العدد 4578 - الجمعة 20 مارس 2015م الموافق 29 جمادى الأولى 1436هـ

طهران وخناق العقوبات

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مؤخراً، صرَّح وزير النفط الإيراني بيجن زنكنة خلال زيارته أحد المشاريع الصناعية بأن «إلغاء العقوبات (عن بلاده) سيؤدي إلى حدوث تطورات كبيرة»، ستستطيع إيران من خلالها «رفع إنتاجها وصادراتها من النفط بمقدار مليون برميل من النفط يومياً»! هذا يعني أن الإيرانيين يُنتجون فعلياً أقل من مليون برميل من النفط يومياً.

لكن، ربما الرقم يكون أقل من ذلك أيضاً. فطبقاً لتقرير منظمة أوبك الشهري فإن إيران هي «واحدة من الدول الثلاثة التي سجَّلت ارتفاعاً في إنتاجها للنفط» حيث بلغت الزيادة في الإنتاج «نحو 7600 برميل يومياً». لكن الخبر يشير إلى أن ذلك الارتفاع سيجعل إيران تُنتِج 778000 برميل في اليوم، وهو ما يعني أن إنتاجها هو أقل من مليون برميل في اليوم، بعدما وصل إنتاجها في سنوات سابقة إلى خمسة ملايين برميل من النفط يومياً.

وإذا ما علمنا ذلك فهذا يعني أن إيران تبيع بـ 38 مليون و900 ألف دولار في اليوم فقط. وهو ما يُشكل أزمة حقيقية لطهران. لأن النسبة السابقة في الإنتاج لو استمرت إيران في التكيف معها فإنها ستحقق ما يزيد عن الربع مليار دولار يومياً على أقل تقدير حتى ولو كان سعر البرميل متدنياً. هذا التراجع الكبير مردُّه بشكل أساسي منظومة العقوبات الأميركية القاسية المفروضة على إيران منذ ما يربو عن الأربعة أعوام.

فهذه العقوبات هي في جوهرها مُركَّبة ومتداخلة وذات جوانب متعددة. فهي تمنع طهران من التعامل المرن مع النظام المصرفي العالمي ونظام المدفوعات. وهو ما جعل صادراتها للهند وكوريا الجنوبية تنخفض بشكل لافت، حيث يعاني المشترون من صعوبات في طريقة الدفع، وكذلك الإيرانيون في طريقة تحصيل مبالغ مبيعاتهم من النفط الخام.

فطهران لا تشتكي من قِلَّةٍ في زبائنها بل في طريقة تزويدهم ومن ثم إنهاء العقود معهم بصورة قانونية، فهناك دول خليجية ودول في جنوب شرق آسيا وفي غرب آسيا وأوروبا وإفريقيا كذلك، تريد نفطاً أو غازاً من طهران. بل إن هناك عدداً من الدول التي تقدّمت لطهران منذ الآن (أملاً في رفع العقوبات عنها) لشراء الطاقة، وأعلن عنها وزير النفط الإيراني خلال زيارته لمنطقة عسلوية في الجنوب الإيراني.

كما أن طهران لا تعاني من مشكلة تصدير الغاز إلى وسط أوروبا عبر تركيا كما تفعل مع سويسرا والنمسا وغيرها من الدول. فحقل بارس الجنوبي وحده ومن خلال 45 نقطة فقط، يمكن أن يمنحها ست مليارات دولار سنوياً، لكن المشكلة تكمن في آلية التصدير. هذا الأمر لا يبدو أنه مريحٌ لطهران حتى ولو وصل اعتمادها على النفط إلى الـ 30 في المئة فقط.

في العام 2005 كان الإيرانيون قد طرحوا برنامجاً استثمارياً طموحاً يقضي بتوفير 70 مليار دولار كاستثمارات خلال عقد من الزمن. ولم يأتِ العام 2008 إلاَّ وقد وفَّرت طهران 10.76 مليارات دولار من الاستثمارات الأجنبية في مجال الطاقة، وهو ما يعني أنهم كانوا على المسار الصحيح، إلاَّ أن العقوبات التي توالت عليهم جعلتهم يقفون أمام الحائط.

بطبيعة الحال ليس الأمر متعلقاً بالعقوبات التي توالت منذ 2006 ولغاية 2008 (القرار 1696 و1737 و1747 و1803) بل بالقرارات التي أعقبت ذلك، حيث ضيَّقت الولايات المتحدة الخناق على طهران ومعها حلفاؤها في أوروبا الغربية. هذه العقوبات هي التي قصمت ظهر الاقتصاد الإيراني وجعلت التضخم يرتفع فيه فضلاً عن مشاكل التسويق.

فتلك العقوبات الأممية لم تمنع طهران من أن تُودِع سبعة مليارات دولار من عائداتها النفطية «في حساب احتياطي العملة الصعبة خلال الشهرين الأولين من السنة الإيرانية في ذلك الوقت (2008)، وهو ما كان يعني أن طهران ستُودِع زهاء الـ 42 مليار دولار «في احتياطي العملة الصعبة وحدها مع نهاية السنة» تلك. هذا الأمر أصبح من الخيال الآن، بسبب العقوبات. وأصبح أمام إيران تحدّي فك الخيوط من أرجلها كي تنتعش.

وربما كان ذلك أحد أهم الأسباب الرئيسة لدخول إيران في المفاوضات مع الدول الست (5+1)، وجعلها تقدم بعض التنازلات في برنامجها النووي، رغم نفي المسئولين الإيرانيين لذلك مراراً. وبشكل غير مباشر كان خطاب رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو في الكونغرس الأميركي هو حول هذا الأمر، وتحذيره إدارة أوباما من مخاطر رفع العقوبات عن إيران، لأن ذلك سيمنحها القدرة على فرض خيارات سياسية وأمنية واقتصادية جديدة.

لا يُعلَم حجم الفائدة الاقتصادية التي ستجنيها إيران من رفع العقوبات، لكن الجميع يعلم أنها وقبل سبعة أعوام، وعندما لم يكن هناك اتفاق دولي معها، كانت «تربح ملياراً و460 مليون دولار سنوياً كلما زاد سعر البرميل دولاراً واحداً»، فضلاً عن تحرّر في النظام التجاري.

لذلك، بشَّر الوزير الإيراني زنكنة بالفرص الكبيرة التي ستحصل عليها بلاده عندما تُرفَع العقوبات، وبالتحديد في مجال الطاقة. وهو أمرٌ تُعوِّل عليه طهران كثيراً في ظل تسارع المشاريع الإقليمية في مجال خطوط الغاز، آخر ما تم إنجازه بين تركيا وآذربيجان.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4578 - الجمعة 20 مارس 2015م الموافق 29 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 5:37 ص

      متابع

      أستاذ محمد . . . اليمن ينتظرك

    • زائر 5 | 5:30 ص

      متابع . . . ماذا لو افترضنا العكس ؟

      ماذا لو لم يحدث الإتفاق ؟ كيف سيؤثر ذلك على ايران اقتصاديا ؟ هل سينهار اقتصادها تدريجيا أم أنها ستتكيف ؟ لا ننسى أنها تستنزف في أربع جبهات . . . أعتقد يستحق مقالا . . . ما رأيكم ؟

    • زائر 4 | 4:06 ص

      احمدي نجاد ورط بلاده

      أحمدي نجاد يتحمل جزء كبير من الازمة الاقتصادية لايران

    • زائر 2 | 2:37 ص

      قريباً سيكونون القوة الاقتصادية الابرز في الاقليم

      لقد اسسوا لأنفسهم بنية صناعية و زراعية حقيقية ، و استطاعوا بناء مراكز بحث علمي منتجة ، فإذا ما رفعت العقوبات عنهم سيكونون في القمة ، أما نحن (كـ عرب ) مصيرنا مقلق و مخيف حيث لا صيناعة و لا زراعة و لا مراكز بحث علمي حقيقية و لا أي شيء بمعزل عن النفط.

اقرأ ايضاً