العدد 4525 - الإثنين 26 يناير 2015م الموافق 05 ربيع الثاني 1436هـ

أيقونة الثورة المصرية الجديدة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من الصور التي ستبقى معلّقة في ذاكرة الكثيرين، صورة الشابة المصرية شيماء صبري الصباغ، التي قد تعلق أيضاً في ذاكرة التاريخ كأيقونةٍ شاهدةٍ على ثورة مجهضة من أجمل ثورات الربيع العربي.

شهرتها اكتسبتها في يومها الأخير وهي متسربلةٌ بالدم، وصورتها وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة ستظل تنبض بالحياة أمداً بعيداً. فهذه الشابة المصرية الشهيدة، يمكن أن تصبح قصتها حكاية فيلم طويل، كواحدةٍ من قصص التراجيديا الإغريقية.

ضحايا كثر سقطوا بالمئات في هذه العاصمة العربية أو تلك، في غضون حوادث الربيع العربي، سعياً لتحقيق أحلامهم في الحرية والحياة الكريمة والكرامة الإنسانية.

شيماء الصبّاغ، هذه الوردة التي ذبلت سريعاً أمام أعين العالم، لترفع أكبر يافطة احتجاج على حكم العسكر العائد للإمساك بالحكم بكل شراسةٍ وعنف. وسجّلت عدسات التصوير الدقائق الأخيرة من حياتها لحظةً بلحظة، وهي تسير مع رفاقها القلائل حاملين أكليل الزهر لوضعه على النصب التذكاري تكريماً لشهداء ثورة يناير في ميدان التحرير بالقاهرة؛ ثم وهي تتلقى الرصاص الغادر من الخلف في رأسها وظهرها ما تسبب في تهتك رئتيها؛ ثم وهي تتهاوى وتسقط في حضن زوجها ورفيق دربها؛ ثم حملها إلى سيارة لنقلها إلى أقرب مستشفى أملاً بإنقاذ حياتها دون جدوى.

شيماء من أبناء الثمانينيات، هذا الجيل الذي تفتّحت على يديه أزاهير الثورات في العواصم العربية المقهورة، والذي حلم بغدٍ أجمل، وُلدت في الرابع من يناير 1983، وانطفأت كالشمعة في الرابع والعشرين من يناير 2015، عشية الاحتفال بالذكرى الرابعة لثورة الشباب. وهي أمٌ لطفلٍ في السادسة اختارت له اسم «بلال»، سيقضي بقية حياته يتيماً ومحروماً من حنان الأمهات.

ناشطة سياسية، كانت تهتم بقضايا المجتمع، وصفها معارفها بأنها شخصية مرحة، منضبطة، دائمة الابتسامة، تحمل شعوراً عالياً بالمسئولية الاجتماعية. ورغم تقلبات الأيام وجفاء الواقع لم يفارقها الأمل، فكانت تشارك في مظاهرات تضامنية مع العمال، وتهتم بمشاكل الأحياء الشعبية وسكّانها من الفقراء. وحين شنت «إسرائيل» حربها البربرية على قطاع غزة المحاصر المجوّع، بادرت إلى المشاركة في حملات إغاثة لسكان القطاع.

مقتل هذه الفتاة الملتزمة بقضايا النضال في مجتمعها، يأتي عشية الاحتفال بذكرى الثورة المجهضة، بعدما استعاد العسكر مواقعه، واستبدل الجنرال بزته العسكرية ببدلة مدنية، وبعد شهرين من تبرئة الرئيس السابق حسني مبارك وسبعة من قيادات الأمن من تهمة قتل المتظاهرين السلميين الثمانمئة أيام الثورة بدعوى «عدم كفاية الأدلة»! وبعد عشرة أيام فقط من إسقاط حكم سابق ضد ابنيه علاء وجمال، وتبرئتهما من قضايا «فساد» و«استيلاء على أموال عامة»، في ترسيخٍ لمبدأ «الإفلات من العقاب». وقد أطلق سراحهما لتقتل شيماء يوم السبت، في سياق ما تقوم به «الدولة العميقة»، (وهي تسميةٌ ركيكةٌ للنظام القديم)، من إطلاق قيادات عهد مبارك وحتى الشرطة الذين تورطوا في قتل المتظاهرين في ثورة 2011، فيما تلتهم رموز الثورة وتقذف بهم في السجون حيث تنتظرهم الأحكام المشدّدة، فضلاً عمّا طال أنصار محمد مرسي بعد الإطاحة بحكمه من اعتقالات (15 ألفاً)، في حربٍ مفتوحةٍ للثأر وتصفية الحسابات.

شيماء، الأيقونة الجديدة لثورة شباب مصر، كتب عنها أحد الصحافيين الذين عرفوها عن قرب: «شيماء كانت من أكتر الناس اللي بتحب البلد دي عشان كدا البلد لم تتأخر في سحقها». بينما علّق محمد البرادعي (نائب رئيس الجمهورية السابق) على مقتلها على «تويتر» بقوله: «نرى أقبح ما فينا ونفقد أغلى من فينا.. متى سندرك أن العنف ليس حلاً، وأن وطناً قائماً على هيبة الإنسان هو الوطن الذى نبتغيه جميعاً».

رحم الله شيماء ورفاقها الشهداء على امتداد الوطن العربي المكبل بالقيود.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4525 - الإثنين 26 يناير 2015م الموافق 05 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 8:47 ص

      هذه النظمة لا تفكر الا بشي واحد

      البقاء في الكرسي إلى الأبد. ومن ينازعهم فيه سيقطفون رأسه.

    • زائر 7 | 4:18 ص

      اللهم ارحم شيماء وبقية شهداء الربيع العربي

      رحم الله شيماء ورفاقها الشهداء على امتداد الوطن العربي المكبل بالقيود.

    • زائر 6 | 4:15 ص

      سيدنا العزيز

      شيماء الصباغ استشهدت لانها اتحب وطنها اما من قبل الجبين لانه يحب الفلوس وكرسي الولع

    • زائر 5 | 3:18 ص

      أين القائد

      الثورات تحتاج الي قائد الذي لايفقكر بالكرسي

    • زائر 4 | 1:42 ص

      متى سندرك أن العنف ليس حلاً

      ». بينما علّق محمد البرادعي (نائب رئيس الجمهورية السابق) على مقتلها على «تويتر» بقوله: «نرى أقبح ما فينا ونفقد أغلى من فينا.. متى سندرك أن العنف ليس حلاً، وأن وطناً قائماً على هيبة الإنسان هو الوطن الذى نبتغيه جميعاً».

    • زائر 3 | 11:26 م

      اللهم احفظ مصر

      اللهم احفظ مصر العروبة و الاسلام الحقيقي من خريجي أكاديميات التغير الصهيونية

    • زائر 2 | 11:24 م

      العالم العربي

      عصي على التغيير. ولكن يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.

    • زائر 1 | 9:33 م

      الله يرحمها

      يبي لهم سبعين ثمانين اذا مو مليون سنة عشان يشيلون السيسي
      السيسي موش رئيسي
      بس محد يقدر يقووولها
      مساكين المصرييين
      ويابوهم لنا عشان يخففون عن السيسي
      يعيبون على مبارك واكو ياهم لي اخس منه وكلهم نفس الشي

اقرأ ايضاً