العدد 450 - السبت 29 نوفمبر 2003م الموافق 04 شوال 1424هـ

سوء التغذية قنابل موقوتة ضد برامج التنمية

المنامة - عبيدلي العبيدلي 

29 نوفمبر 2003

نشر موقع إيلاف (www.elaph.com) تحليلا لتقرير منظمة الاغذية والزراعة التابعة للامم المتحدة (الفاو) حذرت فيه المنظمة من مخاطر ازدياد الجوع في العالم، مؤكدة ان الحرب التي تشن ضده تشهد نكسة حقيقية. وقالت ان هناك 842 مليون إنسان في انحاء العالم يعانون من سوء التغذية، وقدمت المنظمة في تقريرها برنامجا لخلق تحالف دولي ضد الجوع بهدف تقليل عدد الذين يعانون منه وذلك مع حلول العام 2015.

واشار التقرير المعنون «حالة عدم الاستقرار الغذائي في العالم العام 2003» إلى أن اثنين وأربعين وثمانمئة مليون شخص عانوا من نقص في التغذية في الفترة الممتدة من العام 1999 حتى العام 2001 وهي أحدث فترة تتوفر الاحصاءات بشأنها. وأضاف أن الجوع مازال مستمرا في الدول المعرضة لحالات الطوارئ الغذائية المتكررة كالمجاعات، ناهيك عن معدلات الإصابة المرتفعة بمرض نقص المناعة المكتسبة الإيدز موضحا إنه يمكن أن يكون للتجارة وتحسن الإنتاجية الزراعية في الدول الفقيرة تأثير ضخم على تقليص الجوع في العالم.

سوء التغذية والتنمية

ويربط بعض الدراسات بين سوء التغذية وفشل برامج التنمية، وخصوصا المستقبلية منها، والتي تعطي الأطفال والأجيال القادمة الأولوية في برامجها. فقد قالت دراسة أميركية نشرتها وكالة انباء «رويترز» في العام الماضي إن الأطفال الذين يتأخر نموهم بسبب سوء التغذية وأمراض العدوى معرضون بشكل أكبر لأن تتأثر قدراتهم المعرفية عندما يكبرون. ودعت الدراسة التي أجريت في بيرو إلى مراعاة الاحتياجات الغذائية للأطفال تحت سن الثالثة، كي يصبحوا نواة صالحة لأية خطط تنموية مستقبلية.

وأظهرت دراسة قام بها علماء في الولايات المتحدة وبيرو أن النمو البدني الضعيف في السنتين الأولتين من حياة الطفل له تأثير في القدرة على التعرف على الأشياء، وانه يجب التركيز بشكل أكبر على التغذية المبكرة ولاسيما في الدول النامية، إن هي - أي الدول النامية - ارادت بناء جيل سليم قادر على المساهمة في برامجها التنموية بكفاءة عالية.

ودرس الباحثون الذين شاركوا في تلك الدراسة بيانات 234 طفلا يعيشون قرب العاصمة ليما في بيرو منذ ولادتهم وحتى سن الثانية، وفي العام 1999 تابعوا 143 من هؤلاء الأطفال الذين كانوا قد بلغوا وقتئذ سن التاسعة لتقييم تأثير التغذية المبكرة والأمراض المسببة للإسهال - والتي تعد سببا وأثرا لسوء التغذية - على ذكائهم.

ووجد الباحثون أن الأطفال الذين عانوا من سوء التغذية في سن الثانية قد أحرزوا 10 درجات أقل من أقرانهم الآخرين. وقال كبير الباحثين دوغلاس بيركمان إن هذا يشير إلى أن التأثيرات السيئة لسوء التغذية تستمر مع الأطفال إلى ما بعد مرحلة الطفولة عند اختبارات الإدراك مع نظرائهم. كما رجح البحث أن القدرات المعرفية للأطفال تتأثر أيضا عند الذين يصابون بالبكتيريا المسببة للإسهال في وقت مبكر من حياتهم ولأكثر من مرة.

وأظهرت الاختبارات أن الأطفال الذين أصيبوا بالإسهال مرة أو أكثر في العام قد أحرزوا درجات أقل في اختبار الذكاء من الأطفال الذين أصيبوا بأقل من ذلك في العام، لكن الباحثين حذروا من أنه من الخطأ إرجاع كل مشكلات الذكاء إلى ضعف النمو الناجم عن سوء التغذية.

وربطت مثل هذه الدراسات بين هذه الظواهر وصعوبات تنفيذ برامج التنمية، وخصوصا تلك التي تعتمد على موارد بشرية معافاة أو تمتلك كفاءة معرفية متفوقة.

الحروب وسوء التغذية (فلسطين نموذجا)

ويربط بعض الباحثين بين سوء تغذية الطفل وبين الحروب التي تتعرض لها البيئة التي ينمو فيها ذلك الطفل (انظر المربع المرفق). وتعتبر فلسطين أفضل مثل على هذه العلاقة بين الحروب وسوء التغذية وانعكاس ذلك على التنمية. فقد أوضحت دراسة قامت بها جامعة «جون هو بكنز» الأميركية، أنه لم تكن أوضاع الأطفال الفلسطينيين - في يوم من الأيام - أسوأ مما هي عليه اليوم، فلم تقتصر الإجراءات العدوانية الإسرائيلية، عند حد قتل الأطفال وترويعهم، بل يمكن القول بأن الإجراءات الإسرائيلية امتدت، لتحرم الأطفال حتى من لقمة العيش، وأصبح الحديث يدور عن أمراض لا حصر لها، يعاني منها الأطفال الفلسطينيون كسوء التغذية والاوضاع الصحية السيئة الناجمة عن الحصار والإغلاق الإسرائيلي لمناطق السلطة الوطنية الفلسطينية، إذ أوضحت الدراسة، أن ما نسبته 20 في المئة من الاطفال، من هم من دون سن الخامسة يعانون من أمراض فقر الدم، ونقص الوزن، وضعف النمو، وقصر القامة، وهي أمراض جميعها، ناتجة عن سوء التغذية وانعدام الرعاية الصحية قد تسبب مستقبلا، في اعاقات لا تحمد عقباها.

من جانب آخر أكدت تقارير ممثلي المنظمات الدولية ووزارة الصحة الفلسطينية أن الحصار والإغلاق والعدوان الاسرائيلي على الاراضي الفلسطينية هو السبب المباشر والرئيسي لما يتعرض له الاطفال من سوء التغذية وأمراض فقر الدم وخصوصا ان الحصار أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة من 12 في المئة العام 2000م الى 65 في المئة العام 2002م، واتسعت دائرة الفقر من 23 في المئة العام 2000م اي 70 في المئة حتى منتصف 2002م، وما يترتب على ذلك من عجز الأسرة الفلسطينية، عن شراء وتوفير احتياجاتها الأساسية من الطعام والشراب.

سوء التغذية والعلاقات الأسرية

وتذهب الكثير من دراسات علم الاجتماع إلى الربط المباشر بين استقرار الأسرة ونجاح برامج التنمية. ومن جانب آخر توصلت بعض الدراسات التي أجريت على مجتمعات لا يعاني أطفالها من سوء التغذية لكن طبيعة الطعام الذي تتناوله تلك الأسر له دور مباشر في الاضطرابات التي تعاني منها بعض الأسر هناك.

قد يرفض البعض القبول بالعلاقة بين طبق الطعام الذي يتناوله والاضطرابات التي تعصف بالعلاقات الأسرية، غير أن هناك دراسات علمية متخصصة ودقيقة قام بها الاطباء وخبراء التغذية في الولايات المتحدة أكدت حقيقة هذه العلاقة المثيرة.

تقول الاحصاءات الأميركية والعالمية إن الطعام مسئول عن ثلاثة من بين كل أربعة خلافات زوجية وأن نوعية الطعام وراء فشل ما بين70 إلى 75 في المئة من حالات الزواج في حين ارتفعت النسبة في احد الدراسات إلى 90 في المئة.

أما التفسير العلمي لهذه التهمة الملتصقة بالطعام ونوعيات الغذاء كما تقول أستاذة التغذية في جامعة كلورادو ماري جين هانجر فورد والتي عايشت الكثير بل المئات من الخلافات العائلية:

انه في معظم الحالات يشكو طرفا الأسرة من الشعور بالتعب المزمن والارهاق، وهو ما يمثل علامة تشير إلى سوء التغذية، وهو ما يعتبر القاعدة الأساسية لكثير من الخلافات الزوجية. فالمشكلة تتبلور هنا في نقص السكر في الدم. كما يقول مدير المركز الطبي في سانتا بربارا بكاليفورنيا هانجر فورد: من بين الحالات التي حضرت لزيارتي زوجان يعانيان من مشكلات جسدية ونفسية لم يتمكنا من تحديد أسبابها، فقد كانت الزوجة تعاني من اكتئاب شديد في حين كانت شكوى الزوج انه سريع الغضب لذلك فهو سريعا ما يثور لأتفه الأسباب لذلك فالخلافات الزوجية كثيرا ما تنشب بينهما.

وعلى الفور بدأت بالبحث والتنقيب في نوعية الغذاء الذي يتناولانه فوجدت كالعادة ان هناك نقصا شديدا في كثير من العناصر الغذائية المهمة، فقد علمت من الزوجة أنها تحتسي الكثير من القهوة التي تشمل على نسبة كبيرة من السكر، في حين يلتهم الزوج كميات وفيرة من الكيك والحلوى.

وعلى الفور طلب منهما تغيير هذا النظام الذي يتبعانه في غذائهما، ونصحتهما بالامتناع عن السكر وكل ما يحتوي عليه الدقيق الأبيض، والاقلال بصورة كبيرة من القهوة وخلال أيام كانت النتيجة رائعة.

ويضيف هوبكنز انه على مدى الـ 20 عاما الماضية استقبلنا نحو 800 من الازواج للحصول على مشورتنا فيما يتعلق بسبب توتر العلاقة الزوجية بينهما كان معظم الحالات بسبب نقص السكر في الدم، وذلك نتيجة عوامل مرضية، لكن كانت أحد الاسباب تشير الى زيادة نسبة استهلاك السكريات.

أما الروشتة الطبية التي ينصح بها الاطباء نتيجة دراسات مستفيضة لتجنب المشكلات الزوجية هي:

تناول الكثير من الخضراوات والفواكه والمكسرات والحبوب الكاملة (من دون التخلص من النخالة) مع الاقلال من اللحوم بقدر الإمكان... على ان تستبدل بالدجاج، أو الارانب، أو الديك الرومي، أو السمك مع تجنب تناول الأطعمة المرفهة التي يدخل في تكوينها السكر والدقيق الأبيض.

وتؤكد الدراسة إلى انه يمكن توفير ملايين الدولارات التي تصرف لحل المشكلات الزوجية الناجمة من سوء مكونات الطعام، بالإضافة إلى ملايين أخرى غيرها تصرف لعلاج الأمراض الناجمة عن سوء مكونات الطعام بالوسع تخصيصها للحد من أمراض سوء التغذية التي يعاني منها الأطفال بمن فيهم أطفال مجتمعات متخمة مثل المجتمع الأميركي.

وإلى أن يقتنع العالم بالعلاقة بين التنمية والتغذية يستمر أطفال الدول النامية ممن يعاونون من سوء التغذية قنبلة موقوتة أمام أية مشروعات تنموية تبشر بها مؤسسات التنمية دولية كانت ام محلية

العدد 450 - السبت 29 نوفمبر 2003م الموافق 04 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً