العدد 4523 - السبت 24 يناير 2015م الموافق 03 ربيع الثاني 1436هـ

قطار العمر وورشة الشيطان

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

كنا نتحدث مع بعض الأصدقاء عن فترات العمر المختلفة، وكيف كنا نراوغ في أعمارنا، والمرة الوحيدة التي نرغب في أن نكبر فيها عندما كنا أطفالاً، وحينما نصبح في العاشرة نتمنى تخطيها بسرعة، وعند الثالثة عشرة نقول سنصبح في السادسة عشرة بعد سنتين استعجالاً للكبر، أما عند الثامنة عشرة تكون فرحة العمر، لأننا سنتمكن من السياقة رسمياً. وتأتي الثلاثون ونشعر أننا بدأنا نكبر وتزداد مسئولياتنا وعلينا أن نكوِّن عائلة أذا لم نكونها بعد، وتبدأ التساؤلات إذا ما أنجبنا أو بعد، ويمضي قطار العُمر سريعاً ما بين المستجدات والمسئوليات، والتي تبدأ في التراكم ونجدنا قد تغيرنا، ويبدأ انعزالنا لتحمل أنواعٍ أخرى من المسئولية الأثقل، وننسى أنفسنا وأعمارنا.

وقبل أن نصل الأربعين نبدأ في تنزيل سنواتنا، نكذب أو نتظاهر بأننا لازلنا تسعة أو ثمانية وثلاثين نحاول التشبث في الثلاثينات الغضة وتأخير الأربعين، ولكن هيهات. وتأتينا الأربعون في غمضة عين ونحن في هوسٍ وانشغالٍ لا يوصف من محاولةٍ للاستقرار في الصف الأمامي للحياة، من تحقيق أحلامنا واللحاق بواجباتنا، والتقدم نحو تطوير أعمالنا سواء الوظيفية أو محاولة الخروج من قمقم الروتين اليومي والتغير في مجال طموحاتنا أو أعمالنا ومواقعنا.

ثم تأتي الخمسون كالكارثة، وبسرعة لم تكن لتخطر على بالنا وتتغير الأشياء فجأةً ويكبر الأبناء وقد يبتعدون للدراسة أو للعمل بعيداً وتبدأ وحدتنا، ونحن نرى الشعيرات البيضاء ثم تتحول إلى خصلاتٍ أكثر بياضاً، لولا الصبغات التي تُعيد الألوان وتُعطينا بعض الطمأنينة، هذا إذا ما لم تتساقط. وأصبحنا قليلي الحيلة، ونقرر أن لا ننظر في المرآة، كي ننسى من نحن، وما فعلته بنا الأيام، كفعلها بالأزهار وذبولها.

كيف تتسربل سنوات العُمر هكذا وفجأةً، ولا نتمكن من تغطية عيوبها وكيف نستسلم لخطوط الزمان ومؤامراته لأعمارنا، وإنه لم يعد هنالك وقتٌ للتأمل أو الانتظار، فهنالك المزيد من المفاجآت آتية. فالخمسون كانت تلك أولها. وماذا بعد؟ فالستون أكثر نحاسة، فإذا ما أمهلتك بعضاً من الوقت دون أمراض فتفضل إلى الستين والتي ستُشغلك بتوليفة خاصة، فمهما كانت لياقتك عالية فلابد من ظهور شيء لم يكن بالحُسبان، فإن كُنت رياضياً أصابتك الأمراض في العضلات أو العظام، ويطلق عليها أمراض الشباب، وإن لم تكن، هجمت عليك كل أمراض الدنيا وبأنها عقابُ من لا يتريضون وبذا لن يسلم أحد، من هذا أو ذاك، إلا نادراً.

ونستمر إلى السبعين، والثمانين، إن كنت محظوظاً وبعدها تأتي التسعون وربما المئة، من يدري.

وأقول نصيحتي، إن الأرقام هذه لن تهم. ارمها بعيداً في الستين أو السبعين أوما بعد، ولا تُفكر فيها، دعها لطبيبك ليقلق بشأنها، وأن يُعطيك نصائحه ويأخذ باله منك.

وخلاصة الكلام، فإن الشخص الوحيد الذي سيبقى معك طوال حياتك هو (أنت وحدك ) فاهتم به ولا تبخل عليه بشيء، وعلينا أن نعيش ونُسعد ونُمتع أنفسنا قدر الإمكان ونرتب حياتنا ونصاحب ما يُسعدنا، فالمُفرح يُزيدك فرحاً والفرح مفتاح الصحة وهدوء البال، وخفف من مسئولياتك كثيراً، وابتعد عن تعقيدات الحياة، فالإرهاق قاتل. واستمر في التعلم لما تُحبه ولم تتعلمه، وأحب الكثير من الأشياء المنوعة، سواء الكمبيوتر أو الزراعة والفنون وأحط نفسك بالأصدقاء المُحبين والزيارات أو الحيوانات الأليفة، حتى الشوكولاتة والحلويات، لها وقتها من الحُب، فهي مُفيدة لأنها تُعطينا السعادة التي تُطيل العمر، ولا تجعل عقلك يتوقف لأن العقل الخامل هو (ورشة الشيطان) والتي هي الزهايمر الخطير.

وأعطِ الحب للجميع من قلبك، ولا تُخاصم أحداً وتغاضَ كثيراً عن أغلاط الآخرين، فذلك يزيد من قوتك ومناعتك، واضحك ملء شدقيك، لأنه يُحيي الخلايا الميتة ويعيد شبابها والعب مع الأطفال لأنهم يجلبون الفرح بحركاتهم وضحكاتهم البريئة، وأن نهتم كثيراً بصحتنا، وأن نقويها بالرياضة والأكل الصحي ونسافر لاستكشاف العالم والجديد من حولنا، بشرط أن لا يكون السفر مُرهقاً، وقد نحزن لفقدان عزيز ولكن يجب أن يكون للحزن وقتٌ وأن لا يطول، لأنه لن يرجع ما أخذه الزمان، فالحزن ينقص المناعة ضد الأمراض.

تمتع بالحياة قدر الإمكان واجعل قلبك ومظهرك شبابياً كي تجعل من كِبر السن أحلى مراحل حياتك ولنتبع المأثور القائل: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً.

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 4523 - السبت 24 يناير 2015م الموافق 03 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 5:45 ص

      كلام مفيد جداً

      مقاله رائعه وحلوة لانقاش فيها

    • زائر 3 | 2:24 ص

      شكراً للكاتبة

      عمرٌ تقضيه في طاعة الله لا تندم عليه أبداً
      نسأل الله حسن الخاتمة

    • زائر 2 | 2:02 ص

      شكرآ ركتوره

      موضوع جميل ومفيد وموعظه

    • زائر 1 | 2:01 ص

      فعلاً هذهِ هي الحقيقة

      مهماً--حاولنا الهروب منها فالمحيط يكفي بأن يرجعنا إليها فالاولاد والشيب في الرأس وغيرها من الأمور كلها أدوات ومنبهات

اقرأ ايضاً