العدد 4522 - الجمعة 23 يناير 2015م الموافق 02 ربيع الثاني 1436هـ

الذين أدمنوا الأقنعة وأمراض لا تنتهي

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

الأقنعة لا تحصى تلك التي يبتدعها ويتفنن فيها البشر. أقنعةٌ تأتي تحت عناوين ومسمياتٍ لا حصر لها. أقنعة في الداخل وأخرى في الخارج.

لا أحد يدّعي القدرة على النفاذ إلى أقنعة الداخل وكشف أصحابها. تلك تحتاج إلى معرفةٍ بمعادن الناس وتقلبات نفسياتهم وأحوالهم، وأيضاً قدرتهم على التلون والتبدل تماماً كالحرباء.

من الأقنعة ما يأتي في شكل ابتساماتٍ تستقبلك على بعد ميل. وفي تلك الابتسامات خناجر لا حصر لها، وقدرةٌ عجيبةٌ على ترتيب الكمائن لك حين تطمئن لها وتطمئن لأصحابها.

وكما أن في بعض الابتسامات أقنعةٌ وخناجر، هناك من يتخذ من الحزن قناعاً كي يستدرج تعاطفاً إليه، ومن حزن أولئك يتوهم النفاذ إلى مبتغاه ومراميه، ولا يحدث ذلك إلا بغباء يفترضه في الناس، دون أن يحسن الظن بفيض رحمةٍ فيهم، ودفق عاطفةٍ وصدق مواساة. تلك قيم لا يعرفها الذي أدمن في علاقاته مع الناس على مثل تلك الأقنعة.

ومن بين الأقنعة تلك، لغةٌ في الحد الأقصى من إنسانيتها ورحمتها ورهافتها وشعريتها أيضاً. الشعر مدخل جميل ولا يقاوم لتلك الأقنعة التي تخفي وراءها وحوشاً، ومن لا يشعرون بطمأنينةٍ وراحة بالٍ ما لم يخربوا طمأنينة وراحة الآخرين، والتفرغ لترتيب مزيدٍ من الحفر التي تتحول إلى قبورٍ في كثيرٍ من الأحيان.

ولا يلتمس الأقنعة في اتصاله وتواصله بالبشر من حوله إلا صاحب مرضٍ ونقصٍ وعقدةٍ وعاهةٍ في نفسه. الأصحاء سيتعاملون مع الناس كما هم من دون وسائط وطوارئ في أدوات تواصلهم. الأقنعة أداةٌ طارئةٌ يرى أصحابها أنها ستنتشلهم من النقص إلى الكمال، ومن الغباء إلى ذكاء يفتقدونه، ومن ضعفٍ إلى قوةٍ بنجاح استدراج ضحاياهم.

والأقنعة لا تقدّم الناس كما هم. تقدمهم كما يريدون ويتمنون ويشتهون ويحلمون. ولو كان في التمني والاشتهاء والحلم مرض. لن يعيروا تلك المسألة اهتماماً، لأنهم انطلقوا أساساً بتلك الأقنعة من أمراض وليس العكس.

في الأقنعة هروب. هروبٌ مما لا يريد أن يكون عليه صاحبه. وفيها استهداف ما لم يتحصل عليه والنيل منه ووضع نهاية له. وكأن صاحب القناع بذلك سيظفر بما لم يستطع أن يكونه وبما لم يسع إليه بالشريف من الأداء والسويّ من الطريقة والمشروع من الفعل.

ولماذا يلجأ الناس إلى الأقنعة؟ هل لأنهم يخشون أن يكونوا على حقيقتهم التي تشعرهم أنهم دون من حولهم، ودون من يعملون على استدراجهم بها؟ ما الذي يدفع بعض البشر إلى التخلّي عن وجوههم وصورتهم الحقيقية بالتماس الأقنعة في تعاملهم الذي لا يخلو من خبث؟ ماذا لو أن الأقنعة تلك تم إسقاطها وكشفها وتعرية الذين من ورائها؟ ماذا يتبقى من وجوه أولئك؟ هل تبقى لهم وجوه أساساً؟

طوبى للذين في تعاملهم مع البشر لا يبتغون وجوهاً غير وجوههم، وقلوباً غير قلوبهم وأهدافاً تهوي بهم في الدرْك الأسفل من انحطاطهم. وطوبى للذين يمنحون الآخرين سعادة وإن أخذ منهم الحزن كل مأخذ. طوبى للذين جاءوا إلى العالم كما هم بأرواحهم وقلوبهم النقية، ولا يتركونه إلا وهم أكثر نقاء.

الذين أدمنوا الأقنعة لن يصلوا إلى مبتغاهم، فهم في مجاهل ومتاهات لن تنتهي باتخاذها وجهاً آخر ووسيطاً في تعاملهم مع من حولهم. إنهم مرضى هروبهم مما هم عليه. وأمراضهم لا نهاية لها. أمراضٌ لا ولن تنتهي.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4522 - الجمعة 23 يناير 2015م الموافق 02 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً