العدد 4552 - الأحد 22 فبراير 2015م الموافق 03 جمادى الأولى 1436هـ

يُربُّون الوحش ويشكون من الكوابيس!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

لا شيء يبدو مُنسجماً مع اللحظات التي نعيش ونحيا. كل شيء برسْم المُصادرة والتأجيل، وفي أحيان برسْم التأويل، وتلك طريقة مثالية لتأكيد أننا رهائن لدى جهات ما.

عقود مرَّت على العرب والمسلمين في ملهاتهم السوداء، يحاولون البحث عن أفق يحصِّنهم من سجنهم العملاق، وهم الذين ولدوا في الصحراء المُشْرعة على المدى. لا مدى يمكن أن يصبح سقفاً لهم، دون وصاية أو رقابة أو إملاء. إملاء من الخارج يُفرض على الذين يصنعون ويطبخون إملاءات الداخل!

في الشاهد الغائب الذي لم يَرَ شيئاً، هم العرب والمسلمون اليوم. يُفرِّخون المفخَّخات ويشكون من الإرهاب الذي يزعزع طمأنينتهم. يُنجبون الضباع ويُرضعونها ويشكون من الجحود والأذى الذي لا حصر له. يُربُّون الوحش في غرف نومهم ويشكون من الكوابيس وندرة النوم؛ على رغم أنهم الوحيدون على وجه هذا الكوكب الذي لا يمكن التفريق بينهم وبين الوحش، بالصورة النمطية التي أعطوها للعالم من خلال الممارسة والأداء، وبالزلازل التي أحدثوها، وتخريب الطمأنينة الذي عمّموه على الجميع، وبدأوا بأهليهم وذوي القرابة منهم. تلك صورة. صورة أخرى، تتمثَّل في أنهم أصبحوا والنوم والغياب توأماً، بدليل أن الحضارة والمدنية تتمدَّدان وهم في حال انكماش مستمر حدَّ التلاشي والانتهاء؛ بل حدَّ العدم!

ليس ضرباً من جَلْد الذات حين يكتب أحدنا واقع هذه المرارات والفشل والتهديد المتنامي للمنجز البشري اليوم، وفي المحصَّلة النهائية، هو تهديد لوجودهم أساساً بسبب بعض المحسوبين على هذه الأمة، ممن احتكروا الله والفهم والنظر والتأويل والاعتقاد، وما عداهم وقود «جهاد» هو الآخر مختطف من قبل الاحتكار والفهم المغلوط والنظر الأعور والتأويل المريض والاعتقاد في درجات تقوُّله وتوهُّمه.

حتى الأعمى الذي لم ينل حظاً من نور عين، يمكن أن يلحظ هذا الخسف والدمار والذوبان واختفاء بلدان - أو تكاد - من على الخريطة. بلدان، صحيح أنها كانت عبئاً على المدنية المعاصرة في عالم آخر تتولاه لياقة بعض الخطباء على المنابر لعناً وتفكيراً ودعاء بالإصابة بالسرطان والعمى وكأن الأمراض رهن إشارتهم في استيطان ما ومن يريدون، وهم لا يقلون خطورة ووباء عن أكثر الأمراض خطورة وفتكاً؛ لكن البلدان تلك يظل فيها الأمل كامناً وسينهض إنسانها حين تتاح له الفرصة لإثبات قدراته وإمكاناته؛ وذلك ما لم يتح في ظل أنظمة نحرت محاولات الإنسان قبل أن تنحره على مذابح اليأس.

لن تجد بين كل شعوب الأرض شعباً ليس مطمئناً في حالين: حال نومه وحال يقظته كما الأمر مع العربي والمسلم اليوم. ليس مطمئناً في نومه لأنه يظل متهماً بالنية والشبهة، وقد يضمنك في مصرف؛ لكنه لا يضمن أن يصحو بشكل طبيعي دون انتزاعه من حضن أهله، وأمام أعين أطفاله، وما تيسَّر من جيران يتلصَّصون من وراء نوافذهم على صوت جلبة معهودة في الهزيع الأخير من الليل، صارت جزءاً من ملح ومرارة المكان والزمن!

وحال يقظته لأنه يظل مخفوراً بخوفه ووَجله، وآلاف من الموظفين الذين يحصون عليه أنفاسه وحركاته وسكناته وحتى عواطفه التي يفصح عنها في النادر من الظروف المواتية عبر رسالة نصية، أو مكالمة هاتفية مليئة بالوجل والانكشاف!

ويظل مخفوراً أيضاً بقناعة أن يقظته إنما ليكون على استعداد لسلق تُهَم له، وطبخ مؤامرة تتناسب وطموح الذين من ورائها وأطماعهم، والدور الذي يقومون به!

في ورطة التماثل والتشابه التي تحوّلت إلى منهج حياة وخطط حكومية، تلك التي تريد من المواطن العربي والمسلم أن يكون متطابقاً مع لوائح وحتى أمنيات أنظمته، بدءاً بدينه ومزاجه وهواياته وقدراته وقناعاته؛ وليس انتهاء بأحلامه وأوهامه. حتى الأوهام يريدونها أن تكون متطابقةً مع ما يريدون. انتفاء التحرر من تلك الوصفة، هي التي تجعل العربي والمسلم اليوم ينأى كثيرون من داخل دائرته وخارجها عن التطابق معه والتماثل، لأنهم سيكونون في مرمى استهدافهم في حاليْ اليقظة والنوم، وبمعنى آخر، بانعدام التطابق والتماثل يعرض ما تبقى لديه من خيار؛ حتى على مستوى حقه في الوجود باطمئنان إلى محاصرته بالكوابيس حتى يثوب إلى رشده ضمن المواصفات المعهودة!

فرق بين مفردة الانسجام التي استهلَّت بها الكتابة المقال، وقوانين يتم انتحالها وتثبيتها غصباً لتحويل الناس إلى بضائع وسلع في خط إنتاج أي نظام لا يريد لفرد تحت رحمته أن يكون مختلفاً، ولا يؤمن بهراء ما يُمْلى عليه ومحاولة سوْقه سوقاً لتنفيذ ما يُراد منه، والإيمان به؛ كي يكون مواطناً نموذجياً صالحاً ضمن المقاييس والمعايير الجاهزة.

كل ما يأتي بالغصب والإملاء؛ سواءً بالترغيب أو الترهيب، لا وجه لانسجام فيه.

في الواقع القائم، لا يمكن في أي حال مما نشهد أن نكون شعوب انسجام؛ بتلك الاستماتة التي تنفق عليها ملايين، لا تنفق على الدراسات والبحوث والتعليم وحتى الصحة، من أجل أن نتحول إلى شعوب من سلع، وعلى تطابق قبيح!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4552 - الأحد 22 فبراير 2015م الموافق 03 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 4:27 ص

      شكر

      شكراً للكاتب المتألق دوم ع مقاله الرائع حقاً ف وصف معاناة الشعوب من ارهاب الحكم المستبد.

    • زائر 3 | 2:07 ص

      التطرف والارهاب عرف من ايام ابادة السكان الاصليين في امريكا وفي فلسطين

      ابادة تامة للهنود الحمر في امريكا والفلسطينين في فلسطين بكل معن الكلمة ارهاب والآن ارهاب الحرق في الاقفاص والذبح والتمثيل لكل من يختلف فقط بالرأي ، اذا الارهاب = امريكا و الصهاينة ومن تبعها في افغانستان اولا وفي العراق وليبيا وسوريا حاليا ، والحبل على الجرار .

    • زائر 2 | 11:47 م

      عبد علي البصري

      كبر مدارس عددا في العالم هي تلك التي تمتد على طول الحدود الباكستانيه الافغانيه , من أسسها؟؟ ومن مولها ؟؟ وماهي نتيجه وجودها ؟؟ على مر تاريخ باكستان وأفغانستان ؟؟ وأغرب من ذلك نرى رئيس أكبر جمهوريه في العالم الاسلامي تركيا يذهب لافغانستان لحشر هذه الوحوش رأيس دوله !! ألتدريبات مستمره .

    • زائر 1 | 11:14 م

      التطرّف و الاٍرهاب

      لم نعرف التطرّف و الاٍرهاب في العالم العربي الا بعد العام تسعة و سبعين

    • زائر 5 زائر 1 | 4:53 ص

      حرة

      رحم الله السيد الإمام الخميني الذي اوقد شعلة الثورة والتي لن تنكسر ....

اقرأ ايضاً