العدد 4482 - الأحد 14 ديسمبر 2014م الموافق 21 صفر 1436هـ

تجربة سنغافورة في تحديد الحد الأدنى للأجر

عبدالله جناحي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تستشهد مشاريع إصلاح سوق العمل في البحرين بالكثير من سياسات ومشاريع سنغافورة كنموذج رائد، ولهذا السبب من المفيد عرض تجربتها الناجحة في مجال المجلس الأعلى للأجور، والتي أهملتها خطط مجلس التنمية الاقتصادية في البحرين.

في ضوء النمو الاقتصادي السريع في سنغافورة خلال الفترة 1960- 1970، وبروز القلق بشأن تصاعد الأجور دون ربطها بالمتغيرات الاقتصادية، قامت الحكومة السنغافورية في العام 1972 بإنشاء المجلس الوطني للأجور، حيث تمثل فيه أطراف الإنتاج الثلاثة، واعتبر المجلس كهيئة استشارية للحكومة، حيث قدم العديد من التوصيات لزيادة الأجور السنوية.

ويتضح من هذه التجربة أن توصيات المجلس توجيهية وليست إلزامية، رغم التزام القطاع العام -باعتباره أكبر رب عمل في سنغافورة- بمعظم هذه التوصيات، أما تأثير هذه التوصيات على القطاع الخاص فقد تركّز على العمال ذوي الياقات البيضاء، الذين يشكّلون نحو 40 في المئة من قوة العمل في القطاعين العام والخاص.

خلال الفترة من 1973 - 1979 تمت زيادةٌ في الأجور الفعلية، والتي أوصى بها المجلس. وقد انطلق المجلس الوطني للأجور في سنغافورة من رؤية اقتصادية، حيث أعلن عن «سياسة تصحيح الأجور»، إذ صممت هذه السياسة لزيادة القوة الإنتاجية، وخصوصاً للمهن والقطاعات ذات القيمة المضافة الأعلى، وبهدف تقليل الاعتماد على العمالة المهاجرة الرخيصة غير الماهرة.

ومن الملفت في التجربة السنغافورية أن الزيادات في الأجور الفعلية تجاوزت توصيات المجلس بمتوسط 2.4 في المئة في السنة. وترافق مع هذه التوصيات استمرار المفاوضة الجماعية عبر عقد اتفاقيات جماعية بين النقابات العمالية وأصحاب الأعمال.

ومن أهم نتائج هذه السياسة التصحيحية للأجور تضاعف بند الأجور في صندوق الادخار، غير أنه ومع بروز ظواهر للركود الاقتصادي خلال الفترة 1985- 1987 نفّذت الحكومة سياسة ضبط الأجور عبر تجميدها، مع وضع آليات لزيادة مساهمة أصحاب الأعمال في صندوق الادخار.

ومن ضمن الرؤى الجديدة للمجلس الوطني للأجور، تنفيذه «سياسة المرونة في الأجور»، وذلك بعد صدور قانون العمل المعدّل العام 1988، وبموجب هذه السياسة ظل الأجر الأساسي مستقراً نسبياً مع تعديلات جيدة في المكافآت السنوية أو تجميدها بحسب الظروف الاقتصادية، مع استمرار توافق أصحاب الأعمال والنقابات العمالية في تقاسم الأرباح والحوافز الإنتاجية.

نموذج سنغافوري ناجح

فيما يلي نوضح الآلية العملية لتطبيق سياسات دعم الأجور، وذلك من واقع التقرير السنوي للمجلس الوطني للأجور في سنغافورة:

في تقرير المجلس بشأن المبادئ التوجيهية للعام 2008 - 2009، وضع المجلس في اعتباره العوامل التالية:

- الأداء الاقتصادي للعام 2007: حيث واصل الاقتصاد نموه بنسبة 7.7 في المئة.

- ظروف سوق العمل: حيث ارتفع عدد القوى العاملة نحو 234900 في العام 2007 متجاوزاً رقم العمالة للعام 2006، وتم تحديد فرص العمل الجديدة وانخفاض معدلات البطالة.

- وعلى صعيد توقعات نمو العمالة في العام 2008 اعتمد المجلس على توقعات وزارة القوى العاملة، التي توقعت نمواً محدوداً في العمالة، وأن النمو سيتمركز في قطاع الخدمات، وأن هناك فرص عمل جديدة تكفي للسكان المحليين بما في ذلك الداخلون الجدد إلى سوق العمل.

- التضخم: حيث ارتفع الرقم القياسي لأسعار المستهلكين من 1 في المئة في العام 2006، إلى 2.1 في المئة في العام 2007، وذلك بفعل ارتفاع الأسعار العالمية للسلع والنمو الاقتصادي وزيادة الضرائب.

- الأجور: حيث ارتفعت بقوة وبنسبة 5.8 في المئة في العام 2007 في القطاع الخاص، وزيادات ملموسة في المكافآت والتعويضات.

- إنتاجية العمل: حيث انخفض نمو إنتاجية العمل في العام 2007، قياساً بالعام 2006، ويوضح التقرير أن النمو في الأجور الحقيقية الأساسية فاق الإنتاجية.

- التكاليف والقدرة التنافسية: حيث ارتفعت التكلفة، ما يؤثر على انكماش الإنتاجية في ظل ارتفاع نمو الأجور، غير أن زيادة تكلفة العمالة انسجمت مع نمو الإنتاجية.

- التوقعات للعام 2008: حيث تم تشخيص آثار أزمة الرهن العقاري الأميركي وأهمها نقص السيولة، وانعكاسات هذه الأزمة على النمو الاقتصادي والناتج المحلي الإجمالي. ومن التوقعات المطروحة في التقرير أن هناك مخاطر من عدم اليقين في معرفة اتجاهات الأسواق المالية العالمية.

- أشار التقرير إلى ارتفاع الأسعار العالمية للسلع كالنفط والغذاء، والعوامل الخارجية للتضخم وأسعار العقار (الإيجارات).

- في ضوء هذا التحليل قدّم المجلس توصياته التوجيهية في الدفع نحو تحسين الإنتاجية عبر زيادات في الأجور، دون أن يؤدي ذلك إلى تأخر في نمو الإنتاجية وتقليص الفجوة بينهما.

وفي هذا المقام يؤكّد المجلس ضرورة قيام الحكومة والشركات والنقابات بالجهود والتنسيق لتحسين الإنتاجية من خلال المزيد من الابتكار وإعادة تصميم الوظائف، وتكثيف التدريب والتعليم واكتساب المهارات الجديدة. ومقابل ذلك يوصي المجلس بتنفيذ «المنحة المستدامة للأجور» بحيث تتناسب مع زيادة الأداء والتوقعات.

وحدّد المجلس قيدين مهمين، هما عدم اليقين الاقتصادي العالمي وارتفاع التضخم، وتأثيرهما على العمال الذين يتقاضون أجوراً منخفضة ويشعرون بالقلق مع ارتفاع تكاليف المعيشة، ومع مراعاة القدرة التنافسية للإنتاج الوطني.

- وفي ظل فائض الموازنة للعام 2008 فقد اقترح المجلس تنفيذ «صفقة تقاسم»، تساعد على دعم العمالة ذات الأجور المنخفضة وزيادة دخلهم.

- وقد أعلنت الحكومة السنغافورية فور إصدار الموازنة للعام 2008 أنها ستستمر في تجميد الرسوم والنفقات، كما قام الاتحاد النقابي بتوفير قسائم دعم للعمال ذوي الأجور المتدنية.

- وأوصى المجلس منظمات أصحاب الأعمال -وفي ظل عدم اليقين الاقتصادي- بضرورة إصدار منحة في زيادة الأجور، بما يتناسب مع أداء الشركات وآفاق الأعمال التجارية، وذلك عبر تغيير معدلات مكافآت العاملين.

- ومن التوصيات الموجّهة لأصحاب الأعمال بهدف المزيد من مساعدة العمّال في تقليل تأثير معدلات التضخم عليهم، ينبغي النظر في منح، ولمرةٍ واحدة، مبلغ مقطوع للعمال مع إعطاء الأولوية للعمال ذوي الأجور المنخفضة.

- وقد رحّب المجلس الوطني للأجور بإعلان الحكومة إعادة توظيف كبار السن لتمكين العمال من العمل إلى ما بعد سن 62، وأوصى بالعمل مع أصحاب العمل والنقابات في تنفيذ إعادة التوظيف للعمال المسنين.

- وأشار المجلس في تقريره إلى أنه وفي ظل وجود مجموعة كبيرة من السكان الذين لا يعملون، ولاسيما النساء منهم، فقد حثّ أصحاب الأعمال ممن هم في حاجةٍ إلى العمال، على النظر في جذب هذه الفئة العاطلة لتنضم إلى القوى العاملة.

- وقد تطرق التقرير إلى مساعدة العمال متدني الأجور بما فيهم العاملون في القطاع غير الرسمي، عبر المزيد من دعم التعاونيات، وبالأخص التعاونيات في مجال الغابات وإلغاء الضرائب عنهم.

ويتوضح من التقرير أن آلية المجلس الوطني للأجور شفّافةٌ، وهناك اتفاق عام على تنفيذ توصياته والتزام الأطراف الثلاثة بها.

إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"

العدد 4482 - الأحد 14 ديسمبر 2014م الموافق 21 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:22 ص

      مقال مهم جداً في هذه المرحلة

      و نحن في مرحلة أفول نجم اسعار النفط نحتاج إلى هذه الاطروحات الراقية أكثر من أي شيء آخر، إذا كان النفط اليوم ينخفض بسبب لعبة دولية فإنه في القريب سينخفض لأسباب حقيقية، عندها سينكمش الدخل، و العمال الاجانب سيبحثون عن بلد آخر أفضل للعمل، حتى كيس الارز نحن نحصل عليه مقابل اموال النفط و لكن ماذا بعد افول سعره المرتفع؟ هل فكر من بيده الأمور بهذا السيناريو؟ اذا كانوا لا يملكون الرؤية البعيد على الأقل بإمكانهم الاستفادة من اطروحات الاستاذ جناحي الذي اعطيه كل الاحترام فما يطرحه يدفع لزيادة الانتاج

اقرأ ايضاً