العدد 4585 - الجمعة 27 مارس 2015م الموافق 06 جمادى الآخرة 1436هـ

صُنَّاع الدهشة... المُنبِّهات

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

بالتسمُّر أمام التلفاز، أو أمام شاشة في السينما، ثمَّة مفاتيح تقودنا إلى القيمة التي يريد الفيلم (العمل) إيصالها لنا. عشرات الأطقم، آلاف الأطنان من المعدَّات، وملايين من الدولارات تنفق، ومئات الساعات لإنجاز فيلم. لا يُمكن أن يكون كل أولئك وغيرهم ممن هم وراء صناعة الفيلم أغبياء بتلك الدرجة التي نخرج بها من الفيلم بأكوام من اللعنات على كاتب السيناريو والمنتج والممثلين والمخرج وبقية «الشلَّة».

المفاتيح والقيمة التي يتوخَّاها أي فيلم ذكي، ومن ورائه طاقم ذكي بالضرورة، لن تكون جاذبة وأخَّاذة ما لم تكن تحوي كميَّة من الإدهاش. وتلك هي زبدة القيمة.

في الدهشة حياة أخرى. أو بمعنى آخر، إعادة اكتشاف للحياة. على الأقل حياة كل واحد منا، ولذلك سحْره أيضاً. الأفلام التي تصنع الحياة، فيها كمية من الإدهاش بسعة وامتداد تلك الحياة؛ بمعنى: الذين لديهم القدرة على إدهاش العالم من حولهم في كل مرة، استوعبوا الحياة بما يكفي، وفهموها بما يكفي أيضاً. يمكنك أن تبعث الضجر لدى الناس. تلك مسألة غير مكلفة. لكن أن تفعل النقيض لذلك، فهو ما يستحق التأمل والبحث عنه، والحرص عليه.

نحتاج إلى العودة لكلام قديم صرَّح به رائد الأفلام الوثائقية الأميركي ألبرت مايزلز، في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» في العام 1994، يختصر جانباً من تلك الرؤية «إن صنع فيلم لا يبحث عن الجواب على سؤال. إنه محاولة للقبض على الحياة كما هي». ولن يتحقق القبض على الحياة من دون ذلك المكر الخلَّاق وغير العادي. أن تقول ما لم تقله الحياة. أن تبرز عملاً لم يصادفه كثيرون، أو لم يوضعوا في ظرف كي يكونوا جزءاً من صناعته.

الذين يصنعون الدهشة في العالم اليوم هم الأكثر ميْلاً إلى استعادة الروح الغائبة عنه. هم الأكثر حرصاً على استعادة الكائن الإنساني لإنسانيته التي إما تخلَّى عنها، أو تمَّت مصادرتها، أو لم يعِ أساساً قيمتها. مثل تلك الدهشة... مثل ذلك الإدهاش هو بمثابة المُنبِّه الذي يحتاجه سكَّان هذا الكوكب، اليوم وأكثر من أي وقت مضى.

وبالعودة إلى مايزلز، سنكتشف بقدر ما هو فوري في تعاطيه مع الأسئلة من حوله (بالمناسبة تجنَّب كثيراً الحوارات لأنها تبدأ بالأسئلة المُملَّة، وخصوصاً تلك التي تتعلَّق بأعماله، فهو يرى بأنه ليس من وظيفة الأفلام الإجابة على الأسئلة)، بقدر ما أن الذين من حوله وعوا لقيمته الفنية، وطاقته التي لا تكفُّ عن اكتشاف مكامن الإدهاش. المخرج العالمي مارتن سكورسيزي، وصف كاميرا مايزلز بأنها «وجودٌ فضولي؛ ولكنه أيضاً وجود المُحبِّ... وجود الأحاسيس، وقدرتها على ضبط الاهتزازات العاطفية الأكثر حساسية».

ذلك الضبط، هو في القدرة على السيطرة بعفوية على المفاتيح والقيمة التي وردت في بداية هذا المقال، وهو في التجدُّد الدائم لصانع الدهشة، والإتيان بالمُبْهر، وما يجعل أياً منا يكتشف غفلته وعجزه عن القبض على ما يفعله صُنَّاع الدهشة... صُنَّاع المنبِّهات؛ بل الانتباه!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4585 - الجمعة 27 مارس 2015م الموافق 06 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 3:23 ص

      انت مفكر ومبدع

      مقالاتك استاذ ابداع متواصل من كل النواحي ... الفكرة والسرد والمفردة والصياغة .. كاتب ومفكر وفيلسوف استاذ .

    • زائر 2 | 3:23 ص

      انت مفكر ومبدع

      مقالاتك استاذ ابداع متواصل من كل النواحي ... الفكرة والسرد والمفردة والصياغة .. كاتب ومفكر وفيلسوف استاذ .

    • زائر 1 | 1:37 ص

      صاج والله

      الدهشه والمحفزات تجعلنا ننثبر ساعات وحنا نطالع مقال حلو

اقرأ ايضاً