العدد 4572 - السبت 14 مارس 2015م الموافق 23 جمادى الأولى 1436هـ

مساواة المرأة في التشريعات العربية

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

تبرز قضية مساواة المرأة بالرجل في الدساتير العربية كأهم القضايا الإشكالية التي عالجها تقرير «تنمية المرأة العربية»، الصادر هذا العام عن مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث «كوثر»، وبالشراكة مع مؤسسات إقليمية ودولية.

يتناول التقرير موضوع «المرأة العربية والتشريعات» بصفته أولوية الأولويات في المنطقة، ويختط لذلك منهجية تتجاوز نبش الإشكالية بصورة تقليدية عبر قوانين الأحوال الشخصية فقط، وإنما بالنظر للقوانين الأخرى المتعلقة بالشأن السياسي وحقوق المرأة الإنسانية، ولهذا الغرض استهدف أوجه المساواة في التشريعات وما تعاني منه من تمييز في حقوقها المدنية والسياسية والتعليم والتدريب، ووضعها وحقوقها داخل الأسرة والصحة والصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وحقها في العمل وحق التقاضي والوصول إلى العدالة باعتبارها أسساً وأركاناً للديمقراطية والحكم الرشيد.

اللافت في التقرير كونه حدّد وضع المرأة وحقوقها القانونية وتحليلها في تشريعات 20 دولة عربية من أصل 22، وحلل 300 قانون فيها، مستنداً إلى المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها تلك الدول والإجراءات التي اتخذتها لتفعيل التزاماتها، ما يعني أنه يوفر قاعدة معرفية محدثة تفتقدها المكتبة العربية ويمكن اعتمادها من المهتمين والباحثين وأصحاب القرار.

اختلاف فهم المساواة

تم التحقق في المراجعات الاستنتاجية من مسألة المساواة بين الجنسين على مستويين، يتمثلان في النظام القانوني الوطني من خلال تركيزه على الدساتير وتطبيقه لمبدأ المساواة وترجمته في الإرادة السياسية والتشريعية وفي حياة المواطنين والمواطنات؛ وفي المستوى الثاني من خلال مراجعة القانون الدولي وتقييم إرادة الدول العربية في المواءمة معه عند المصادقة على الاتفاقيات الدولية في ظل التحفظات التعجيزية عليها، فضلاً عن النظر في مدى وجود نظام وآليات مساءلة تمكن المواطنين والمواطنات من الوصول إلى مؤسسة العدالة وحصولهم على حق التقاضي.

من أبرز النتائج التي خلص إليها التقرير، أن الدساتير العربية أدمجت نصوصاً عديدة تبين المساواة بين الرجال والنساء بحكم –أو افتراض- أنهم جميعاً مواطنون في الدولة نفسها، يتمتعون بالحقوق ذاتها، ويتحملون الواجبات نفسها، ويخضعون للقواعد والتشريعات ذاتها. بيد أن هناك اختلافاً في فهم مبدأ المساواة والتعبير عنه في مواد الدساتير، بل وتفاوتاً حتى في الصياغة داخل الدستور الواحد، وهذا التفاوف يبرز من خلال أربعة تصنيفات.

أولها، مساواة خاضعة للشروط والتأويل بسبب ارتباط بعض النصوص بصياغات لها صلة بالشريعة الإسلامية ولم تظهر فيها المرأة بوضوح عبر اللغة المستعملة وإنما بما أكده النص، ومثالها «عدم التفرقة بين أفراد الشعب والمجتمع بالنسبة إلى حقوق الإنسان» كما في الدستور السعودي، أو «أن النساء شقائق الرجال، لهن من الحقوق وعليهن من الواجبات ما تكفله وتوجبه الشريعة» كما في الدستور اليمني.

الثاني، المساواة وعدم التمييز ولكن لا ذكر لعدم التمييز على أساس الجنس، كأن تأتي النصوص بصيغة «أن المواطنين أمام القانون سواء وهم سواسية في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص والكرامة الإنسانية ولا يجوز التمييز بينهم بسبب اللغة أو الأصل أو العرق أو الدين أو الانتماء السياسي»، ولكن دون «التنصيص على الجنس» باعتباره وجهاً من أوجه التمييز الممكنة أو المحظورة بين المواطنين. كذلك لم تفصل أوجه التمييز بين المواطنين مطلقاً، مثالها دستور لبنان، الأردن، الإمارات العربية المتحدة وليبيا.

الثالث، المساواة وعدم التمييز بما في ذلك على أساس الجنس، كنصوص أغلب الدول العربية مثل الكويت، موريتانيا، جيبوتي، عُمان، البحرين، فلسطين، قطر، والعراق، حيث تقر مساواة المواطنين والمواطنات أمام القانون دون تمييز على أساس الجنس - أي بين الرجل والمرأة- وقد وردت جميع تلك النصوص بالصياغة ذاتها تقريباً.

الرابع، التأكيد على مساواة رجل- امرأة مع التركيز على التمييز الإيجابي، في هذا النوع جاءت بعض النصوص الدستورية قريبة لنصوص النوع الثالث مع بعض التحسين في الصياغة، بذكر «أن المواطنين، رجالاً ونساء»، في تفصيل يؤكد الحرص على تفعيل المساواة بين الرجل والمرأة كما في دستور فلسطين، الجزائر، تونس، المغرب.

كذلك تتميز نصوص بعض الدساتير العربية بعنايتها بالمرأة بشكل واضح وتفصيلي في مواد خاصة، وبصورة قد لا تتوافر بالنسبة إلى أية فئة أخرى في المجتمع، وتختلف هذه النصوص في الصياغة وفي معانيها لصالح المرأة ومساواتها بالرجل، كما في السودان، الجزائر، المغرب، سورية، تونس ومصر.

دساتير لا تستجيب للنوع الاجتماعي

ينوه معدّو التقرير إلى التقدم الملاحظ الذي أحرزته البلدان العربية في تأمين وتحسين وضع المرأة القانوني والحقوقي عبر إصلاح القوانين من تعديلات للدستور، وصياغة سياسات تفعيل مبدأ المساواة، لكنهم بالمقابل يشيرون إلى وجود تناقضات في التشريعات وفجوة كبيرة بين الوارد في بعضها وقوانين أخرى غيرها، أو حال تطبيقها أو مع السياسات المختلفة التي تمت صياغتها بهدف إزالة التمييز وتفعيل المساواة مع الممارسات الفردية أو المؤسساتية. كما سجّلوا أيضاً أن الدساتير لا تنص بوضوح على «الجنس» كعنصر تمييز تماماً كما فعل المشرّع بالنسبة لعناصر عدم التمييز الأخرى مثل (العرق، الدين...)، ومنه وجدوا أن لغة معظم الدساتير العربية غير حساسة للنوع الاجتماعي ولا تستعمل عبارة المؤنث عند الإشارة للمواطنين.

من جهة أخرى يمثل التناقض والتضارب عند تطبيق النُظُم القانونية كالدستور والقوانين الوضعية والعرفية كمنظومة العادات والتقاليد والقوانين الدينية والشريعة والمذاهب المختلفة، حجر عثرةٍ أمام حقوق المرأة الإنسانية والقانونية، وذلك لأن أغلب البلدان العربية تجعل المدارس الفقهية الإطار التطبيقي للقانون مزدوجاً وخاضعاً للسياق والظروف وأحياناً للتأويل. وعليه وإن تم القبول بمبدأ القدرة التقديرية للقاضي في إصدار الحكم قانونياً، فلابد أن تكون قدرته حيادية وموضوعية لضمان العدالة وعدم التمييز، خصوصاً ذلك المتأسس على الجنس.

تجدر الإشارة إلى أن قانون الأسرة ومن الناحية العملية وبصورة مستترة، يتفوق على ما عداه من قوانين، ومنها الدستور في أغلب هذه البلدان، أما في بعضها الآخر فقد يتضمن الدستور نفسه مادةً تلغي مبدأ المساواة وعدم التمييز المنصوص عليهما في مادة أخرى من الوثيقة نفسها لإعطاء الأفضلية إلى نصوص ومقاييس أخرى تكرس التمييز بين الرجال والنساء، وبين النساء أنفسهن من طائفة إلى أخرى.

خلاصة الأمر، أن بين هذه المبادئ وتلك المواقف والواقع الذي تعيشه المرأة، تكمن تحديات كبيرة أمام المجتمعات العربية، قد شخّصها الباحثون ويستوجب النظر إليها بعمق، وهي تتعلق بتدني مستوى وعي المرأة بحقوقها القانونية والإنسانية، كما أن هناك إنجازات لتحقيق المساواة، لكن يعوزها التطبيق وتعرقلها تناقضات القوانين ومنها الدستور، والممارسات ونقص القدرات والخدمات، فضلاً عمّا يتهدّدها من غموض المستقبل بسبب الأوضاع السائدة.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4572 - السبت 14 مارس 2015م الموافق 23 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً