العدد 4555 - الأربعاء 25 فبراير 2015م الموافق 06 جمادى الأولى 1436هـ

بحثاً عن العدالة الضائعة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في مناسبة اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية (22 فبراير/ شباط)، أصدرت بعض الجمعيات السياسية بيانات عن أوضاع العدالة الاجتماعية وشواهدها في البحرين.

في هذا السياق، استضافت جمعية «المنبر الديمقراطي التقدمي» الأحد الماضي ندوةً شارك فيها كل من نائب رئيس جمعية الاجتماعيين سابقاً هدى المحمود، والاقتصادي أكبر جعفري.

حين تدخل الجمعية يستقبلك كوادر وأعضاء هذه الجمعية الوطنية العريقة، تزين بهو الجمعية لوحةٌ تضم ستة من مناضليها الراحلين، ثلاثة منهم شهداء، أشهرهم الشاعر الشاب سعيد العويناتي (1950-1976)، الذي قضى في السجن بعد أيامٍ من اعتقاله.

قضية «العدالة الاجتماعية» الغائبة أُشبِعت بحثاً في الساحة السياسية البحرينية، ولكن الندوة اتخذت مساراً غير تقليدي. فالمحمود خرجت من الإطار المحلي إلى مناقشة القضية في إطارها الأوسع، خليجياً وعربياً، أما جعفري فغلب على طرحه الطابع الفكري الفلسفي. وقدّم لهما عريف الحفل فاضل الحليبي بكلمةٍ مكثفةٍ لماركس يقول فيها «إن غياب العدالة الاجتماعية تعني الاستغلال الطبقي».

الباحثة الاجتماعية المحمود بدأت حديثها عن «العدالة المستحيلة» حين قرنتها بالغول والعنقاء والخل الوفي، فهي أقرب للمثل والقيم الجميلة، بينما، لا يصل إليها الإنسان على أرض الواقع بسبب نوازع الطمع والجشع التي تتحكم فيه، كما أن كل ما تطرحه الأمم المتحدة ومنظماتها ليس له صفة إلزامية للدول.

خطورة اختلال ميزان العدالة - كما تقول المحمود - أن ذلك يؤدي إلى اختلال السلم الاجتماعي وانتشار الإرهاب، كما يحدث في العالم العربي اليوم مع «داعش»، وهو ما يفسّر أيضاً التحاق أشخاص من أوروبا وأستراليا والدول الإسكندنافية بها.

من ناحية الأرقام، هناك خُمس سكان العالم يعيشون تحت خط الفقر (دولار واحد في اليوم)، وفي منطقتنا الخليج اعتُمد 17 دولاراً لخط الفقر لغناها. وفي الوقت الذي أنفق الوطن العربي 2 مليار دولار احتفالاً برأس السنة، يواجه مئات الألوف من اللاجئين السوريين والفلسطينيين الموت جوعاً. وبينما يعاني 890 مليون نسمة في العالم من سوء التغذية المقاربة للموت، هناك أكثر من مليار شخص يعانون من السمنة، وكما قال أحدهم: «الفقير يركض ليحصل على ما يأكله، والغني يركض ليحرق ما يأكله».

في العالم العربي أعلى معدلات البطالة في العالم، بسبب النمو السكاني ونمو الطلب على فرص العمل، بما يفوق قدرة الاقتصاد على توليد هذه الفرص. أما في الخليج فهناك 50 مليون نسمة حالياً، وفي أكبر الدول الخليجية يعيش ربع السكان على تخوم حد الفقر: 17 دولاراً يومياً، ويقدّر هؤلاء ما بين 2 - 4 ملايين مواطن. أما في الإمارات فهناك 15 في المئة من السكان فقراء، بينما الإحصاءات الرسمية تقول بأن النسبة صفر. أما في الكويت فثلاثة أرباع الكويتيين يعيشون على الديون، وهناك 40 ألف كويتي عليهم أوامر بالقبض. أما في البحرين فهناك 11 ألف أسرة تتلقى مساعدات من وزارة التنمية الاجتماعية، فيما تبلغ نسبة البطالة 7 في المئة، وربما هي ضعف ذلك. هذا بينما يبلغ مجموع إيرادات دول الخليج من النفط والغاز 1.5 تريليون، دون وجود صناعة حقيقية تدعم الاقتصاد وتنمّيه.

جعفري بدأ حديثه بالقول إن واقع العدالة الاجتماعية أسوأ بكثير من اللوحة التي رسمتها المحمود بالأرقام، وفي تفسير غريب أرجع ذلك إلى الزرادشتية، «لأنها هي التي مهّدت لمجتمع الطبقات». ولنا أن نتحفظ على هذا الرأي لأن الطبقية كانت موجودةً قبل وبعد زرادشت، ووُجدت في الصين والهند، كما وُجدت أيام الجاهلية وبقيت كذلك بعد الإسلام رغم المحاولات الحثيثة لاجتثاثها أو التخفيف من آثارها في منتصف القرن الهجري الأول.

جعفري يرى أن الطبقية توجّه سلوك الناس من الداخل، حين يعطي الإنسان نفسه حقاً خاصاً، فيعلو عليهم ويفرض ما يريد. وأشار إلى أنه في العام 1900، كان حجم الإنتاج العالمي تريليون دولار، أما الآن فتجاوز 80 تريليون، ومع ذلك هناك ملايين يعانون من الجوع، وآخرون يعيشون تحت خط الفقر. وأضاف أن الفرق بين الدخل الأعلى والأدنى في اليابان مثلاً يبلغ 5 مرات، بينما يبلغ في دول مثل بريطانيا والولايات المتحدة 17 ضعفاً، ونحن في دول الخليج ضمن هذا الصنف الجشع من الاقتصاد كما قال جعفري.

إن تاريخ البشرية لم يكن مجرد رحلة بحثٍ عن الرغيف، ولكنه تاريخ البحث عن العدالة المفقودة. والعدالة هي أشواق البشرية الدائمة لتعيش غداً أفضل، بعيداً عن الظلم والتمييز ولغة الغلَبَة والاستئثار.

الأنبياء أرسلتهم السماء ليقيموا العدل والميزان في الأرض، فاصطدموا بمن يملك السلطة والمال. كل تلك الرحلة الشاقة والجهاد العريض أوجزه الإمام علي (ع) في فلسفته عن التاريخ بقوله: «من ملَكَ استأثر»... ولله عاقبة الأمور.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4555 - الأربعاء 25 فبراير 2015م الموافق 06 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 4:50 ص

      كلما

      كلما ابتعدوا الظلام عن شرع الله ازداد سوء احوال الناس انهم لايخافون الله ومستمرين لظلمهم للناس وهم يعرفون عاقبتهم النار لاكن الشيطان استوحد على قلووبهم ويرون الذى يفعلوونهو لظلم الناس متعة المشتكى لله

    • زائر 7 | 3:21 ص

      ألعدالة عدالة السماء

      أرض العدالة المفقوده ... والأرغفة المسروقه

    • زائر 6 | 2:27 ص

      نحتاج إلى قرن او قرنين

      على ضوء ما يجري فإن العدالة الاجتماعية تحتاج إلى قرن كامل كي تتحقق في البحرين

    • زائر 5 | 2:20 ص

      العدالة لاتستقيم مع جمعيات مذهبية عنصرية 0955

      العدالة لا تأتي من جمعيات قائمة على الفرز الطائفي ومن ينادي بالعدالة يطبقها عمليا في أساس تكوينه وليس بالشعارات ومن يطالب بالإصلاح لا يلوث المجتمع بالطائفية وحدة المواطنين مقدمة على اى شئ وحدتنا في جمعيات مدنية هو الأساس الصحيح الذي نستطيع من خلاله نطلب العدالة والديمقراطية كباقي الشعوب المتحضرة

    • زائر 9 زائر 5 | 1:21 م

      اطلب العدالة من النظام

      هذه جمعيات تطالب بالعدالة وليس بتطبيق مذهب أو غيره كما قادك تفكيرك
      العدل والعدالة سنة حياة لا يرتضيها إلا الأسوياء وهم من يطالب بها، أما العبيد فلا يرون إلا العبودية للعبيد، و يرون كل مطالب بأنه مجرم!

    • زائر 4 | 2:16 ص

      فَمَا جَاعَ فَقِيرٌ إِلَّا بِمَا مُتِّعَ بِهِ غَنِيٌّ

      قَال أمير المؤمنين عليَ (عليه السلام): إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَرَضَ فِي أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ أَقْوَاتَ الْفُقَرَاءِ فَمَا جَاعَ فَقِيرٌ إِلَّا بِمَا مُتِّعَ بِهِ غَنِيٌّ وَاللَّهُ تَعَالَى سَائِلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ.

    • زائر 3 | 2:07 ص

      هذه هي العبرة والدرس

      إن تاريخ البشرية لم يكن مجرد رحلة بحثٍ عن الرغيف، ولكنه تاريخ البحث عن العدالة المفقودة. والعدالة هي أشواق البشرية الدائمة لتعيش غداً أفضل، بعيداً عن الظلم والتمييز ولغة الغلَبَة والاستئثار.

    • زائر 2 | 12:44 ص

      عدالة وفي البحرين ؟؟ لا لا ما اصدّق

      وين هالعدالة؟ انتوا شايفين شئ اسمه عدالة في البحرين؟
      يمكن احنا عميان ما نشوف اللي تشوفوه

    • زائر 1 | 10:39 م

      الواقع

      نعم نعيش الطبقية بصورة واضحة للعالم لم تعد الشهادة الجامعية سبيل للخروج من دائرة الفقر وظلت المحسوبيات سبيل لانتزاع رزقك وضياع سنوات من البحث والجوع و وسنوات عجاف اخرى في الانتظار

اقرأ ايضاً