العدد 4582 - الثلثاء 24 مارس 2015م الموافق 03 جمادى الآخرة 1436هـ

فرنسا وتعثر الاتفاق النووي

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

صار المشهد أكثر غموضاً مع دخول مفاوضات النووي الإيراني حيّزها الأخير وتأرجح مسارها بين النجاح والفشل، حيث يقف المشهد حتى اللحظة عند نفي الإيرانيين والأميركيين وجود أية مسودة اتفاق خاضعة للتنقيح أو بانتظار الإفراج عنها، ما يعني أن لا اتفاق بعد ولا يحزنون.

في غرف المفاوضات وخارجها، مطالب إيران واضحة، وهي كذلك بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها الغرب، والأكثر وضوحاً منها موقف فرنسا الذي يصفه البعض بالمعرقل لإبرام أي اتفاق أو بتأجيله وإطالة أمد المفاوضات. بالطبع موقفهم ليس وليد فراغ، فثمة علاقات ومصالح اقتصادية واتفاقيات مبرمة بينها وبين أطراف على رأسها «إسرائيل». في هذا الشأن تنقل «وول ستريت جورنال» عن مسئولين أميركيين «أن ما تقوم به فرنسا هدفه السعي للحفاظ على علاقات قوية مع إسرائيل وبعض الدول العربية التي يقلقها ويضج مضاجعها أي اتفاق نووي إيراني أميركي». والمعلوم أن فرنسا وقّعت اتفاقيات شراء أسلحة مع بلدان خليجية خلال السنوات الأخيرة.

لعب على المكشوف

عرقلة الاتفاق وفق التقارير الصحافية، تعود إلى تباينات بين مجموعة الـ (5+1) لاسيما بين فرنسا والولايات المتحدة في كيفية التعاطي مع إيران، حتى قيل أن وزير الخارجية الفرنسي طلب من وفد بلاده في مفاوضات «لوزان» السويسرية مؤخراً «عدم تقديم أية تنازلات إضافية إلى طهران، بل ومطالبتها بتوضيح يتعلق بتطوير تصاميم لرؤوس حربية نووية في السنوات الأخيرة».

بدوره سفير فرنسا بواشنطن غرّد في «تويتر» قائلاً: «تحويل نهاية مارس/ آذار إلى مهلة نهاية مطلقة أمر خطير ويؤدي إلى نتائج عكسية، نحتاج إلى كل الوقت لإنجاز اتفاق معقد». بيد أن الأميركيين دعوا الفرنسيين إلى التركيز على البرنامج الحالي لإيران وليس العودة إلى الماضي.

لجهة الولايات المتحدة أيضاً وعلى رغم الخطاب الأوبامي الموجّه للشعب الإيراني بمناسبة عيد رأس السنة «النوروز»، وإقراره بتحقق تقدّم في المفاوضات التي وصلت لمرحلة حرجة وحساسة، إلا أنه لم يفته قبلها تذكير العالم بأن «التوصل إلى اتفاق أولي يعني أن تبرهن إيران للعالم بأنها لا تقوم بتطوير السلاح الذري، ولابد من التحقق من ذلك بشكل دقيق وباستمرار»، منوّهاً إلى «إن الإيرانيين لم يقوموا حتى الآن بالتنازلات الضرورية للتوصل إلى اتفاق نهائي، لكنهم تحرّكوا لذلك، ويبقى هناك احتمال لبلوغ الاتفاق».

أمّا مدير «سي آي أيه»، فأعرب عن ثقته بقدرة واشنطن على منع إيران من تطوير أسلحة نووية حتى لو انسحبت من المحادثات، وإن لديهم طرقاً عديدة لضمان أن لا تصبح قوة نووية، فالولايات المتحدة برأيه «ستتحرك كضامن لأمن المنطقة». رسالته هذه واضحة لطمأنة حلفائه المعارضين للاتفاق، لكن ماذا عن أوجه التباين الأميركي الفرنسي في سياق الموقف الإيراني؟

أبرز نقاط التباين المتداولة إعلامياً تتلخص في التالي:

أولاً: فرنسا تطالب بضمانات وتعهدات مكتوبة وواضحة تتعلق بسلمية برنامج إيران النووي، وهي لا تقبل بتزامن قرار أممي برفع العقوبات مع إبرام الاتفاق، وتصرّ على أن تكون وكالة الطاقة الدولية صاحبة القرار، وانتظار عامين بعد التوقيع كي تقرّر الوكالة مدى التزام إيران بتعهداتها قبل رفع العقوبات. فيما ترجح الولايات المتحدة تقسيم رفع العقوبات إلى قرارين دوليين، الأول يرحّب بإبرام الاتفاق، والثاني يرفع العقوبات دون تحديد موعدٍ له خلال مفاوضات مستمرة.

بالطبع إيران لا تقبل بهذا ولا ذاك، وتطالب برفع العقوبات أولاً، وإلغاء ستة قرارات دولية تشكّل لب المفاوضات بمجملها، لاسيما القرار 1929 الذي يقع تحت الفصل السابع ويمنعها من تصدير نفطها ويعطل اقتصادها.

ثانياً: يطرح الأميركان مدّة الاتفاق خمسة عشر عاماً، والفرنسيون عشرين عاماً، على أن توضع أنشطة إيران النووية تحت رقابة صارمة هي في حقيقتها أشبه بحصارٍ يطبّقه مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية حسب المدة التي سيتم الاتفاق عليها، بينما تسعى إيران إلى تقصيرها واختصارها إلى سبعة أعوام، وهي من الطبيعي لا تقبل بعمليات تفتيش أبدية شاملة.

تدوير أوراق اللعب

ارتكازاً إلى المعطيات السابقة، ماذا يعني الأمر؟

يعني تعثر المفاوضات وعرقلتها، ويعني تشديد الضغوط على إيران لتقديم تنازلات أكثر وفق الشروط الأميركية وحلفائها، ويعني إمكانية استخدام استمرار العقوبات الاقتصادية وعدم رفعها بالكامل كورقة ضغط تعزز الموقف الأميركي/ الغربي حتى بعد عقد الاتفاق الشامل، إضافةً إلى الاستفادة من تقطيع الوقت وإطالة أمد التفاوض لصالح الموقف الأميركي الغربي. كما يعني الاستمرار في ابتزاز إيران أطول فترة ممكنة وتعطيل تقدّم برنامجها النووي وإبقاءه تحت الرقابة الدولية ومنع تطوير أبحاثها النووية وصناعة طاقتها لأجيال. وبالمناسبة هذه نقطة خلافية بين الحلفاء، أما الإيرانيون فلم يبالوا وعبّروا عن سخطهم من ممارسات الفرنسيين وما يطرحونه واصفين إياهم بـ «مخربي الصفقات».

النظام الإيراني وعلى رأسه مرشد الثورة السيد علي الخامنئي، أعاد رسم الخطوط العريضة للاتفاق، وكرّر رفضه حيلة الرفع التدريجي للعقوبات، كما شدّد على «ضرورة رفعها الفوري بمجرد التوصل إلى اتفاق». وكان خطابه الأخير شديد اللهجة في ردّه على رسالة الرئيس أوباما النيروزية للشعب الإيراني وقادته، متّهماً إياه بتأليب الإيرانيين على الحكم الإسلامي، خصوصاً حين ذكر «أن في إيران من لا يريد حلاً دبلوماسياً للمسألة النووية»، ورد عليه بقوله: «هذا كذب، فلا يوجد أحدٌ يريد لهذه المفاوضات الفشل»، مصرّاً على عدم تطرق المفاوضات إلى المسائل الإقليمية، وإنّما هي تدور حول الملف النووي وحده لا غير، مؤكداً أن «أهداف الأميركيين في المنطقة تتعارض مع أهدافنا، فنحن نريد لشعوب المنطقة السيادة، وللمنطقة الأمن والاستقرار، أما هم فيريدون زعزعة الاستقرار».

خطاب أوباما الأخير وجده المحللون في سياق التلويح بالجزرة والعصا، للضغط على إيران كي تكون أمام خيارين، أما طريق العزلة الدولية والعقوبات الاقتصادية أو طريق الفرص والاستثمارات.

الخلاصة، لاشك أن إيران بحاجة ماسة للتوصل إلى اتفاق، وعناصر الاتفاق متوفرة حسب مسئول أميركي، لكن الأمر بحاجة لإرادة سياسية تحد منها مناقشات الضمانات والضمانات المضادة، ومزايدة رفع الأسعار في الساعات الأخيرة، وهذا أمر طبيعي في أي مفاوضات.

في الحقيقة أميركا لا تريد توقيع اتفاق نووي فقط، إنّما تدجين إيران بسياسة الاحتواء ووقف تمددها الإقليمي وتحييد خطرها على «إسرائيل»، حليفها الأول في المنطقة. والبديل عن الاتفاق، يعني العودة للخيار العسكري الذي ترغبه «إسرائيل» وتروّج له. البديل هو حرب وحشية طاحنة أشد رعباً في المنطقة بين خصوم غير متكافئين في القوى العسكرية، ما يؤدي إلى استخدام أدوات أخرى لموازنة القوى، مثل الحرب بالوكالة وما شابه»، كما ذكر الصحافي خبير الملف الإيراني النووي دوغلاس فرانتز، مساعد وزير الخارجية الأميركي للشئون العامة.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4582 - الثلثاء 24 مارس 2015م الموافق 03 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً