العدد 4520 - الأربعاء 21 يناير 2015م الموافق 30 ربيع الاول 1436هـ

«بِيرْ السِلِّم» وبرْج العالم!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

الحرب، والحرب المضادَّة. بعد سقوط 12 قتيلاً من الفريق العامل بمجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية، كرد فعل على نشرها رسوماً مسيئة للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، لم ولن يقف الأمر عند هذا الحد. وما تبدو حرباً هامشية هي العمق من تلك الحرب. نحن في مرحلة تنشيط حروب الكراهية التي لا ترصدها رادارات؛ أو أجهزة دقيقة. هي هناك تحضِّر جهنمها المفتوحة على خراب العالم. تلك حرب لها كُلَفُها الفادحة. إنها الحروب المنحازة إلى الموت لا الحياة. المنحازة إلى الزنازين لا الأفق، والقيود لا الأجنحة.

علينا أن نعترف بأن الإسلام الذي يتم تلقِّيه واستقباله خارج الدائرتين العربية والإسلامية اليوم، ومن خلال الممارسات التي نرى، هو الإسلام في نسخته الوحيدة والأخيرة، في رؤوس المسيئين إلى الإسلام أكثر من إساءة مبشِّر مسيحي متطرف في كنيسة تجارية مغمورة في الغرب!

هناك حديث عن الإسلام المعتدل، ولكن الإسلام المعتدل ذاك مُجرَّم في صورة أو أخرى داخل بلدانه، بتهم الليبرالية، والعلمانية، والوسطية «المُميِّعة للدِّين»؛ بحسب تعبير نُسخ لا حصر لها لخوارج تنفذ إلى شبكة المعلومات وتنحاز إلى جهاز «آيفون» في نسخته الأخيرة، ذلك الذي لم تنتجه قريش؛ بل قبيلة عالمية في الغرب «الكافر»!

ما يصل إلى العالم من «إسلام» في البؤر الساخنة؛ وحتى بعض البؤر الباردة، هو «الإسلام المتوحِّش»، إسلام قطع الرؤوس والسبي والتفجيرات والتفخيخ والتكفير. هكذا يتم اختزال المسألة. وهكذا يتم ضرب أكثر من مليار ونصف المليار مسلم، بعرض الحائط على اختلاف مذاهبهم، وطبيعة أنظمة الحكم في بلدانهم، وتوافقها من عدمها، مع أبسط القيم الجامعة التي وضعها الإسلام بتشريعاته.

«الإسلام المتوحش» الذي يحتكر أتباعه، والذين اخترعوا فهمه وتفسيراته، الجنة والحقيقة واحتكار الحق في الحياة هنا والخلود في الجنة هناك أيضاًً. وكأن الخلود في الجنة لا يتحقق إلا بأكبر قدر من الدماء التي تسفك، والرؤوس التي تقطع، والدمار الذي لا يترك شبراً على الأرض إلا امتد إليه!

في المقابل، ثمة ممارسات في الغرب في «التحضّر» الذي يقدمه إلى العالم؛ لا يستوي إلا باجتياح الحدود، ونهب الثروات، وصناعة الحروب؛ وملايين القتلى والضحايا. وسط كل ذلك تنشأ راديكاليات لا تقل دموية - على الأقل - بفتح الأبواب للانتهاكات بمساندة إعلام عينه على الإعلان وهو يقدّم إعلاماً مغلوطاً يستهدف سواه؛ تحقيراً وإلغاء في صور شتى. وفي الاثنين توحُّش لن يَعِدَ بمستقبل لأي طرف. سيعد بالقلق وتقويض الاستقرار وارتهان الأبرياء لجنون في درجاته السيئة من الرداءة بسكرة القوة والوهم.

لا مستقبل للتوحش الذي يصدِّره بعض المحسوبين على الإسلام إلى العالم، ومورس ويمارس قبل ذلك على أتباع الدين الواحد. والأمر ينطبق على التوحُّش الذي يصدر من الآخر؛ وبأدوات تبدو نتاج تحضّر ومدنية؛ ولكن نتائجها ومحصّلاتها، ردّة إلى شريعة الغاب.

كل هذا الاستفزاز من جهات لا تمثل الاحترام القائم لدى الآخر لمعتقدات وقيم الآخرين، لن يحقق استقراراً، وهذه الاحتجاجات التي تخرج عن مسار أخلاقي بالقتل وحرق الكنائس لا يزيد الصورة المشوهة والنمطية إلا سوءاً وحرجاً.

ردود الفعل في العالم تتوالى من الجهتين. بعض الإعلام العربي والمسلم مشغولٌ بالتحريض على المكوّنات في الداخل، والاصطفاف مع القمع والدكتاتوريات، وتلك هي مهمته الجليلة في الحياة.

العقلاء في بلداننا لا أحد ينصت لهم؛ وخصوصاً في دوائر القرار. القرار هو الآخر مختطف من التطرف في صورة أو أخرى؛ ليس بالضرورة أن يكون تطرفاً بذقن ولباس تبنته المنظمات الإرهابية، وكلاشينكوف و»بلطة» لقطع الرؤوس.

على الجانب الآخر ثمة من لا يخجل من الاعتراف، وإن كانوا قلَّة؛ لكنهم يعترفون. أحد مؤسسي صحيفة «شارلي إيبدو»، هنري روسيل، حمَّل رئيس تحريرها ستيفان شاربونييه «الذي قتل في الهجوم على الصحيفة، المسئولية عن مقتل الفريق العامل من خلال إصراره على نشر المزيد من الرسوم المستفزة للمسلمين».

أوردت الانتقاد صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية، نقلاً عن مجلة «لونوفيل أوبزرفاتور» الفرنسية اليسارية، ووصف روسيل، رئيس التحرير الذي قضى في الهجوم، شاربونييه، بأنه كان «عنيداً» و»غبياً»، وتساءل «ما الذي جعله يشعر بالحاجة إلى جرّ الفريق للتمادي في هذا الأمر؟».

في غرب إفريقيا، وتحديداً في عاصمة النيجر (نيامي)، وصل عدد القتلى برصاص الشرطة إلى خمسة يوم السبت (17 يناير/ كانون الثاني 2014)، إضافةً إلى خمسة آخرين قتلوا يوم الجمعة (16 يناير الجاري) وأحرقت ثماني كنائس على الأقل في العاصمة، فيما تتواصل الاحتجاجات في العديد من الدول ضد قيام المجلة الساخرة بنشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة.

يوم السبت الماضي، لقي مهاجر مغربي (محمد الماكولي) مصرعه بمنطقة «فولكلوز» جنوب فرنسا، بعدما تلقى 17 طعنة سكين بمختلف أطراف جسده أردته قتيلا على الفور، في حدث استنكرته المنظمة الإسلامية باعتباره يندرج في إطار «الإسلاموفوبيا».

هذه الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين، لا تمثل القيم الديمقراطية الليبرالية الغربية الحقيقية، وهذا التوحش والقتل والتفجيرات والتفخيخ لا يمثل القيم الحقيقية للإسلام في سماحته ورحمة نبيه. بين الاثنين يُختطف العالم اليوم؛ وتسود حال من تعميم الكراهية، ورهانات كل طرف على كسب المعركة، التي لن يخرج منها أحد منتصراً. لم يحدث ذلك بالأمس، كما هو الحال اليوم، وبهذه الوتيرة من التعاطي مع وتيرة الكراهية والإلغاء والتكفير، لن ينتصر أحد غداً.

في الواقع الذي يسوء ارتداداً على العرب والمسلمين؛ وردود الفعل الناتجة عن كبْتٍ تم تعميمه في بيئاتنا، هنالك وهم انتصار طرف على طرف في حريق هو على الأرض لا المريخ. والحريق حين يمتد ويشتد لا يسأل عن ديانات ومذاهب المحشورين فيه؛ كي يتعاطف مع طرف دون آخر!

الغرب، والقوى الكبرى اليوم لم ولن تعترف بالضعفاء والعالة على العالم. دعكم من هراء حقوق الإنسان التي يُروّج لها ضمن معايير تحكمها المصالح؛ دعكم من المساواة. والذين يدّعون تمثيل الإسلام والمسلمين في هذا الجنون، لن يأخذوا بيد أحدٍ إلى الجنة التي احتكروها؛ لأنهم بممارساتهم تلك لن يتجاوزوا كونهم مادة وحصب جهنم.

المسلمون اليوم في «بير السِلِّمْ»، بحسب تعبير أشقائنا المصريين؛ إذا اعتبرنا العالم برجاً يحتل الأدوار العليا فيه الغرب!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4520 - الأربعاء 21 يناير 2015م الموافق 30 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 1:22 ص

      تكفيريون و متطرفون لا شك

      لا نحتاج إلى من يشوه الدين؛ لأنَّ فينا من شوه الدين بهمجيته و تعصبه بما يكفي لإبعاد الناس عن ديننا. لكن حتى الآن لم نشاهد صحيفة أو قناة فضائية تناقش احتمال حصول هؤلاء المتطرفين على تسهيلات ، أو غض الطرف عنهم لإتمام جرائمهم. لقد ضُحك علينا قبل ذلك في 11 سبتمبر و جاءت الأنباء الصحيحة بعد خراب البصرة ، و أخشى أن تكون

    • زائر 2 | 1:12 ص

      المقصلة الحديثة

      يا خوي وايد ينددون بالإسلام المتوحش ؛ لكن ماأحد يقول لنا من اخترع المقصلة ؟

    • زائر 1 | 8:50 م

      أقراء أحاديث النبي والمعصمين عن الإسلام

      الإسلام اصبح محارب في بلده يا كاتب اصبح المسلمون لا يتحملون ان يكون الدين مصدر الوحيد للتشريع

اقرأ ايضاً