العدد 4554 - الثلثاء 24 فبراير 2015م الموافق 05 جمادى الأولى 1436هـ

الفوضى في اليمن... في انتظار الحكمة اليمانية

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

تعلمنا دروس التاريخ، أن الضحايا يتعلمون أحياناً أسوأ ما لدى جلاديهم ومضطهديهم. وهذا هو حال الحوثيين في اليمن اليوم.

لاشك أن الحوثيين كتيار مذهبي زيدي، تعرّضوا للاضطهاد منذ استيلاء العسكر على ثورة 26 سبتمبر/ ايلول اليمنية في 1968، كسائر التيارات والقوى السياسية، وخصوصاً في عهد الدكتاتور علي عبدالله صالح الذي حكم اليمن إثر انقلابه مع الغشمي على الرئيس الحمدي في 1978 حتى خلعه إثر الثورة الشعبية التي انطلقت في 17 يناير/ كانون الثاني 2011 بعد أن أغرق البلاد في الفوضى، بعد تسوية رعاها مجلس التعاون الخليجي.

استفاد الحوثيون من التعاطف الشعبي معهم، وتخلخل أجهزة الدولة في ظل تصارع القوى السياسية، فتحالفوا مع عدوهم السابق علي صالح الذي لم يزل له شبكة علاقات مع المؤسسة العسكرية والأمنية، فدخلوا في صراع مع العدو المشترك: بيت الأحمر زعماء قبيلة حاشد، واستطاعوا هزيمتهم وتشتيتهم، وفي الطريق استولوا على معسكرات وأسلحة الجيش، حتى وصلوا صنعاء في 21 سبتمبر 2014 لتبدأ عملية الاستيلاء على العاصمة والدولة، وفرض أجندتهم على قيادة الدولة ممثلة بالرئيس عبدربه منصور هادي ورئيس الوزراء خالد بحاح، وضرب خصمهم الثاني حزب الإصلاح، وتخويف باقي القوى السياسية، والهدف الاستيلاء على الحكم، وإعادة الحكم السلالي في عائلة الحوثي الهاشمية، في ارتداد كامل على ثورة سبتمبر 1962 والتي أطاحت بالحكم الإمامي السلالي.

هنا لم يتعلم الحوثيون وأنصارهم بزعامة الملك غير المتوج عبدالملك بدرالدين الحوثي في صعدة في أقصى الشمال اليمني، دروس التاريخ، وأن على الضحية ألا تعيد إنتاج الجلاد. الحوثيون تيار مذهبي في الزيدية يؤمنون بأن الخلافة أو الحكم في ذرية بني هاشم من البطنين، أي الحسن والحسين (ع)، وقد تفيد هذه الدعوة في كسب أنصار من أتباع المذهب الزيدي، لكنها لا يمكن أن تقنع لا أتباع الزيدية بمعظمهم، عدا عن أتباع المذهب الشافعي وهم أغلبية، وبالطبع غالبية التيارات والتنظيمات السياسية التي تؤمن بالجمهورية والدولة المدنية، وليس الدولة السلالية.

تملك الغرور الحوثيين وهم يحققون الانتصارات على خصمهم بيت الأحمر، ويستولون على المعسكرات والأسلحة بتواطؤ مع أتباع علي صالح في المؤسسة العسكرية والأمنية، وإذا هم يثبون إلى صنعاء، فارضين سيطرتهم بالقوة، ويتمددون منها جنوباً إلى سائر المحافظات والمدن اليمنية. ورغم توصلهم لاتفاق السلم والشراكة مع الرئيس عبدربه، وإدخالهم في دائرة صنع القرار في الرئاسة، ولجنة مخرجات الحوار، إلا أنهم واصلوا قضمهم لأجهزة الدولة، وإزاحة من يقف في طريقهم في مؤسساتها وفرض أنصارهم فيها، وانتهى الأمر باستقالة الرئيس هادي في 22 يناير 2014 بعد استقالة حكومة التكنوقراط الانتقالية برئاسة خالد بحاح.

وهكذا دخلت البلاد في أزمة فراغ الحكم، وحاولوا سد الفراغ، بناء على ما يدعى بالبيان الدستوري، وهو ليس من الدستور في شيء، بتشكيل لجنة أمنية تحت قيادتهم، بانتظار تشكيل مجلس رئاسة يسيطرون عليه أيضاً، والدخول في مساومات مع القوى السياسية تحت الاكراه، والخوف من التصفية، لكنهم فوجئوا بتحرك الشارع ضدهم في غالبية المدن بما في ذلك صنعاء، التي سيطروا عليها. وهنا كشفوا القناع عن طبيعتهم فقابلوا الاحتجاجات السلمية بالقمع، وسقط عدد من الشهداء والمصابين، وعمدوا إلى اعتقال النشطاء، لكن الأنكى هو وضع الرئيس ورئيس الوزراء وعدد من الوزراء في الاعتقال الفعلي. فكيف لمن يريد أن يقيم حكماً توافقياً، أن يضع قيادة البلد الشرعية في المعتقل؟

وهنا ارتكبوا ثلاثة أخطاء جسيمة، الأول هو أن هذا الفعل مناف للدستور وللأعراف اليمنية وغير اليمنية، ولم تحدث في التاريخ اليمني حتى في ظل أعتى الصراعات. والخطأ الثاني أنهم دخلوا في صراع مع دول مجلس التعاون، صاحبة المبادرة الخليجية على علاتها، والمصدر الرئيسي لدعم العملية السياسية. وثالثاً أنهم دخلوا في صدام مع الأمم المتحدة، والدول الغربية الكبرى، الوسيط في الأزمة الدولية، والراعي للمصالحة والحوار الوطني والعملية السياسية الانتقالية، ممثلة في جمال بن عمر، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، الذي حذر العالم من أن «اليمن ينزلق للفوضى أمام أعيننا». وخاطب العالم ليتحرك فوراً، وصدر قرار عن مجلس الأمن يدعو للتمسك بالشرعية واستئناف العملية السياسية. وعلى الرغم من انشغال دول المنطقة والدول الكبرى بأزمة أكبر وهي «داعش» وأخواتها، إلا أن ردود الفعل وطنياً وإقليمياً ودولياً، بدأت تتبلور بشكل متسارع، لتحبط المشروع الحوثي.

على الصعيد اليمني، توالى رفض القوى السياسية للمخطط الحوثي، وفرض الأمر الواقع بالإكراه والقوة، والاستيلاء على الدولة، بمن فيهم حليفهم علي صالح وحزبه المؤتمر الشعبي. وتصاعد رفض الجماهير لسيطرة الحوثي في مظاهرات واحتجاجات في كبرى المدن. وبالنسبة للجنوب اليمني، فقد بدأت تشكيلات شعبية وقبلية مسلحة تستعد للتصدي للحوثي عسكرياً كما في شبوة، أو استيلاء اللجان الشعبية للحراك الجنوبي على معسكرات وأجهزة الدولة لقطع الطريق على استيلاء الحوثيين وحلفائهم عليها.

على صعيد مجلس التعاون، حسم المجلس أمره برفض ما أطلق عليه «الانقلاب الحوثي»، وتمسّك بشرعية الرئيس هادي، ومخرجات الحوار والعملية السياسية، واتخذ إجراءات عقابية أخرى، منها إغلاق السفارات في صنعاء وقطع العلاقات السياسية مع الحوثيين وترتيباتهم للدولة اليمنية.

وبالنسبة للدول الغربية الكبرى، فقد أدانت أيضاً استيلاء الحوثيين على السلطة والدولة، وتمسكت بشرعية الرئيس هادي والعملية السياسية، وأغلقت سفاراتها في صنعاء، واتخذت إجراءات أخرى. ورغم وضوح الرفض اليمني الشعبي والخليجي والدولي، إلا أن الحوثيين وزعيمهم عبدالملك الحوثي كابروا، وقللوا من أهمية كل ذلك مراهنين على الوقت واستسلام القوى السياسية اليمنية، للوصول إلى حكم واجهة باسم الشراكة، يديرونه من خلف الستار ويمسك زعيمهم من صعدة بخيوط الحكم. وهنا حدث ما لم يكن في الحسبان، وهو إفلات الرئيس هادي من قبضتهم والوصول إلى عدن، وإعلانه بأنه الرئيس الشرعي، واعتباره كل ما تم من ترتيبات وتعيينات منذ 21 سبتمبر 2014 بأنه باطل، داعياً القوى السياسية لمراجعة الحوار إما في عدن أو تعز، حتى تستعاد صنعاء. وذلك يمثل انعطافة في الصراع اليمني، والذي أضحى أيضاً صراعاً إقليمياً ودولياً.

في هذا الصراع، يقتصر دعم الحوثيين على إيران، التي لن تضحي بالتسوية الاستراتيجية مع الغرب في سبيلهم، إضافة إلى الصين وروسيا، وهما أيضاً لن يدخلا في صراع مع الغرب بسبب الحوثيين. بالطبع فإن غرور القوة لن يجعل الحوثيين أن يُعمِلوا العقل والمنطق ويغلبوا المصلحة الوطنية على مصالحهم الضيقة، ولذا أتوقع أن يصعّد ذلك من المواجهات العسكرية والصراع السياسي على امتداد الساحة اليمنية والتي هي غابة من السلاح والمقاتلين. وبالطبع ستنتهز «القاعدة» و»داعش» هذه الفرصة السانحة من الفوضى لتوطيد سلطتها كما تبين في استيلاء «القاعدة» على عدد من المعسكرات.

كما لا يستبعد أن تأخذ النشوة والحمية الحراك الجنوبي، وقد تعرضت كرامة الجنوب للمهانة فيما جرى للرئيس ورئيس الوزراء الجنوبيين، ليرفضوا ليس حكم الحوثيين فقط بل حكم صنعاء، ويندفعوا لإعادة دولة الجنوب مرة أخرى، وقد توافر لهم الزعيم والرئيس وهو الرئيس هادي.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4554 - الثلثاء 24 فبراير 2015م الموافق 05 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 10:49 ص

      ويش الفرق ؟

      ايش الفرق بين علي عبداللة صالح وبين عبد ربة منصور هادي ؟؟؟
      هادي كان نائب علي عبداللة لاكثر من 17 سنه ؟؟؟
      سالم اخو سليم

    • زائر 11 | 7:27 ص

      زائر 4

      خلها مستوره يعني منو اللي قراره في ايده انته بس قول كلمه شيعي يصير اعصار يصير استنفار وكان الشيعه ليسوا بشر سنو مشكلتكم مع الشيعه وليش الشيعه الحوثيون لا يجب ان يحكموا مو اللي حكموا اليمن وغيرها ليسوا شيعه والنتيجه شنو بحبوبه من العيش مثلا ياخي ادعوا ان يحكم اليمن اي مخلص كفاءه
      لا ان يكون سنيا حتى لو كان فاشلا شويه عقل حكمتونا منذ وفاة الرسول والى الان والنتيجه ماذا صفر وتحته خط

    • زائر 9 | 2:50 ص

      ............. م...... تكمله

      وكان الحراك السياسي وجميع الاحزاب السياسيه اقناع منصور بالعدول عن الاستقاله الا انه رفض . أيها الكاتب انت مسؤول عن كل ما تكتب . ألزمن يتغير الانسان يتغير بس الحوثيين لا يتغيرون ؟؟؟ أحب ان اقول لك شيئ (( إن رايه اليماني أهدى من رايه الخراساني )) وسأذكرك أكثر أعلم راجعه للتاريخ ولن يعيد هذه المره التاريخ نفسه مره اخرى . ناموا ولا تستيقضوا ما فاز الا النوموا .

    • زائر 8 | 2:45 ص

      .....ي

      لا اريد أن اناقش إلا في قضيه واحده ألا وهي أن الحوثيين يريدون الحكم وراثي هاشمي ؟؟!! ((أنته بتهزر ولا ايه)) اساسا ومن الواضح أن الحوثيين أرجعوا مؤسسات الدوله الى دائره العداله و قللوا من الفساد الاداري وساد الامن في اليمن , حاربوا كل التيارات التكفيريه والارهابيه , وحاربوا الفساد ودخلوا صنعاء ولم يفسدوا ولم ينهبوا ولم يقتلوا بالهويه (( يا سعت البيه )) ولم يصقطوا النظام و إنما عبد ربه منصور هو الذي استقال وحاول الحوثيون مع باقي العشائر المعارضه للحوثيين ... تكمله

    • زائر 7 | 2:30 ص

      لماذا حضر ممثل الامم التحدة معترفا بحكم الشعب الذي يتزعمه الحوثيين.

      هادي منصور وقع بحضور ممثل كي مون وممثلين دول الخليج واعترف الجميع بسلطة الشعب والثورة المليونية المتواجدة في الشوارع الى الآن ، لان الامريكان والاوربين سحبوا سفراءهم وانقلبوا على الشرعية واللجان الشعبية ، الآن غيروا رأيهم لان مصالح الامريكان جرت بما لاتشتهي السفن ، ما هذا الي يصير في العالم ، لو دخلوا جحر ضب دخلوا معهم ، اين الفكر والاستقلال ،الى متى تصبح الشعوب وثرولتها لعبة في ايدي الاستعمارييبن واتباعهم ؟؟؟ مجرد رأي لا يفسد في الود قضيه.....

    • زائر 6 | 1:34 ص

      زائر 2

      المعتوه علي صالح دار البلد ل 30 سنه يعني في البلاد العربيه هل مهم الكفاءه والعقل ام الجنون اعتقد الجنون لان من بعد وفاة الرسول والى الان لم تقم للعرب دوله تحترم الانسان العربي فعاشت الشعولب العربيه تحت نير الديكتاتوريه والقمع
      وكلما جاءت امه لعنت اختها

    • زائر 5 | 1:12 ص

      عبد الملك الحوثي استغل المذهب للوصول إلى الحكم 0910

      خاض 6 حروب مع الجيش اليمني وتسبب في آلاف القتلى والمعاقين والحين استغل ضعف الدولة بعد الثورة وتحالف مع الدكتاتور صالح ضد الشعب اليمني ولا يهمه زراعة الفتنة الطائفية بين أبناء اليمن الأهم السلطة ومزيد من غسل أدمغة أتباعه بالمذهب الزيدي

    • زائر 4 | 1:02 ص

      القرار

      مشكلة الحوثيين هي ان قرارهم ليس بيدهم

    • زائر 2 | 11:35 م

      الأرض

      الحوثيون مايعرفون يديرون كفتيريا فمابالك باليمن لأن الله سبحانه يرث أرضه لعباده الموحدين الذين لإشركون في حكمه أحد

    • زائر 1 | 11:34 م

      شرعية مرسي وهادي

      مرسي أتا بالإنتخاب هادي أتا بالتفاهمات السيسي والحوثي إنقلابيين ليش السيسي صح والحوثي غلط يامريكا ويادول الخليج حلال على السيسي حرام على الحوثي .

اقرأ ايضاً