العدد 4549 - الخميس 19 فبراير 2015م الموافق 29 ربيع الثاني 1436هـ

جهد جديد لحلّ إشكاليات قديمة

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

منذ بضعة أيام كانت لي محاضرة في مسقط عن التسامح الديني، كما كان لي مقال عن الغيرية الدينية العنفية المتعصبة. ولقد تبيًن لي أن المدخل للتقليل من ظاهرة الغيرية تلك ولتشجيع وبناء التسامح الديني في أرض العرب، يمرّ عن طريق مراجعة نقدية موضوعية لبعض القراءات والتفاسير الخاطئة للنصوص القرآنية الكريمة وللأحاديث النبوية المؤكدة... وأوردت أمثلة لمواضيع تحتاج لمثل تلك القراءة. بعد يومين علمت عن طريق الإذاعات أن مجموعة من المفكرين الإسلاميين في أوروبا تحضّر لعقد مؤتمر فكري في بداية العام القادم، للنظر في وضع أسس لنشاط نقدي يتوجه لنقد ما علق بالخطاب الديني الإسلامي عبر العصور، بما فيها العصر الذي نعيش، ومحاولة إجراء قراءات جديدة تبعد المجتمعات العربية والإسلامية الحالية عن الجحيم التكفيري الإرهابي الذي يهدّد بتدمير بنيتها الدينية والاجتماعية والثقافية والسياسية، ويدخلها في حرب مجنونة أبدية مع بقية العالم.

طالما أن الموضوع هو في فترة التحضير، فمن الضروري أن يساهم كل من يهمه الأمر في إنجاح ذلك الجهد، وهذا ما سأحاول بتواضع القيام به.

أولاً: إن عملية تلك المراجعة يجب أن تكون شاملة بكل المعنى، بحيث تتمُ مراجعة ونقد كل القراءات الخاطئة أو الناقصة أو التي تجاوزها الزمن في كل مذهب إسلامي، وفي كل مدرسة فقهية، بما في ذلك بالطبع قراءات القوى التكفيرية التي تموج بها مجتمعات العرب والمسلمين.

ثانياً: ولأن الفقه الإسلامي لا يتعامل فقط مع العقائد والمعاملات وإنما يشمل أيضاً مواضيع تمسُ حقول الطب وعلوم الكون الطبيعي، فإن محاولة القراءات الجديدة والنقد يجب أن تشمل أيضاً تلك الحقول.

ولا يحتاج الإنسان لأكثر من مشاهدة بعض الفضائيات الدينية، ودخولها اليومي في فضاءات التداوي من هذا المرض العضوي أو النفسي وذاك، أو محاولة إقحام النصوص الدينية الكريمة في فهم حقول المكتشفات الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية وتطوراتها الصاعدة والهابطة على الدوام، حتى يدرك أن مراجعة القراءات المتعلقة بمثل تلك المواضيع ضرورية، وذلك من أجل تنقية وتعديل أفهام العربي والمسلم للكثير من القراءات الفقهية لعلوم العصر التي يصُّر الكثيرون على إعطائها قدسية مساوية للنصوص القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة المؤكّدة.

ثالثاً: من هنا سيكون من الضروري أن يتواجد في ذلك المؤتمر اختصاصيون في العلوم الطبيعية والطب والعلوم الاجتماعية وغيرها، للمساهمة في تحليل ونقد تلك المواضيع كجزء من تنقية ما علق بالفقه الإسلامي عبر العصور المتلاحقة.

رابعاً: إن عملية المراجعة الشاملة والنقد الرّصين والقراءات الجديدة، ستحتاج إلى أفق زمني ممتد، ما يعني الحاجة لمأسسة ذلك الجهد حتى يبقى متواجداً عبر المستقبل البعيد للردّ على كل مخرّف أو معتوه متطرف أو جاهل أحمق يريد إقحام هذا الدين الشديد البساطة واليسر، في دروب وعرة شائكة تجعل معتنقيه في خصام دائم مع عصرهم ومع معتنقي كل الديانات الأخرى.

خامساً: إن مأسسة ذلك الجهد ستتطلب أن تكون بعيدة عن إتباعه بأية سلطة رسمية سواء أكانت سياسية أو دينية، وذلك حتى يكون ذلك الجهد حكماً على الجميع ومحترماً من الجميع، وإلى أبعد الحدود الممكنة مقبولاً من الجميع. إن ذلك لن يكون سهلاً في مجتمعات تعوّدت سلطاتها السياسية والدينية على ممارسة الهيمنة التامة ووضع الجميع تحت أجنحتها.

من أجل ذلك لابدّ من النظر في بناء وقفية يتبرّع لها الموسرون من العرب والمسلمين المالكين لالتزام ضميري وأخلاقي تجاه إخراج مجتمعاتهم وشعوبهم من الجحيم العبثي التكفيري، بكل أشكاله وألوانه وأسمائه، الذي يصُّر على ممارسة كل تلاوين العار والخسّة والغدر والتوحُّش باسم دين الحق والقسط والميزان والرّحمة الإلهية.

كل المؤسسات الفكرية والاجتماعية والبحثية في بلاد العرب والمسلمين عانت الأمرّين، ثم الاختفاء والموت التدريجي، بسبب عدم حل إشكالية التوفُّر والاستقرار المادي الذي يمكّنها من الاستقلالية والابتعاد عن الجهات التي لا يهداُ لها بال إلا بالسيطرة على الآخرين وتوجيه كل نشاطاتهم.

أخيراً، إذا وجدت مثل هكذا مؤسسة، تضمُ فقهاء ومفكرين وعلماء لديهم غيرة على مستقبل مجتمعاتهم، وبالتالي إخراج تلك المجتمعات من تخلُّفها الحضاري التاريخي الذي وصلت إليه، فإنها ستكون أحد المرجعيات التي ستساهم في مساعدة أجيال المستقبل للتعامل مع تطورات أزمنتهم من خلال فهم روحي عقلاني مستنير ميسّر تباركه السماء، وتحتاجه هذه الأرض التي تعاني من جنون الإنسان ونوازعه.

وبالنسبة لأمة العرب فإن تحقيق الكثير من تطلعاتها القومية والحضارية سيسهّل وجود مثل تلك المؤسسة.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4549 - الخميس 19 فبراير 2015م الموافق 29 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 2:59 م

      الامة ليست في حاجة لمنظرين واراء تطلق في الهواء


      كثرت الدعوات وكقر التنظير والاطروحات لكن السؤال ما مدى مصداقيتها
      اين دعوات التقريب بين المداهب وحوار الحضارات وحوار الاديان ..واعادة دراسة وتنقيح التاريخ ومحاكمة شخوصه
      السؤال هل هي دعوات صادقة وهل بامكان الداعي ها التخلي عما يعتقد
      معتقدا او فكرا سياسيا

    • زائر 3 | 6:17 ص

      شيم العرب

      حل المشكلة في يد السلطه لو ارادت هدا الشي لكن على مايبدوا هي لاتريد الحل في اعتقداها ان تشديد القبضه الامنيه على المطالبين بحقوفهم المشروعه ستنجح.

    • زائر 2 | 6:14 ص

      أخاف عليك يادكتور يتهمونك.... ؟

      الله يرحم الدكتور أحمد الوائلي قدس سره عندما دعاء إلى مراجعة شاملة وتصحيح وتدقيق وأعاده النظر في تاريخ المسلمين الذي كثر الهرج والمرج ومغالطات وأحاديث وضعية ... بعض الأحيان تصف بحديث ضعيف وآخر حديث متفق عليه وبين هادا وذاك وفي المقابل اعتبروا كل من شاهد أو سمع بحديث من النبي هو صحابي ...لا يحق الشكوك حول اومسائلته

اقرأ ايضاً