العدد 4600 - السبت 11 أبريل 2015م الموافق 21 جمادى الآخرة 1436هـ

القلق في زمن الحروب

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

في زمن الاقتتال والحروب ترتفع نسبة القلق عند الناس. وفي زمن الحروب تتعاظم حالة الخوف وتتسع مع اتساع التسابق على التسلح والبطش بالشعوب وقمعها من الأنظمة الشمولية. فعلى الرغم من كل مظاهر الحضارة والرخاء والقوة الاقتصادية والتقدم البشري، إلا إن حالة التردي والتفنن في التدمير والقتل وانتهاكات حقوق الإنسان والقهر وقمع الحريات والظلم والاضطهاد في اطّراد، أدى إلى انعدام توازن مجتمعاتنا العربية التي يسود علاقات أفرادها التصدّع والانهيار بسبب الإرهاب والانشطار الطائفي والمذهبي والتعصب وإثارة الضغائن والنعرات الإثنية الممزوجة بالذلّ واليأس.

إننا في فصل مظلم من فصول سقوط الأخلاق والقيم الإنسانية، إنه زمن الخطايا والجشع والفساد وتفسّخ الذات بما وصلت إليه في ارتكاب الموبقات. وقد اتسعت الفجوة في المجتمعات وغدت الهوة كبيرة بفعل استشراء ظواهر الفقر والبطالة والنفاق وانعدام الكرامة، فكل هذه وتلك تولد حتماً الغضب والأحقاد وتنشر النقمة، حيث لا تنفع أبداً معها البراغماتية، بل لا فاعلية لها وهي تبرر القتل والتدمير الذي نعيش ونشاهد فصوله يومياً على الفضائيات، وما تمارسه من قصف إعلامي يبث بدم بارد مشاهد الذبح وقتل الأطفال والشيوخ والنساء، والتمادي في العدوان على المنازل والملاجئ والمساجد والكنائس والمستشفيات.

إنه يثبت مما لاشك فيه، انحراف السلوك الأخلاقي وانحداره، ومدى انعكاس مستوياته على ما تتعرض إليه الشعوب من انعدام الأمان الاجتماعي والنفسي، وما يتولد من حالات التوتر العصبي والأمراض الجسدية المختلفة التي لا حصر لها من أوجاع في الرأس والقلب والخوف والقلق والاكتئاب وغيرها الكثير.

في هذا الشأن نظر الكثيرين من مختصّي علم النفس والاجتماع، وحللوا وكتبوا، ومنهم أستاذ التربية بجامعة القديس يوسف في ببروت، غسان يعقوب في كتابه «كيف تتغلّب على الخوف والقلق» (2005)، فقال «إنَّ جهازنا العصبيّ يتعرّض يومياً لكم هائل من الإنباءات والأخبار الصادمة عبر شاشات الفضائيات، التي تعرض باستمرار صور القتلى والدم والجثث والعنف بشكل صارخ يقزّز النفس ويهزّ الوجدان ويؤذي الدماغ. ليس بمقدور المرء أن يتحملّ هذه الضغوط الصادمة المتراكمة التي ترتدّ على مستوى الجسد والنفس معاً».

ويتساءل يعقوب: لماذا الحرب وأعمال العنف والقتل والإرهاب؟ ويجيب: «إنها هوس الغطرسة من جهة، وصدام النرجسيّات الثقافية، هما اللتان تقدّمان الجواب عن هذه التساؤلات. لقد أشعل هتلر أوروبا فدمرّ بلاده. مأساة التاريخ والشعوب هي في قادتها المرضى، هؤلاء القادة الذين يجرّون شعوبهم والعالم إلى الهاوية. إنّ الغطرسة (Arrogance) التي تركب رأس بعض القادة السياسيّين والعسكريّين، تدفع بهم إلى فرض الهيمنة على الآخرين بشتّى الوسائل. والغطرسة أخطر مرض عرفته البشريّة حتى الآن، إذ قد يجد الطبّ دواءً لكل داء إلاّ الغطرسة فأعيت من يداويها. فهل دماغ كلّ من هتلر وستالين وشارون وصدّام وبن لادن يعمل بشكل سليم؟ نحن نشكّ في ذلك»، يقول غسان يعقوب، ويضيف «إنَّ الدماغ الذي يعمل بشكل سوي يؤدّي إلى التوازن الفكريّ والنفسيّ والروحيّ، وعندما يحدث خللٌ ما في وظيفة الدماغ، فإنّ الانفعالات السلبيّة والأفكار الملتوية تسيطر على السلوك»، ويستطرد «إنَّ القيم في المجتمعات الحالية تدور حول الاستهلاك وشراء السلع المختلفة وكسب المال والإنتاج وثقافة المتعة والضياع والموت. إن الإنسان يتحوّل اليوم من الشخص الكلّيّ الحيّ إلى الشخص الميّت، فاقداً إحساسه العميق بالفرح وبقدسيّة الحياة، إنّه الفقر الإنساني الرهيب. إنّ الإنسان يعاني من الفراغ النفسيّ القاتل والشعور بالوحدة. وعليه أن يتكيّف مع ضغوط الواقع رغماً عنه، وأن يجد الحلّ بنفسه لمشكلاته المتعدّدة، لم لا وهو الذي يئنّ اليوم ويتألم ويصرخ، ولكن لا أحد يسمع صراخه».

في السياق يشرح المؤلف عن نزوة الحقد والإرهاب، فيشير إلى إنَّ أعمال العنف والقتل والحروب تمثّل انتصاراً لنزوة التدمير والموت، بينما أعمال الخير والسلام تجسّد انتصار الحياة. إنَّ الإنسان ينضوي تحت لواء الحزب والطائفة أو الجماعة المتطرّفة، فيشعر بالفخر والقوّة عندما يقتل ويدمّر ويحرق، ويرى أن أبطال الحرب العالمية الثانية، أمثال هتلر وستالين، كانوا مرضى نفسيّين تحرّكهم نزوة التدمير والقتل والموت (النكروفيليا)، وهذه النزوة تكون قائمةً في نفس الإنسان لكنّها تظهر بوضوح أكثر عند السيكوباتيّين والمنحرفين والمتعصبيّن والمرضى النفسيّين.

قسم من الأشخاص العاديّين يصبحون مجرمين بعد أن يتوحّدوا مع القائد المجرم أو المنحرف أو مع «الجماعة المتطرّفة». إنّه الحقد الضروري والكافي الذي يشكّل الدافع الأساسيَ للقتل والتدمير والإرهاب، وهو الذي يولد حالة من الهذيان الجماعيّ لارتكاب أعمال متطرفة تفوق التصور، كما يقول يعقوب.

خلاصة الأمر... هل نستسلم لهذا القلق المدمّر في الواقع المرير؟

بالتأكيد وبالضرورة لا، وأولى خطوات المقاومة لهذه الموجة العاتية من القلق، نبذ الاحتراب والعنف وصيانة النفس عنهما بإعلاء الحس الإنساني والوجداني في العقل الجمعي، وإدراك إن السلام الوهم الذي يجترونه بكثرة ويروّجونه، بات يتآكل يومياً بسبب الحروب والتهميش ونشر الفوضى وتلقين العداء وبث التطرف عبر التعليم والإعلام.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4600 - السبت 11 أبريل 2015م الموافق 21 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:43 ص

      الحرب التي تقوم الاعوجاج في الأمة لا تبعث القلق 1845

      عاصفة الحزم لا بد منها لؤد الفتنة وإرجاع الشرعية ووقف الاحلام المذهبية في المنطقة التي لم تكن نعرفها من قبل

اقرأ ايضاً