العدد 4527 - الأربعاء 28 يناير 2015م الموافق 07 ربيع الثاني 1436هـ

في التوازن بين الضعف والقوة

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

لن نكون بشراً إذا لم نمر بحالات ضعف. الذين لا يضعفون أمام كثيرٍ من الحالات هم كتل من اللحم والعظام. ولا شيء قبل ولا شيء بعد تلك الكتل.

في ميزان قدرة البشر وطاقاتهم، يُختبر الإنسان في ضعفه أيضاً كما يُختبر في قوته. يختبر في ضعفه بقدرته على الخروج من ذلك الضعف أكثر قوة. والعالم مليء بمصادر القوة التي يمكن للإنسان أن يكتسبها، إذا أراد. القوة التي توازن بين حاجته بعدم التعدي واستحضار مشاعره وعاطفته في مواضع لا تستقيم إلا بها. ذلك هو ما يحقق التوازن في القوة. أن لا يتخلى ويسهو الإنسان عن عاطفته.

وسيكون أقرب إلى الضعف إن تحوّل إلى كتل من عاطفة فحسب. لن يقوى على مواجهة تغيرات العالم من حوله بتلك العاطفة. صحيح أنها أداة، لكن لها مواضع حضورها. وتحضر لتُوازن لا لتستسلم وتخضع وتسلم قيادتها بشكل مجاني.

بعض الضعف انسياق وراء العاطفة. استسلام لها. يتضح ذكاء الإنسان ومراسه في الحياة بتحقيق تلك المعادلة. معادلة أن يكون قوياً دون أن تنحسر العاطفة منه. وأن يكون ضعيفاً بعاطفة أمام حالات ونماذج من حوله ينال منها أصحاب القوة باستهدافهم لها، وتوريطها في الحرمان من كل شيء، وهو حرمان يطال الحياة أيضاً. أن يمنح أولئك شيئاً من قوته، بقدرتهم على تلقي الدرس، وبقدرته على تعميم ذلك. تعميم القوة في جانبها الخيّر.

والذين لا يتعاطفون - عملاً - مع الضعفاء لا قوة تدل عليهم. ويمكن لقليل من العاطفة تلك أن تخلق من بعض الضعفاء أقوياء متى ما استطاعوا الانتصار على ضعفهم. وفي الحياة من أماكن استلهام القوة ما لا حصر له. يحتاج ذلك إلى بصيرة قبل البصر.

ثم إن الذين انسجموا مع ضعفهم هم أحد الابتلاءات التي يتعرض لها العالم. في المقابل، يظل الذين انسجموا مع قوتهم في جانبها المنحرف والمؤذي والمسخر في طريق العبث بمصائر الناس، أحد الابتلاءات الكبرى أيضاً التي يمر بها العالم.

وفي الابتلاءات تلك تغيب المعادلة. يغيب التوازن. ليظل الضعيف ضعيفاً وعالة تعطل الحياة، والقوي قوياً في جانب طغيانه، أداة من أدوات تهديد الاستقرار والطمأنينة والتعايش.

«وخلق الإنسان ضعيفاً» في سياق تكوينه قبل أن يشب ويواجه ويوازن ويستوعب دوره ويراقب أداءه. وهو نفسه الذي يكون في قمة ضعفه بقوة لا تعمّر. كأنه بذلك أيضاً مأخوذ بغرور القوة التي لا يريد أن يستوعب أنها إلى ضعف وانهيار في سياق امتداد عمره الزمني، وما ينتج عن ذلك من وهن وتآكل وتلاشٍ لقوته. ذلك هو الدرس الغائب لدى كثيرين.

والهزيمة الكبرى هناك. في عدم القدرة على التواؤم بين الضعف المؤقت بالتغافل عنه، وإدخاله في وضعية دائمة، تظل باستمرار في انتظار نجدة، لتعاود الممارسة. فيما الهزيمة الكبرى تظل تطارد القوة في غفلتها الدائمة، وهي منسجمة مع ممارسة البطش، في نسيان المدى المحدود لتلك القوة، إن لم يكن بفعل عوامل الطبيعة، فبفعل أن الضعفاء جميعاً لن يظلوا ضعفاء وبشكل أبدي.

وفي افتقاد مثل ذلك التوازن، إبقاء حال الحياة على هذا الكوكب على ما هي عليه. فلا الضعيف أضاف إليها، ولا القوي في بطشه جعل الحياة مقنعة بما ينتج عن ذلك البطش.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4527 - الأربعاء 28 يناير 2015م الموافق 07 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً