العدد 4498 - الثلثاء 30 ديسمبر 2014م الموافق 08 ربيع الاول 1436هـ

لعبة خفض أسعار النفط... من الرابح والخاسر الأكبر؟

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

تمضى 2014، تجر ذيولها مثقلة بالأزمات السياسية والاقتصادية التي تخلفها في عهدة العام الجديد حيث يمثل انخفاض أسعار النفط التحدي الأبرز الذي ستواجهه الدول المنتجة في 2015.

ترى هل من لعبة تكمن وراء استمرار تدهور أسعار النفط؟ وهل نصدق أن تراجع أسعاره لن يؤثر في الاقتصاديات المحلية على المدى المنظور أو الاستراتيجي، خصوصاً مع نسبة انخفاضه لأكثر من 30 في المئة، بعد قرار منظمة «أوبك» الحفاظ على سقف إنتاجها 30 مليون برميل يومياً، وتوقع وصوله إلى سعر أقل من 45 دولاراً للبرميل؛ وكذا مع ما ذكره وزير النفط السعودي: «لو نزلت الأسعار إلى 20 أو 40 أو 50، هذا ليس مهماً؟

- أحقاً هذا ليس مهماً؟

قبل الإجابة، نورد ما كتبه أبو الحسن بني صدر في كتابه «النفط والسيطرة»، (بيروت، دار الكلمة، 1980) قائلاً: «النفط سلعة ليست كغيرها من السلع، هو لا يفسد، لا يصبح قديماً إن لم يعرض ويباع في مدد محددة، يمكن تنظيم استخراجه وإنتاجه وفقاً لمستوى الاستهلاك، وبسبب حالة الاحتكار لا يمكن عملياً تصور وجود منافسة ما له في حركة سوق حرة في العرض والطلب، وبالتالي فأي مستوى عرض أعلى من الطلب كان ولايزال قراراً سياسياً بامتياز، يتحقق عبره هدفان للاقتصاديات المسيطرة، أولهماً ضمان عدم تكرار (تجربة مصدّق)، أي التأميم الحقيقي للنفط، وثانيهما إيجاد المبررات لتحديد أسعاره ضمن حدود الاستراتيجية السياسية- الاقتصادية لأسياد العالم».

- ما الذي قصده بني صدر تحديداً؟

ببساطة «أن سعر النفط في حقيقته كسلعة ليس معنياً اقتصادياً بقانون العرض والطلب، وما يحدد ثمنه هو إجراء سياسي»، ويشرح مطولاً المسألة مشيراً إلى «مؤسسة التعاون الاقتصادي» التي أسستها أميركا العام 1948، وكانت معنية بخفض وتثبيت أسعار النفط، فهذا إجراء سياسي محض، لكنهم برّروه اقتصادياً مستفيدين من نظرية الإنتاج غير المحدود، أي بربطه بقانون العرض والطلب. كما إن أميركا ولاعتبارات سياسية، أيّدت في مراحل أخرى ارتفاع أسعاره للحد المناسب لاستراتيجيتها الاقتصادية، الأمر الذي يثبت القول «بأن أسعار النفط سلاح فتاك، عندما يقع تحديدها بيد أية قوة، فإن ذلك يمكنها من إزاحة الاقتصاديات المنافسة من ميدان التجارة العالمية، بل وتحطيمها».

قرار سياسي وليس مجرد عرض وطلب

وهكذا جرت الأمور فعلاًَ، وتمكنت أميركا بفضل ارتفاع أسعار النفط أو خفضه، من تثبيت مركزها كقوة مسيطرة، وانتزاع مكاسب كبيرة من أوروبا واليابان وبقية العالم. وبالنتيجة، فالحفاظ على أسعاره منخفضة هي حالة مصطنعة، ويمكن تبين ذلك من وقائع التاريخ، حين خفضت الأسعار أكثر العام 1960 عندما اشتد التناقض الأميركي- الأوربي، ثم سمح بارتفاعها ثانية، وها هو التاريخ يعيد نفسه اليوم في الحرب الباردة التي تشنها أميركا وحلفاؤها حيث اتفق فيها على استخدام سلاح تخفيض أسعار النفط بغية ضرب اقتصاديات روسيا وإيران وفنزويلا وغيرها، في إطار صراع النفوذ السياسي والمصالح الاقتصادية.

ومنه يجوز السؤال: أين تكمن إشكالية لعبة خفض سعر برميل النفط؟

في معطيات الواقع، الإشكالية تكمن في الاعتماد على النفط كسلعة رئيسية للتصدير والإيرادات الحكومية، حيث اعتمدت أغلب الدول المصدرة له أسعاراً عاليةً في موازناتها المالية الحالية، تتراوح بين 80-130 دولار للبرميل. عالمياً هناك حديث عن اضطرار بعض الدول نحو خفض رواتب موظفيها وتقليص الإنفاق، وهذا بالطبع يولد أزمات جيوسياسية، ففي روسيا أثر انخفاض سعر النفط على هبوط سعر صرف الروبل أكثر من 30 في المئة مقارنةً بالدولار، فيما فقد قرابة 42 في المئة من قيمته مقابل الدولار، ويتوقع الخبراء انخفاضاً للنمو وتضخماً قد يصل إلى 8 في المئة، وهذا ضعف اقتصادي سيؤثر حتماً على الاستقرار السياسي ومستوى المواجهة مع الغرب بسبب العقوبات.

ماذا عن دول الخليج؟

أما أهم التحديات التي تتعرض لها دول الخليج التي تتميز باقتصاد ريعي «غنائمي»، غير منتج وتابع يعاني من الهشاشة بسبب عوامل الفساد، أن يتفاقم عجز الموازنات العامة ويتراجع الإنفاق ويتأجل تنفيذ بعض المشروعات، إضافةً إلى مشكلات اقتصادية ذات علاقة بتمدد القطاع العام وتفاقم العمالة الأجنبية وتنامي معدلات البطالة والتضخم في حدود 5 في المئة.

في هذا الصدد ثمة وجهات نظر متباينة تجاه التحديات السابقة، بعضها يقلل من تداعيات الأزمة في أجلها القصير مشيراً إلى أن دول الخليج قد تواجه بالفعل عجوزات في الموازنات، لكنها قادرة على تجاوزها بسبب احتياطاتها من النقد الأجنبي وأصولها المالية الممكن بيعها لسد العجوزات.

بيد أن هناك من يجادل قائلاً بأن وجود الاحتياطيات لا يعني عدم تأثر هذه الاقتصاديات سلبياً خصوصاً وأن نسبة انخفاض أسعار النفط كبيرة، قد تصل نحو 40 في المئة، وعليه لابد من المصارحة وعدم تهوين حجم الأزمة، لاسيما وأغلب اقتصاديات المنطقة وضعت موازناتها على متوسط 90 دولاراً للبرميل، والأسعار الحالية تتأرجح في حدود 60 دولاراً للبرميل وأقل، ما يعني بالمنطق وجود تأثير سلبي.

أيضاً هناك إشكالية أخرى قد تواجهها بعض الدول بالتوجه نحو مضاعفة حجم الاقتراض الخارجي لتسديد الرواتب أو سد عجز الموازنات، ما يضاعف حجم الدين العام ويزيد الوضع الاقتصادي تعقيداً، فضلاً عن اللجوء إلى فرض الضرائب. ولهذا أكلافٌ أمنيةٌ وسياسيةٌ، فقد أشارت تقارير إلى أن الكويت بصدد تخفيض إنفاقها بنحو 20 إلى 25 في المئة في العام المقبل، لاسيما مع استمرار الأسعار في حدودها الحالية. كما صرّح رئيس لجنة الميزانيات بمجلس الأمة بأن العجز في موازنة 2015 سيصل إلى 9.6 مليار دولار؛ وأن أمام بلاده آليتين لتغطية العجز، إما الاقتراض من صندوق الاحتياط العام، أو اللجوء للسوق التجاري.

فيما يتوقع اقتصاديون عجزاً في الموازنة السعودية يقدر بـ 2.7 في المئة من إجمالي الناتج المحلي عند سعر 85 دولاراً للبرميل. ومع انحدار السعر إلى 60 دولارا للبرميل، يتوقع أن يصل العجز إلى 5.7 في المئة. كما نقلت «الاسوشيتد برس» عن وزير المالية إن المملكة ستحاول خفض نفقاتها كي تتمكن من مواجهة العجز المتوقع في الميزانية والمقدّر بـ 39 مليار دولار.

أما في البحرين وعمان، فأشار تقدير وكالة التصنيف الائتماني «موديز» إلى أن عجز الدولتين سيرتفع بنحو 7% في المئة خلال العام 2015، وقد تلجآن للاقتراض لسد العجز، علماً بأن احتياطات البحرين من النقد الأجنبي هو 5.5 مليار دولار، ولعمان 15.9 مليار دولار، وفقاً لبيانات البنك الدولي في 2013. وهذا ما دفعه إلى توجيه دول الخليج لتغيير هياكلها الاقتصادية المتضخمة بالعاملين في القطاع العام والإنفاق على البنى التحتية والصحة والتعليم بالتوجه إلى تشجيع أفرادها للعمل في القطاع الخاص وتحفيز شركات ومؤسسات الأخير للنظر في الفرص الاستثمارية خارج الأسواق المحلية. فنموذج هذه الاقتصاديات برأيه يعاني من الضعف ويتطلب تنويع مصادر الدخل الاقتصادي وإقامة صناعات تتطلب رأس المال والمهارات البشرية ذات الصلة بالقطاع الخاص.

من الخاسر والرابح الأكبر؟

خلاصة الأمر، من يستفيد من خفض أسعار النفط حالياً ومن يخسر؟

قطعاً الولايات المتحدة وأوروبا ومنظومة الدول الصناعية التي تدور في فلكها الشركات المتعددة الجنسية، ودلالة ذلك تصريح رئيسة الاحتياطي الفيدرالي: «إن تراجع النفط أمر جيد للولايات المتحدة الأميركية ويعد إيجابياً»، أما الخاسر الأكبر فهي شعوب المنطقة وأجيالها القادمة التي لا حول لها ولا قوة في تقرير ما يحدثه التلاعب بثرواتها الوطنية.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4498 - الثلثاء 30 ديسمبر 2014م الموافق 08 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 9:18 ص

      jزائر 4

      الحل يسيط بيرمي الجوار وبروح ديرته ايا ياب ما دشك احد

    • زائر 3 | 2:19 ص

      ياصاحب جملة الصراخ على قدر الالم المكرره يوميا

      نرجو ان لايعمينا الاعلام وسترى قريبا إن كانت هناك مؤآمره فهي علينا في دول الخليج وليس على غيرنا دولنا بدأت انين ماقبل الصراخ وهذه حقيقه واسعار النفط لن ترجع لسابق عهدها وهذه فلسفة السوق اذا زاد العرض انخفض السعر والبدائل الموجوده هائله وامريكا وهي اكبر مستهلك بدأت تصدر الفآئض,الشعوب الاخرى اعتادت الشح والحصار لسنوات لسنوات طويله وشعوبها بنت اقتصادات عآئليه شبه مستقله وفي اسوأ الحلات تنتج قوتها اما نحن فاعتدنا على الاسراف والعيش بأكبر من مستوياتنا وعلى القروض الاستهلاكيه

    • زائر 2 | 11:31 م

      الصراخ على قدر الالم

      الصراخ على قدر الالم و كلنا نعرف من هو الخاسر الأكبر من انهيار أسعار النفط و مل التقارير تشير ان دول مجلس التعاون ليست هي الخاسر الأكبر اننا عدوها هو الخاسر و في سبيل خسارة اعدائنا ليس من المعيب ان نشد الحزام قليلاً للوصول لهدف أسمى

    • زائر 4 زائر 2 | 4:34 ص

      ماذا لو

      ماذا لو وصل البرميل عشرين او عشرة دولارات.واعلنت الحكومة التقشف او قطع العلاوات والمميزات الاخرى .اي ان نعود الى الوراء عشرين سنة.هل تقبل بذلك او تفرح بذلك...كلنا في مركب واحد. وخبز خبزناه اليوم بناكله باجر.

    • زائر 5 زائر 2 | 6:12 ص

      زائر 2 حالي حالك

      اخ زائر 2 حالي حالك من ناحية الفكرة، لكن الفكرة في الأساس خطأ في خطأ.. إن استخدام مصطلحات أعداءنا واعداءهم وعلي وعلى اعدائي ليست من مرتكزات المنطق والعقل.. اطلاقًا.. أي هدف أسمى من استهداف (أعداء) بالتوهين فيصيبنا التوهين والتقشف وتدهور الاقتصاد الوطني؟ لو كنا نملك ذرة عقل لعلمنا أن دول الخليج لم تخطط للمستقبل بتنويع مصادر الدخل كما فعل غيرنا (الأعداء) واتجهوا إلى الطاقة النووية وبقيت دول الخليج ف...... يا ولدي.. فكر بعقل لا بطائفية.

    • زائر 1 | 10:13 م

      ما الخسر الا احنا

      صح . الله يكون في العون.

اقرأ ايضاً