العدد 4530 - السبت 31 يناير 2015م الموافق 10 ربيع الثاني 1436هـ

مدركات الفساد وعلاقتها بالحرية السياسية والاقتصادية

عبدالله جناحي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لقد أصبحت إثارة موضوعة الفساد من الموضوعات المهمة ليس فقط للرأي العام ولأصحاب القرار، بل لمعدّي تقرير الرقابة المالية والإدارية والاسترشاد بأحدث التطورات في مجال كشف الفساد ومحاسبة المفسدين.

وحسب إحصاءات منظمة الشفافية العالمية لعام 2012، فقد كبّد الفساد الدول العربية حوالي 300 مليار دولار في ذلك العام.

إن تعريف منظمة الشفافية العالمية للفساد في اعتقادي، هو البوصلة التي يجب اعتمادها لتحليل مكوّنات الفساد، حيث عرفته بأنه «إساءة استخدام السلطة العامة في تحقيق مكاسب خاصة». ويتضمن هذا التعريف جميع الأنشطة التي يمارسها السياسيون والإداريون والمشرّعون للحصول على مكاسب شخصية، وبالتالي يمكن تصنيف الفساد وفقاً للعلاقة بين الحكومة والشعب والتي ترتكز على ثلاثة محاور، تتمثل في علاقة الشعب بالنخب السياسية والإدارية والقضائية. ووفقاً لهذه العلاقات توجد ثلاثة أنواع للفساد، النوع الأول هو الفساد السياسي، والذي تمارسه النخب السياسية بوضع سياسات عامة تخدم مصالحها الشخصية؛ والنوع الثاني هو الفساد الإداري الذي يمارسه الإداريون عند التعامل مع عامة الشعب؛ والنوع الثالث هو الفساد التشريعي، ويشير إلى حالة تأثر سلوك المشرع بمجموعات ذات مصالح، ما يدفعه إلى سن تشريعات معينة تؤثر على المجتمع ككل.

في دراسة قيمة للدكتورة عزة حجازي بعنوان «أثر الحرية الاقتصادية والسياسية على الفساد في الدول العربية»، منشورة في «مجلة التنمية والسياسات الاقتصادية» التي يصدرها المعهد العربي للتخطيط، كشفت أن الحرية الاقتصادية تؤدي إلى انخفاض الفساد في حالة توفر بيئة سياسية ديمقراطية وتشاركية، بينما ترتفع نسبته في حالة انخفاض الحرية السياسية.

وتتوسع الدراسة في تحليل أنواع الفساد، وتقسّمها إلى الفساد الكبير والصغير، فالفساد الكبير يعني ذلك النوع من الفساد الذي تمارسه النخب السياسية والاقتصادية والتشريعية ويؤثر بشكل واضح على المجتمع نظراً لتشوّه النظام ككل، أما الفساد الصغير فيقصد به الفساد الإداري الذي يوجد بسبب ضعف الجهاز الإداري، ويشمل الطبقتين الوسطى والدنيا من الإداريين. ويمكن تصنيف الفساد وفقاً لأشكاله التي تتمثل في الرشوة والاختلاس والاحتيال والابتزاز والمحسوبية والمحاباة والكسب غير المشروع.

مدركات الفساد

من الأهمية للمعنيين بكشف الفساد، الاعتماد على مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية العالمية، حيث حددت المنظمة قبل 2012 قيمة هذا المؤشر التي تتراوح بين الصفر والعشرة، حيث تعكس الصفر (أعلى فساداً)، والعشرة (أقل فساداً). ومنذ 2012، نشرت المنظمة مؤشر مدركات الفساد لتتراوح قيمته بين الصفر والمئة، حيث يعكس الصفر (أعلى فساداً)، وتم إعادة تبويب مؤشر المنظمة في الدراسة المذكورة أعلاه حيث يعكس الصفر (أقل فساداً) والعشرة (أعلى فساداً).

وحسب الدراسة، قُسّمت الدول العربية إلى ثلاث مجموعات، الأولى تتراوح بين صفر و3.33 وتمثل المجموعة منخفضة الفساد. وطوال السنوات من 2003 إلى 2012 كانت البحرين خارج هذه المجموعة، حيث كانت في المجموعة الثانية التي تتراوح بين 3.34 إلى 6.66، وهي المجموعة متوسطة الفساد، وما فوق هذه القيمة ولغاية العشرة هي المجموعة مرتفعة الفساد.

في العام 2003 كانت قيمة البحرين 3.9 وارتفعت في عامي 2004 ـ 2005 إلى 4.2، وفي 2006 ارتفعت إلى 4.3 ثم ارتفعت في 2008 إلى 4.6، لترتفع إلى 4.9 في الأعوام 2009 إلى 2012. وفي المتوسط كانت قيمة الفساد في البحرين طوال أعوام 2003 إلى 2012 في حدود 4.6.

وتشير الدراسة بأنه لا توجد أية دولة عربية ضمن مجموعة الأقل فساداً، فكلها إما مرتفعة أو متوسطة الفساد.

الفساد ومستوى الحرية الاقتصادية والسياسية

ومن أجل التعرف على مستوى الحرية الاقتصادية والسياسية الذي تتمتع به الدول العربية، قسّمت الدراسة المذكورة كلاً من مؤشر الحرية الاقتصادية والسياسية إلى ثلاث مجموعات تتسق مع تقسيم مجموعات مؤشر مدركات الفساد، حيث تراوحت المجموعة الأولى بين الصفر و3.33 وتمثل الحرية الاقتصادية والسياسية الأقل، وتراوحت المجموعة الثانية بين 3.34 و6.66 وتمثل الحرية المتوسطة، وتراوحت المجموعة الثالثة بين 6.67 و10 وتمثل المجموعة الأكثر ممارسة للحرية الاقتصادية والسياسية. وأشارت الدراسة بأن البحرين تقع في المجموعة الثالثة بالنسبة للحرية الاقتصادية حيث حصلت على قيمة 7.42، وأصبحت في المجموعة الأقل في الحرية السياسية بقيمة 2.57.

ويرجع ارتفاع مؤشر الحرية الاقتصادية في البحرين إلى زيادة كل من الحرية المالية والنقدية بالإضافة إلى حرية العمل والتجارة والاستثمار والتمويل، وفيما يتعلق بالحرية السياسية فيتضح من الدراسة عدم انتماء أية دولة عربية إلى المجموعة الثالثة، ما يعني عدم تمتع أية دولة عربية بحرية سياسية مرتفعة خلال السنوات 2003 – 2012.

وتحاول الدراسة الإجابة على تساؤلات حول علاقة الحرية الاقتصادية والسياسية بنسب وحجم الفساد المالي والإداري والتشريعي، حيث تؤكد بأن زيادة الحرية الاقتصادية مع وجود قدر من الحرية السياسية يمكن أن يساهم في انخفاض الفساد بشكل أكبر عمّا إذا تم الاعتماد فقط على توفير حرية اقتصادية دون الحرية السياسية. وكذلك فإن زيادة الحرية السياسية مع وجودٍ قدر من الحرية الاقتصادية يمكن أن يساهم في انخفاض الفساد بشكل أكبر عمّا إذا تم الاعتماد على توفير الحرية السياسية فقط دون الحرية الاقتصادية.

وللمزيد من التعمق في هذه العلاقات بين نسب الفساد والحرية الاقتصادية والسياسية، قامت الدراسة بتحليل قياسي للمتغيرات في كلٍّ من الحرية الاقتصادية والسياسية من خلال ربط نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي والحرية الاقتصادية ومعدل التضخم والتفاوت في توزيع الدخول، حيث تساهم هذه المتغيرات وبالأخص توزيع الدخول في تغيير بعض القيم الاجتماعية في اتجاه قبول الفساد كسلوك.

فمن ناحية يلجأ بعض المنتمين للطبقة الغنية لممارسة بعض أشكال الفساد لما لديها من الدوافع والفرص والقدرة المالية لممارسة الفساد مقارنةً بالطبقة الفقيرة، ومن ناحية أخرى تساهم الطبقة الفقيرة في زيادة الفساد حيث ينتج عن عدم العدالة في التوزيع صعوبة حصول الطبقة الفقيرة على خدمات أساسية مثل الصحة والتعليم، ما يؤدي إلى ممارسة أحد أشكال الفساد للحصول على تلك الخدمات. ولذلك فإن التفاوت في توزيع الدخول يعتبر من المحدّدات الأساسية للفساد. أما التوزيع الأكثر عدالةً للدخول فيؤدي إلى وجود طبقة متوسطة كبيرة بإمكانها مساءلة النخب، ما يحدّ من الفساد.

واستنتجت الدراسة إلى أن معدل نمو الفرد من الناتج المحلي الإجمالي له أثر معنوي سالب على الفساد، فكلما ارتفع معدل نمو نصيب الفرد من الناتج انخفض الفساد. وهذه العلاقة العكسية طبيعية، فانخفاض الناتج ومن ثم الدخل في الدولة يعتبر دافعاً للحصول على رشاوى، ما ينعكس بالارتفاع على مستوى الفساد فيها. أما الرفاهية ونمو نصيب الفرد من الناتج الراجع إلى التنمية أو النمو الاقتصادي، فيؤديان إلى انخفاض الفساد بسبب عدم ميل المواطنين للمشاركة في عمليات الفساد ولعدم وجود مبرر لها.

ومن النتائج المفاجئة التي خرجت بها الدراسة، أن ارتفاع نسبة الملتحقين بالتعليم الجامعي أدّى إلى ارتفاع مؤشر الفساد، ويمكن تبرير هذه العلاقة الطردية بأن العاملين بالمناصب العامة الأعلى تعلماً هم أكثر براعةً في ممارسة عمليات الفساد. وبالنسبة إلى معدل التضخم، فيتضح أثره المعنوي الموجب على الفساد، فارتفاع معدل التضخم يؤدي في المتوسط إلى ارتفاع مؤشر الفساد، حيث يؤدي التضخم إلى انخفاض مستوى الأجر الحقيقي، ومن ثم انخفاض القوة الشرائية للنقود، ما يدفع البعض للإتجاه لبعض أشكال الفساد من أجل تمويل الاحتياجات الأساسية للمعيشة، وبالطبع يزداد الأمر سوءًا في حالة وجود تفاوت في توزيع الدخول.

وخلصت الدراسة إلى عرض بعض المقترحات لتخفيض مستويات الفساد في الدول العربية، أهمها وضع سياسات تسهم في زيادة مساحة الحريات السياسية من خلال زيادة الحقوق السياسية بتوفير انتخابات حرة ونزيهة، مع ضرورة وضع ضوابط للوظائف الحكومية، وقواعد للترشيح والانتخاب للمناصب العامة، ووضع أسس لتمويل البرامج الانتخابية والأحزاب السياسية، مع التأكيد على تحقيق المساءلة والشفافية وإتاحة المعلومات. كما يجب توفير قدر مرتفع من الحقوق المدنية من خلال دعم كلٍّ من الإعلام الحر المستقل، ومنظمات المجتمع المدني القوية والمستقلة، وسيادة القانون، بما يسهم في زيادة التثقيف والتوعية بالأمور الخاصة بالفساد، ورصد سلوك العاملين بالحكومة ونشر جرائم الفساد على الرأي العام، علاوةً على محاسبة ومعاقبة مرتكبي الفساد، وتأسيس هيئة مستقلة مالياً وإدارياً لمكافحة الفساد تكون مسئولة عن وضع استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد، مع وضع قواعد ملزمة خاصة باختيار العاملين في تلك الهيئة حتى لا تكون الهيئة ضلعاً جديداً من أضلاع الفساد.

إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"

العدد 4530 - السبت 31 يناير 2015م الموافق 10 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً