننتهي إلى أن التجمهر السياسي من حيث المبدأ مباح باعتباره حقاً كفله الدستور، وأن أي قانون يُحرِّم أو يُعطِّل هذا الحق يُعد قانوناً غير دستوري.

الوجه الثاني: مدى ارتباط التجمهر السياسي بالجرم الجنائي:

انتهينا فيما سبق إلى أن التجمهر السياسي هو من حيث المبدأ مباح باعتباره حقاً كفله الدستور فلا يجوز تحريمه أو جعله جريمة يعاقب عليها القانون. بيد أن قانون العقوبات في البحرين قد جرَّمه وحدده له عقوبة جنائية طبقاً لأحكام «التجمهر والشغب» في المواد الواردة في الفصل الثالث من القسم الخاص في هذا القانون.

وهنا سنقف على مادة واحدة من هذه المواد باعتبارها أهم المواد المتصلة بالتجمهر، وهي المادة رقم (178)، التي جاء فيها ما يلي: «كل من اشترك في تجمهر في مكان عام مؤلف من خمسة أشخاص على الأقل، الغرض منه ارتكاب جرائم، أو الأعمال المجهز أو المسهلة له، أو الإخلال بالأمن العام ولو كان ذلك لتحقيق غرض مشروع يعاقب بالحبس...».

هذا النص في ظاهره لم يحرم التجمهر بشكل مطلق إنما حرمه في حالة قيام الركن المادي لجريمة التجمهر، وهو «ارتكاب جرائم أو الأعمال المجهزة أو المسهلة لها، أو في حالة الإخلال بالأمن»، مع اشتراط توافر الركن المعنوي للجريمة (أي القصد الجنائي) وهو نية المتجمهرين لارتكاب الجرائم المشار إليها.

فإذا ما نظرنا إلى الركن المادي السابق وهو «ارتكاب جرائم»، نجد أن النص لم يحدد ماهية هذه الجرائم وأركانها، ما جعل النص ضبابياً، حيث لا ندري هل أن المشرّع يقصد من النص أن مجرد التجمهر يُعدّ جريمة لكونه يخلّ بالأمن! أم أن مجرد السير في الطرق وحمل اللافتات جريمة! أم أن هتاف الجماهير في نظر المشرع جريمة! وهو عيب بالغ الخطورة، حيث لا يوجد قانون في العالم المعاصر يعاقب على جريمة إلَّا بعد بيان ماهية هذه الجريمة (بفعل أو بالامتناع عن فعل) وأن يكون هذا البيان بشكل واضح نافياً للجهالة.

فإنْ كان ما تقدم أعلاه هو قصد المُشرِّع فإنه لا معنى للديمقراطية طالما يحظر على المواطنين التعبير عن آرائهم بطرق وبوسائل سلمية.

ولهذا فإن النص حين اكتفى بكلمة «جرائم» دون بيان ماهيتها يكون فارغ المضمون وغامضاً في دلالته، وهذا العيب يكفي بذاته لجعل النص قاصراً وغير قابل للتطبيق.

فضلاً عن أن النص في بيانه للركن المعنوي (القصد الجنائي) حيث يقول «لغرض ارتكاب جرائم» جاء ليشترط توافر نية المتجمهرين لارتكاب جرائم، وهذه النية لا يُعتدّ بها إلَّا بعد ظهور دلائل على أرض الواقع تثبت النية على ارتكاب جرم، ذلك لأن النوايا الباطنية لا يجوز حملها كواقع طالما أنها لاتزال مكنونة في النفوس، وبالتالي لا يجوز التعرض للمتجمهرين قبل التأكد من نواياهم، أو قبل أن يصدر منهم ما يحمل على ارتكاب جرائم أو حصول عنف.

وعليه ننتهي بالقول إلى أنه؛ باسم الدستور، وبموجب الأعراف والقرارات والتوصيات والاتفاقيات الدولية، وبناء على الإعلان الدولي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية؛ إن التجمهر السلمي (الخالي من العنف) ليس جرماً يعاقب عليه القانون، وإن التصدي له قَبْلَ أن يخرج عن سلميته ـ من أية جهة وبأي نوع من أنواع التصدي ـ يُعَّد عملاً خارجاً عن القانون، وإن عدم الترخيص له من قبل الجهات الرسمية ـ بعد الإعلان المسبق عنه ـ هو بمثابة التصدي له المخالف للقانون.

إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"

العدد 4475 - الأحد 07 ديسمبر 2014م الموافق 14 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 1:38 ص

      صار التجمهر تهمة من لا تهمة له في البحرين فالالاف في السجون تحت هذه التهمة

      عادي يعني تمشي مع خمسة افراد يوم ثاني الفجر مداهمين بيتك للاعتقال والتهمة جاهزة تجمهر واعمال شغب وحرق جنائي الناس عارفة هالشي ودليلهم الوحيد المخبر السري او اعترافهم طبعا بالتعذيب وعادي يحكمون بالعدد المفضل لديهم وهو 10 سنوات وفوق ( العالم كله صار يعرف التهم الذي يزج بها الشباب )

    • زائر 2 | 11:18 م

      إنه لا معنى للديمقراطية طالما يحظر على المواطنين التعبير عن آرائهم بطرق وبوسائل سلمية.

      إنه لا معنى للديمقراطية طالما يحظر على المواطنين التعبير عن آرائهم بطرق وبوسائل سلمية.
      ولهذا فإن النص حين اكتفى بكلمة «جرائم» دون بيان ماهيتها يكون فارغ المضمون وغامضاً في دلالته، وهذا العيب يكفي بذاته لجعل النص قاصراً وغير قابل للتطبيق.

    • زائر 1 | 11:14 م

      لا يوجد في العالم كله قانون يجرّم التظاهر السلمي =مئات المساجين في البحرين تحت هذه التهمة

      رغم ان العالم كله يجيز التظاهر السلمي ويقرّ بأن ذلك غير مخالف للقوانين الا ان في بلدنا مئات مسجونين لسنوات طويلة تحت قائمة جريمة التظاهر السلمي من دون ترخيص

اقرأ ايضاً