العدد 4571 - الجمعة 13 مارس 2015م الموافق 22 جمادى الأولى 1436هـ

حماية الحقوق التأمينية للمواطن

عبدالله جناحي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

نظم الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين في أكتوبر/ تشرين الأول 2014، ورشة نوعية حول نظام التأمين الاجتماعي، قدّم فيها أوراق عمل تحمل وجهات نظر منظمة العمل الدولية والهيئة العامة للتأمين الاجتماعي في البحرين وآراء بعض الاقتصاديين.

ولأهمية هذه الآراء من أجل تطوير جهاز التأمينات الاجتماعية وتحسين أدائه، خصوصاً أن هذا الجهاز يتحمل مسئولية كبيرة للحفاظ على أموال العمال والموظفين والمتقاعدين وتحسين وتطوير الاستثمارات فيها وتنويعها، لذا فإن هذا المقال يركّز على أهم الأفكار التي طرحت في هذه الأوراق.

استعرض المدير التنفيذي لإدارة الشئون القانونية في الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي جمال الملا في ورقته، مضمون نظام التأمين الاجتماعي في القطاع الخاص والخاضعين لأحكام القانون والمستثنَين من تطبيق أحكام القانون، وفروع التأمين (الشيخوخة، العجز، الوفاء، أصحاب المهن الحرة والمشتغلون لحسابهم، إصابات العمل، التأمين ضد التعطل والعاملون في الخارج). كما استعرض مضمون وشروط النظام الموحد لمد الحماية التأمينية لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي الذي تم اعتماده في يناير/ كانون الثاني 2006، وصدر بشأنه القانون رقم 68 لسنة 2006، إضافةً لشرحه قانون التأمين ضد التعطل.

الفقر وإعادة توزيع الدخل

أما ورقة منظمة العمل فقد أشارت إلى مجموعة من المؤشرات الاجتماعية في البحرين، حيث اعتبرتها دولة لا تعاني من الفقر المدقع الذين يعيشون تحت دولار واحد في اليوم، ولكن هناك نسبة 12.2 % من السكان يعيشون دون 5 دولارات في اليوم الواحد، وقدّرت الورقة بأن 21.9 % من الأسر (27177) يكسبون دخلاً تحت خط الفقر النسبي.

وأكّدت الورقة على ضرورة إعادة توزيع الدخل، حيث يوجد توزيع غير متساوٍ للدخل بسبب أن 20 % من السكان الأغنياء يملكون 41.6 % من إجمالي الدخل المكتسب، وقدّرت معدل البطالة بنسبة 7.5 % للفترة من 2009 إلى 2013، حيث نصيب الشباب الذكور بين 15 ـ 24 عاماً من هذه النسبة في حدود 25.4 %، ونسبة العاطلات من الإناث الشابات بين 15 ـ 24 عاماً في حدود 32.3 %. وأشادت الورقة بوجود نظام تأمين ضد التعطل عن العمل كأول نظام في الشرق الأوسط والذي اعتمد في العام 2006، إلا أن الورقة كشفت عن الثغرات الموجودة في الضمان الاجتماعي في البحرين، كعدم التصديق على اتفاقيات منظمة العمل الدولية حول الضمان الاجتماعي، وخصوصاً الاتفاقية رقم (102)، ووجود عدد كبير من العمال غير المشمولين في نظام التأمين الاجتماعي كعمّال المنازل وبعض الفئات من الموظفين والعمال الزراعيين، والعمال الأجانب المؤقتين.

ورغم أن نظام التأمين الاجتماعي يقدّم منافع على المدى الطويل كالشيخوخة والعجز ومعاشات الورثة وإصابات العمل والتأمين ضد التعطل، ولكنه لا يقدم المنافع على المدى القصير، كالمنافع النقدية للأمومة أو المنافع النقدية للمرض. وقدّمت الورقة مجموعة من المقترحات الكفيلة بتطوير وتحسين نظام التأمين الاجتماعي.

ومن الجدير بالذكر قيام «الجمعية البحرينية للشفافية» بعقد حلقة حوارية حول التأمينات الاجتماعية في ديسمبر 2014، تحدّث فيها النائب السابق عبدالنبي سلمان، عضو لجنة التحقيق في التأمينات الاجتماعية لعام 2004، حيث تطرّق إلى التدخل الحكومي في تعيين مجلس إدارة هيئة التأمينات الاجتماعية والمدير التنفيذي، بينما يفترض أن تكون التأمينات الاجتماعية هيئةً مستقلةً، وذلك قبل قرار الدمج في العام 2008 بين هيئة التأمينات الاجتماعية وصندوق التقاعد. وأوضح سلمان ضعف نظام الرقابة الداخلية في الهيئة، من حيث عدم تعيين مدقّق داخلي للهيئة وعدم وجود سياسات وإجراءات متكاملة في مجال الاستثمار.

وحول العجز الاكتواري كشف سلمان أن الصندوق الحكومي قد دخل مرحلة العجز ابتداءً من العام 2013، أما القطاع الخاص فسوف يبدأ العجز في العام 2015، رغم أن الخبير الاكتواري قد توقّع في العام 2004 بأن صندوق التأمينات الاجتماعية سوف يتعرض لعجز اكتواري في العام 2022، وأن أحد أسباب التعجيل في العجز يعود للفساد المتغلغل في هذه المؤسسة، حيث التعيين في مناصب قيادية في هيئة التأمينات لا يملكون الخبرات والكفاءات المطلوبة. وكشف بعض أنواع الفساد مثل شراء حوالي (42) فيلا في أحد المشاريع، وعدم استلام الهيئة سوى (24) فيلا، وعدم استلام إيجارات هذه الفلل منذ بداية عمل المشروع. وكذلك تحويل قطعة أرض غالية الثمن لطريق الجسر وتعويض الهيئة بأرض أخرى في منطقة منخفضة السعر، إضافةً إلى قيام الهيئة بإلغاء بعض القروض والديون لصالح جهات متنفذة. وأشار سلمان إلى أن علاوة الغلاء التي تصرف للمواطنين تسحب من أموال هيئة التأمينات الاجتماعية، بينما هناك مخصّص لهذا المبلغ في ميزانية الدولة!

عضو الأمانة العامة للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين فلاح هاشم، كشف عن مجموعة من التجاوزات التي اعترض عليها ممثلو العمال في مجلس إدارة الهيئة، وذلك قبل إقصائهم من مجلس الإدارة في العام 2011، وهذه التجاوزات على النحو التالي:

- الاستثمار بمبلغ 20 مليون دولار في أحد البنوك، والذي وافق عليه المدير العام قبل انعقاد مجلس الإدارة في تشكيلته الجديدة.

- الشركة العربية للسكر والتي ساهمت فيها التأمينات الاجتماعية بما نسبته 14 % من رأس المال، أي بمبلغ 13 مليون دولار وبنسبة تصل إلى 14 % تقريباً، في حين أن نظام الاستثمار في الهيئة لا يسمح بأن تزيد نسبة المساهمة في أي مشروع عن 10 % من رأس المال، وكذا الحال في مساهمة التأمينات بمبلغ 100 مليون دولار، أي بنسبة 20 % في مشروع ممتلكات البالغ 500 مليون دولار.

- مشروع مركز القضيبية التجاري الذي ساهمت التأمينات بمبلغ 4 مليون و1750 ألف دينار، أي ما يساوي 30 % من رأس المال، وهي ثلاثة أضعاف النسبة المسموح بها حسب السياسات الاستثمارية.

إن الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي تعتبر من الهيئات الحساسة والمصيرية في البلاد، ولذلك من الأهمية والضرورة وضعها تحت الرقابة الصارمة والشفافية الواضحة، لذا يجب على ديوان الرقابة المالية أن يراقب ويدقّق دائرة الاستثمار في هذه الهيئة، وليس فقط مراجعته وتدقيقه على المصاريف الإدارية والمالية للهيئة. ويجب تنفيذ إجراءات واضحة في تنفيذ توصيات الديوان والتي لم يتم تنفيذها لغاية الآن، خصوصاً أن الأموال المتاحة للاستثمار في هذه الهيئة كما هي في نهاية العام 2012، بلغت 3 مليارات و169 مليون و963 ألف دينار، وهو مبلغ ضخم مقارنةً بحجم الاقتصاد البحريني، ولا يعقل أن يكون العائد من هذا المبلغ فقط 171 مليوناً و780 ألف دينار، أي بنسبة 5.4 %، وذلك في العام 2013، وهو عائدٌ لا يتناسب وفرص الاستثمار العالمية المتاحة والتي تصل فيها الإيرادات إلى 10 % على الأقل، وهذا ما أوضحه رئيس جمعية الشفافية الحالي شرف الموسوي في الحلقة الحوارية المتقدّم ذكرها. كما أشار إلى أن تكاليف الموظفين للعام 2013 بلغت 8.3 ملاينن دينار، وهذا ما اعتبره مرتفعاً مقارنةً بأداء التأمينات. رغم قناعتي أن الاستثمار في أموال الصناديق التقاعدية ليس الهدف منه الربح العالي، إذ تشترط الجمعية الدولية للضمان الاجتماعي ألا تكون الاستثمارات خطرة كالأسهم وغيرها، كما يجب أن تكون قابلة للتسييل بصورة سريعة، وبالتالي لا يمكن مقارنة عوائد استثمارات التقاعد بالاستثمارات الشخصية أو التجارية.

ومن التجاوزات الأخرى التي حدثت منذ أربع سنوات تقريباً، وبعد بدء الخطوات العملية لدمج الهيئة العامة لصندوق التقاعد والهيئة العامة للتأمينات، فقد تم منح الموظفين عروضاً للخروج على التقاعد المبكر، وكانت العروض سخيةً جداً. وكان ذلك بهدف تقليل حجم البطالة المقنعة في الهيئة وتخفيض النفقات، إلا أن الهيئة قامت بتوظيف جزء كبير ممن أحالتهم للتقاعد بعروض سخية وبنفس أجورهم السابقة تقريباً.

التأمينات ومصير الأجيال

إن مصير حاضر ومستقبل ثلاثة أرباع البحرينيين كعاملين وأفراد أسرهم مرتبط بهذه الهيئة، حيث بلغ المؤمن عليهم 141.600 مواطن منهم 54.192 في القطاع الحكومي و86.908 مواطنين في القطاع الخاص، إضافةً لأصحاب المعاشات التقاعدية البالغ عددهم 36.244 ألف مواطن، فضلاً عن نصيب المتوفين البالغ عددهم 15.720 مواطناً، ولذا فإن المطلوب تحويل نوعي في سياسات هذه الهيئة، وتحوّل أكثر نوعيةً في الرقابة والتدقيق فيها، خصوصاً بعد تحقيق الدمج الذي يفرض وجود مجلس إدارة يحقّق التوازن بين أطراف الإنتاج الثلاثة، بدل هيمنة الحكومة عليه، رغم أن الحكومة أنشأت شركة خاصة تدير استثمارات التقاعد بعد أن كان في الهيئتين إدارات للاستثمار قبل دمجها، إلا أن المطلوب أن تكون هذه الشركة تحت رقابة ديوان الرقابة المالية والإدارية، وأن تكون سياسات الاستثمار فيها نابعةً من قراراتها المستقلة البعيدة عن المصالح الذاتية، وضرورة تنفيذ باقي التوصيات التي خرجت من لجنة التحقيق التي شكّلها مجلس النواب العام 2004. ومنها تشكيل جهاز فعال لتحصيل ومتابعة أموال الهيئة من الشركات والأفراد، واسترجاع الأموال التي أخذتها الحكومة على سبيل الاقتراض مع فوائدها، والتفكير الجدي في دراسة شمول العمالة الأجنبية بالتأمينات لما سيكون لذلك من أثر على زيادة الملاءة المالية للهيئة وضبط ظاهرة العمالة السائبة (الفري فيزا) بحيث يتم دراسة هذه الفكرة من كل جوانبها وتأثيراتها على سوق العمل البحريني، وغيرها من المقترحات الكفيلة بصيانة وحماية حقوق الشعب التأمينية.

إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"

العدد 4571 - الجمعة 13 مارس 2015م الموافق 22 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً