العدد 4529 - الجمعة 30 يناير 2015م الموافق 09 ربيع الثاني 1436هـ

عمليات التجميل «الإعلامية»

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في كل عمليات القتل الظالِم يوجد ثلاثة أطراف. هناك مَنْ يأمر، وهناك مَنْ يُنفِّذ، وهناك مَنْ يُبرِّر. الآمرون والمُنفِّذون هم يُنهون حياة إنسان بغير حق، فيستوجبون العقوبة، كون فعلهم منكراً يحمل صفة الجريمة. «والمنكر هو كل فعل قبيح، عَرَفَ فاعله قبحه».

لكن، هناك تكملة للجملة وهي أن: «المنكر هو كل فعل قبيح، عَرَفَ فاعله قبحه أو دلَّ عليه»، وهو ما يعنينا هنا. فهناك مَنْ يدعو ويُحرِّض الآلة الأمنية والعسكرية ويُشرِّع لها فعل المنكر. وقد عُدَّ مَنْ يقوم بذلك كمن يفعل. وبالتالي يُجرَّم كما يُجرَّم الآمر والفاعل.

قبل يومين، تحدثنا عن تطويع الكلمات والأوصاف في الإعلام مِنْ قِبَل بعض الصحافيين والمذيعِيْن لقلب الحقائق، بحيث يُصبح القاتل هو الضحية والعكس. وقد تبيَّن لنا من خلال الأمثلة، أن هذا الأمر كان ولايزال يُستخدَم لأشكال مختلفة من الأنظمة الحاكمة.

اليوم، أعرض ما يناسب ذلك، مِنْ خلال عرضٍ لكتاب مهم، من تأليف الصحافي الأميركي نورمان سولومون. وهو صحافي «مسئول» عُرِفَ بمناهضته للحروب الأميركية بالتحديد. وقد كَتَبَ سِفرَه هذا تحت عنوان: «الحروب المُيَسَّرة»، وعن كيفية استمرار «الرؤساء والنخبويّين في تضليلنا حتى الموت»، عبر توظيفهم الصحافة والتلفزيون لتبرير القتل.

الكتاب من 329 صفحة، يناقش 19 عنواناً. وهو يتحدث عن «كذبة» الحرب في المفهوم الأميركي، من أيام ليندون جونسون ومعركته في الدومينيكان، مروراً بالرئيس ريتشارد نيسكون في حرب فيتنام، ورونالد ريغان في غرينادا وقصف ليبيا ولبنان، وجورج بوش الأب في بنما والخليج، وبيل كلينتون في يوغسلافيا والسودان والصومال، وصولاً إلى جورج بوش الإبن في أفغانستان والعراق.

الأهم ليس هو الاندفاع الأميركي بنفَس إمبريالي نحو غزو أو احتلال تلك الدول أو المناطق الأخرى في الشرق والغرب، بقدر ما هو «فضح وتواطؤ وسائل الإعلام التي تحوّلت إلى ذراعٍ دعائية للبنتاغون، ومحاولة جادة لإزاحة ضباب الإعلام الحربي» كما جاء في التقديم.

خلال الحملة على بنما يشير سولومون إلى تقرير بُثَّ على شبكة «إي بي سي» ضمن برنامج «نايتلاين» بتاريخ 8 مايو/ آيار 1989، يُركِّز على صورة «صحافي يكافح للتنفس بعد تعرضه لهجوم من بعض رجال عصابات نورييغا. لكن هذه الانتقائية في الخبر تبدو غريبة».

فقبل ذلك بشهرين، وخلال الانتخابات في سان سلفادور، قام الجيش السلفادوري المدعوم من الولايات المتحدة الأميركية «بقتل ثلاثة صحافيين» في عنف «مناهض للديمقراطية». لكن ذلك لم يدفع شبكة «إي بي سي» الإخبارية لأن تتحمّس لقتل أولئك الصحافيين كما فعلت مع حادثة الضرب هذه.

لقد تسبَّب الغزو الأميركي لبنما في قتل ألف مدني، لكن وسائل الإعلام المُبرِّرَة للغزو، كانت تتجاهل ذلك وتُروِّج لفكرة أن «الولايات المتحدة باتت «تُمسك بقضية كبيرة جداً ضد (رئيس بنما حينها مانويل) نورييغا» تتعلق «بمخبأ كبير للمسحوق الأبيض»، كما نقلت ذلك سانت لويس بوست – ديسباتش.

في تجربة أخرى، نيكاراغوا، حيث شرعن العديد من الصحافيين الأميركيين للحرب هناك. وتجنبوا الحديث عن الضحايا من المدنيين على أيدي جماعات «الكونترا» المموّلة من واشنطن. يشير سولومون إلى قيام إحدى الصحف الأميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 1987، بنشر صورة على الصفحة الأولى لجندي «من الكونترا مع طفل مُعجب به جداً»، ومعها «مقالة من خمسين مقطعاً رفعت كثيراً من شعبية عصابات الكونترا».

أما في ملف احتلال العراق، فقد وصل التدجيل الإعلامي الأميركي أقصاه. فقبيل احتلال العراق، يقول سولومون، «كرَّست وسائل الأخبار الأميركية الآلاف من ساعات بث الشبكات، وبحوراً من الحبر لموضوعات تتعلق بأسلحة الدمار الشامل في العراق».

وعندما نشرت مجلة «نيوزويك» عبر مراسلها للأمن القومي جون باري تصريحاً لحسين كامل المنشق عن نظام صدام حسين، وهو أن العراق «دمَّر بعد حرب الخليج كل مخزونه من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية»، كانت جميع وسائل الإعلام الإعلامية المطبِّلة للحرب على العراق تتجاهل تقرير باري، مكرّرين فقط رواية البنتاغون والـ «سي آي أيه».

ليس ذلك فحسب، بل إن تلك الوسائل الإعلامية، قامت بنشر نفي لشخص مجهول، عرَّف نفسه بأنه مصدر موثوق به من وكالة الاستخبارات الأميركية، مع تصريح للمتحدث باسم الـ «سي آي أيه» وهو بيل هارلو، بأن ما قالته «نيوزويك» عن كامل «غير صحيح، ومزيف، وخاطئ، وكاذب».

يتحدث الكاتب عن تأثير التلفاز المسوِّق للحرب على المشاهدين، ويقول: «أجهزة التلفاز لا تنفجر ولا تسقط الجدران ولا ينزف المشاهدون ولا يُسحقون كما لا يُقتَلون على الفور». أقصى ما يتم هو «توليف الأمر في عملية غربلة للصور والتصريحات التي يرى المخرجون أنها مريعة جداً أو تسبب الإزعاج»، فالمشاهدون لا يحصلون «إلاَّ على الصور التي وافق عليها المحرّرون الحريصون». من هنا يأتي تأثير الإعلام من خلال ذلك الانتقاء.

كانت وسائل الإعلام الأميركية عامل دفع قوي لتسويق أسماء العمليات الحربية التي كانت تطلقها وزارة الدفاع الأميركية: ففي الغزو الأميركي لبنما سُمِّيت العملية بـ «القضية العادلة». وفي أفغانستان سنة 2001، أُطلِقَ عليها عملية «العدالة اللامحدودة» أو «الحرية الدائمة». أما عنوان احتلال العراق سنة 2003 فقد كان براقاً: إنها «معركة الحرية»!

الحقيقة، أن ما يُشير إليه نورمان سولومون هو صورة من صور التشويه الإعلامي. هناك، حيث الكاوبوي، تأخذ أشكالاً من التحريض العسكري نحو الخارج، لكن وفي أماكن أخرى هي تأخذ شكلاً آخر من التحريض حيث الداخل، من خلال قمع أصوات الأحرار، بل وحتى تلك الموسومة بالعقل. والحال لا يختلف بين تلك وهذه، فكلاهما تشويه ولَيٌّ للحقائق.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4529 - الجمعة 30 يناير 2015م الموافق 09 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 2:41 م

      الكل يعلم انه لاتوجد وزارة إعلام في امريكا لتبرر وتنفي حروبها العدوانية

      ولكن من يقوم بهذا الدور لحساب وزارة الدفاع خصوصا والبنتاغون عموما؟
      انها هوليوود التي كل سنة تتكفل وزارة الدفاع بتقديم المساعدة الي المنتجين والمخرجين من المواقع والمشورة التقنية من طائرات من طراز بلاك هوك وطائرات وغواصات نووية الخ علي شرط ان توفر هذه الافلام الدعاية والتبرير اللااخلاقي للحروب العدوانية وتظهر الجندي الامريكي في صورة الرجل الشهم البطل الذي يتقدم الصفوف لمحاربة اعداء الانسانية المتوحشين يظهر هذا واضحا في افام الكوبوي او حرب فيتنام والصومال واخيرا العراق. حقيقة انها الشيطان الاكبر

    • زائر 6 | 1:43 ص

      طغيان

      نعم هذه امريكا اين ما تواجدت يوجد دكتاتور

    • زائر 5 | 1:16 ص

      سوق الكذّابين تروج في الأوضاع الفاسدة

      حين يعمّ الفساد والظلم فإن سوق الكذّابين تصبح رائجة وتصبح سوق اهل النفاق سوقا فاعلة

    • زائر 4 | 12:57 ص

      الفتوى والكلمة

      جرييمة هؤلاء كمن يعطي الفتاوى لذبح الناس وتشريع ذلك للظالم لا فرق . تحياتي

    • زائر 3 | 12:51 ص

      افكار رائعة تحت لأفئدة تسمعها وتعيها

      ما اجمل هذه الافكار يا استاذ محمد . كلي حرص على متابعة ما تكتب

    • زائر 2 | 12:45 ص

      لكل ساقط لا قط

      من يريد ان يروّج للكذب والفبركات فهناك سوق لهؤلاء الذين يحسبون على الاعلاميين لهم سوق ايضا خاصة عندم يجزل العطاء من افواه الفقراء يسلب ويعطى لهم

    • زائر 1 | 12:15 ص

      هل يا ترى ؟

      هل يا ترى يتم توظيف استشاريين خبراء أو علماء نفس لعمليات التجميل الاعلامية.. وكذلك تجبر وسائل الاعلام على تسويق ما تأمر به الحكومات ؟

اقرأ ايضاً