العدد 4481 - السبت 13 ديسمبر 2014م الموافق 20 صفر 1436هـ

لماذا نعيش؟... السؤال الحائر

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

سأل أحدهم حكيماً لماذا نعيش؟ فأجاب: لأننا وَجدنا أنفسنا في زمانٍ نتحرك فيه، فكان لزاماً علينا أن نعيش، وأجاب: ولكن كيف لنا أن نعيش ونحن تُعساء، ولقمة العيش عسيرة، والهموم تملؤنا مع الفقر والجهل، والأمراض تحيط بنا حتى تعبتُ من العيش وَفقَدت الحياة رونقها، فحينما نكون أطفالاً تمتلئ حياتنا فرحاً وبهجةً ولعباً ولا نشعر بالفقر أو نعرفه، وكنا نعتقد أن الجميع مثلنا، وحينما ننتقل إلى مرحلة المُراهقة تبدأ صراعاتنا في تمييز الذات والتعرف على دواخلنا ومقارنتها بعوالم الطفولة البريئة التي أتينا منها بلا مسئولية، لنجد عالماً ملؤه التفرقة والمحاسبة والقصاص.

تنمو الأجساد وتبقى العقول غضة، وهي مازالت تعيش في براءة الأطفال مع غزو الهرمونات للجسد، والتي تُحدد الأنوثة أو الفحولة، تلك المرحلة التي يبدأ الشباب فيها بالانتماء المجتمعي، سواء السياسي أو الديني، أو بدون انتماء بتاتاً اعتماداً على المحيط الذي نعيشه من العادات والتقاليد والكيفية التي ننصَبُ فيها بالقوالب البشرية، والتأثيرات اليومية الاجتماعية والانترنتية وحجمها المُخيف وتأثيراتها الحسية، ما يُصعب التوازن ما بين العقل الوليد والجسد الثائر والتي قد تؤدي بالكثيرين إلى الانحرافات المجنونة، من ممارسة العلاقات غير المشروعة والشاذة إلى تناول العقاقير الخطيرة والوسائل التي قد تُهدئ ذلك البُركان النفسي والجسدي لتلك الآونة المؤقتة.

وحين تأخذنا الحياة ما بين طياتها وننتقل إلى عالم الكبار، والبحث عن كينونتنا، نرى التناقضات اليومية من الكذب والمراوغة عند الكبار جهاراً، من أجل الكسب السريع والعيش في المجتمعات المُركبة، والتي تُفضل الغُرباء وتُنافق أبناء الوطن الواحد وتسعى لهضم الحقوق، والتي تصدمنا ونحن في مستهلنا وقد ننجح في معرفة الطرقات ووعورتها أو نفشل ونبقى خارج القطيع.

أجابني الحكيم: لقد تشعبتَ كثيراً في تساؤلك وأضحيت فيلسوفاً ولا أفهم ما تُريد قوله. وإنني أعرف حقيقة من جد وجد، نعم أجبته: فلسفة العيش والخلق المتناقضتين نُخلق ونُرمى في غياهب الحياة وإن من جد وجد حقيقة، ولكن ما يحدث غير ذلك حيث تتقاذفنا الأمواج، ومنهم من يولد وفي فمه ملعقة من ذهب، ويتلذذ بتفاهات البذخ من العيش الفخيم بالبيوت والسفر، ومع ذلك فحياتهم يملؤها الخواء الداخلي والفوضى وعديمي الإنتاج، وتراهم أجساداً شبه ميتة، وهنالك فِئة تنام دون عشاء أو غِطاء ويعانون الفقر الذي يفتك بكل شيء جميل، وعذابات من الخوف والمرض وأحياناً الرغبات المُرعبة، والتي قد تقود إلى الرذيلة والبغاء وسوء الاستغلال، وبذا نرى أن كلا الاثنين هما وجهان لعُملةٍ واحدة، بطلها هو الإنسان، فالفقر يُدَمر وكذلك الغِنى يَطغى.

ما هو الحل إذن أنقذنا، أجاب الحكيم بتوجس وكأنه قد دخل مُنزلقاً يُحاول تفاديه. إنه الاعتدال في العطاء والأخذ، والعيش من أجل المبادئ والأهداف الإنسانية والكفاح المتواصل للاستمتاع والعيش الرغيد، قد يتمتع كل من الفقير والغني أكثر في الحياة إذا وجدا الهدف الذي يحييان من أجله، فدور المجتمع والأسرة من أجل المبادئ الجليلة والسعي من أجل تحقيق العدالة والكرامة والحرية والمساواة ومنع الظُلم والأذى والانخراط في مساعدة الفقراء، والتأمل في الكون والخالق، كلها تجعلنا نفرح بأننا بشرٌ ونسعد بتلك القدرات الإلهية.

وتوقف الشاب عن الأسئلة، فقد أعجبه الكلام قولاً، وليس تطبيقاً والجواب غامض تائه وبعيد، مُتسائلاً كيف للحكيم أن ينسي أنه مع انعدام الوسيلة تسقط الأهداف، وكيف أنه تناسى لُب الموضوع الذي أتاه، وكيف للأسرة التي تعيش على الكفاف في بيتٍ مُتهالك، وأبناء عاطلون ووالدٌ مسجون، وأمٌ مريضة وتعيش على الصدقات زرع كل هذه المبادئ، هي حالهم وفي قريتهم المتهالكة، وآخرون نساهم الزمان، كيف لنا أن نطالب بالمبادئ والأخلاق الرفيعة ومُقاومة الزلل والانحراف تحت هذه الظروف.

وحينما ترى أن الشقاء والابتلاء بالفقر المُدقع هو طريقك للحياة، تراك تسقط كل السُبل للحياة الكريمة، ومعها الأهداف والمبادئ، ويتحول الإنسانٍ إلى عبدٍ أجير وأداة سهلة للإذلال وسوء المعاملة، وكيف له الاستمرار في العيش وإسكات أوجاع الحرمان والوهن ومقاومة الزمان الظالم الذي رماه في غياهبه دون رحمةٍ أو ذنبٍ اقترفه، هكذا تتعامل بعض الأوطان مع أولادها تهملهم وتتنكر لهم. عاد خائباً هزيلاً وهو يهذي لماذا نعيش أيها الحكيم، حتى أنت لم تُسعفي.

هل توافقونه لماذا يعيش.

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 4481 - السبت 13 ديسمبر 2014م الموافق 20 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 7:25 ص

      شكراً لكم جميعاً

      انني اشكر المُعجبين بمقالاتي كما اشكرهم على الثناء والتعليق فنحن نكتب لكم ونتمنى ان تصل قلوبكم مثلما هى تصدر من قلبي وروعة الكتابة والاستمرار فيها لا تستمر دون مثل هذا التشجيع الذي يُفرحنا ويشجعنا على استمرارية العطاء ولجعل دنيانا اكثر قيمةً وفرحاً وازالة غموضها فشكراً لكم جميعاً قارئوون ومُعلقون

    • زائر 6 | 4:14 ص

      تحية لكي أستاذ سهيلة .

      أستاذة سهيلة آل صفر . أنا معجب بمقالتك أنها تمس الكيان و الفكر و تزرع الأفكار ربما بعضها سلبية و لكن تفتح أفاق الفكر لكي يعرف الشخص اين ذاهب و ماذا يجب أن يتفادى و كأنها رسائل و أنذارات للواقع المررير . أهنئك أستاذ سهيلة و اتمنى لك النجاح و التوفيق :)

    • زائر 5 | 11:50 م

      حلم1

      الحل بالنسبة لبعض النشطاء حول العالم هو التحول نحو الاكتغاء الذاتي وعدم الاعتماد على النغط في كل شي ، أشخاص مثل المهندس االمعماري MICHAEL REYNOLDS الذي أمضى أكثر من 40 سنة من الخبرة والتجربة لبناء منازل ذاتية التدفئة و التكييف هذا بالإضافة إلى أن المنزل مزود بألواح شمسية ويقوم بجمع الماء فليس هناك توصيلات من والى المنزل من الخارج لمعلومات أكثر يمكن مشاهدة الوثائقي حول الموضوع ( garbage warrior ) تكلغة مثل هذا البناء أقل بكثير من البناء التقليدي ويعتمد في بناءه في الأساس على مخلفات الاطارات

    • زائر 7 زائر 5 | 5:29 ص

      حلم2

      هنالك العديد من الأمثلة الأخرى مثل السيارات الكهربائية ( وثائقي : who killed the electric car ) حيث يمكن تصنيع سيارات كهربائية نحل محل مركبات البنزين الحالية وبمستوى أداء مقارب - EV1 -و الاستخدامات العديدة للطاقة البديلة . لكن للأسف منعت وتمنع قوى الظلام العالمية وتحديدا شركات النفط االعالمية مثل هذه الافكار والتكنولوجيا الجديدة التي قد تمنح أفقا جديدا للبشرية وتخلص العالم من إدمانه على النغط .

    • زائر 4 | 11:34 م

      موضوع جميل

      يحاكي فلسفة الحياة والموت .. سؤال محير وجوابه ليس سهلا خاصة بالنسة لؤلئك البشر اللذين ولدوا مع التعاسة والفقر والاضطهاد وجميع بلاوي الدنيا على رؤوسهم على عكس من ولدوا وفي افواههم ملاعق من ذهب فانهم لا يسالون فنظريتهم ان الحياة حلوة وكلها وناسة

    • زائر 3 | 11:26 م

      انما الدنيا اعدت لبلاء النبلاء

      انما الماضى قليلا للذى قد اقبلا

    • زائر 2 | 11:18 م

      الدنيا دار امتحان

      نعم يعيش ليقاوم الفقر و الجهل. يعيش ليجتهد و يتعلم و يعمل و يعطي حتى تستفيد من عطائه أجياله و مجتمعه ووطنه. الحياة محطة قصيرة و الدنيا دار امتحان فعلينا أن لا نيأس و نقاوم اذلالها لنا.
      مقال جميل جدا.

    • زائر 1 | 9:30 م

      عشان

      نشوف البلا اللي قاعدية نشووووفه كل يوووم

اقرأ ايضاً