العدد 4601 - الأحد 12 أبريل 2015م الموافق 22 جمادى الآخرة 1436هـ

هل أخذت إيران العِنان وباعت الحصان؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هذا سؤال مركزي. هل أخذت إيران العِنان وباعت الحصان من ملفها النووي خلال توقيعها لاتفاق «الإطار» في لوزان بداية هذا الشهر؟ شخصياً، لست خبيراً نووياً لكنني أقرأ (كغيري) ما يقوله الخبراء فيه. اثنان وخمسون مقالاً ودراسة كتبتها عن هذا الملف منذ سبتمبر 2004 ولغاية اليوم، مكنتني (إلى حد ما) أن أعرف مساره وجزءًا من خباياه.

الحقيقة، أن ما جرى في لوزان يعطيني انطباعاً أن إيران هي التي أخذت الحصان، بينما الغرب أخذ العِنان. وهنا، لا يعني أن القيمة بينهما (الحصان والعِنان) مختلتان شكلاً ومضموناً كما نحن ننظر إليهما بل هما يتساويان في الأهمية في المسألة الإيرانية. فالغرب لم يكن يوماً يريد ذلك الحصان، بقدر ما كان يريد العِنان الذي يلجِم ذلك الحصان «النووي الإيراني» عن أن يشُبَّ شِباباً أمامه، أو يتنمّر عليه وعلى مصالحه في المنطقة والعالم.

إذاً، فهو فنياً نصرٌ مشطور بين الاثنين. فالجولات الـ 16 والشهور الـ 18 منذ أن دخل الأميركيون المفاوضات النووية لم تكن من أجل هزيمة أحد، بل من أجل اجتراح خط ثالث غير المواجهة والاستسلام كما كان يقول روحاني. أما ما يقوله المتشددون في إيران و»إسرائيل» والولايات المتحدة الأميركية فهو شيء آخر لا صلة له بهذه المعادلة.

دعونا نبحث في كل هذا جيداً وفقاً لما قرّره بيان لوزان. نبدأ بمفاعل أراك الذي يعمل بالماء الثقيل. فقد كان الغربيون يُصرُّون على إغلاقه في السابق، والإيرانيون يُصرُّون على بقائه. في لوزان توافق الطرفان على الإبقاء عليه، مع إعادة تركيبه بحيث لا ينتج البلوتونيوم للاستخدام العسكري، مع تطوير عمله واستمرار نشاطه كمفاعل يعمل بالماء الثقيل.

منشأة فردو التي كان الغربيون يؤكدون على أن أي اتفاق مع إيران يجب أن يتضمن إغلاقها، والإيرانيون يرفضون ذلك، أصبح الطرفان متفقين على الإبقاء عليها مع تحويلها إلى منشأة تكنوفيزيائية، مع وضع 1044 جهاز طرد مركزي فيها، باعتبارها ضمانة فنية لأمن مفاعل نطنز النووي، بمساعدة تقنية حديثة من الدول الغربية.

موقع نطنز الذي كان محل خلاف هو الآخر، بات بعد الاتفاق مجازاً في مسألة تخصيب اليورانيوم مع السماح لإيران بإجراء عمليات تخصيب لليورانيوم في نظامه. وهو ما يعني إجازة التخصيب لإيران «رسمياً»، وهو الأمر الذي كان أصل الخلاف بين إيران والغرب منذ العام 2002. وبذلك تكون لإيران القدرة على متابعة عمليات التطوير لأجهزة الطرد المركزي وإنتاج الوقود النووي لمحطاتها.

الأهم في الاتفاق هو خلوه من أي بند يُلزم إيران بإغلاق أيٍّ من مفاعلاتها النووية، والحفاظ على البنية التحتية لتلك المفاعلات، مع الإبقاء على 6104 جهاز طرد مركزي من أصل 19 ألفاً، على أن يعمل منها 5060 جهاز طرد مركزي. كذلك إبقاء استخدام البحوث والدراسات النووية المتطورة وإنتاج أجهزة آيزو توب لأغراض صناعية وطبية وزراعية.

هنا يجب أن نشير إلى أمر مهم جداً، وهو أن عدم تفكيك أي من مفاعلات إيران النووية، وإجازة تخصيب اليورانيوم لها، يعني أنها ستكون قادرة على إنتاج 190 ألف وحدة قياس لتغذية مفاعلات بوشهر وطهران وأراك بالوقود خلال الثماني سنوات القادمة، كحاجةٍ تقنيةٍ كانت قد أعلنت عنها قبل سنتين من الآن.

كذلك، فإن اتفاق لوزان لم يُجِز لإيران العمل بالجيل الثالث من أجهزة الطرد المركزي ذات القدرة العاشرة من وحدة القياس، لكنه أجاز لها العمل بسلسلتَيْ IR2M وIR4. والحقيقة تقول أن جهاز الطرد المركزي الواحد قادر على إنتاج 0.214 من اليورانيوم في أقل من عام، وهذا يعني أن 5060 جهاز طرد مركزي «نَشِط» أجازها اتفاق لوزان سيُمكِّن إيران من إنتاج ألف و820 كيلوغراماً من اليورانيوم.

وبالتالي فإن إيران حتى ولو تخلصت من 9700 كيلوغرام من اليورانيوم منخفض التخصيب كما قرّر الاتفاق، فإنها ستكون قادرةً على تعويضه في العشر سنوات القادمة بكمية تصل إلى 10 آلاف و820 كيلوغراماً، أي بزيادة ألف و120 كيلوغراماً. من هنا يظهر لنا المدى التوافقي الذي توصل إليه الطرفان وفق نظرية «الحصان والعِنان».

فلو تُرِكَت إيران من دون اتفاق فإنها ستكون قادرةً على إنتاج 42 ألف و800 كيلوغرام من اليورانيوم، وفي حال استخدامها للجيل الثالث من أجهزة الطرد المركزي، فإن الكمية ستكون مضاعفةً بشكل كبير، ما يقربها لصناعة قنابل ذرية بعد تخصيبها اليورانيوم بنسب عالية.

من هنا، فإن إيران والغرب، حصل كلّ طرفٍ من الطرف الآخر على ما يريد. فقد حصلت إيران على مشروع نووي غير مُفكّك ومستدام وبعمليات تخصيب محلية لليورانيوم معترف بها قانونياً، في حين حصل الغرب على مشروع نووي إيراني بكوابح، بحيث لا يسير باتجاه إنتاج سلاح نووي. هذا جوهر ما جرى في لوزان السويسرية.

نعم، منسوب التشاؤم الذي يبديه بعض المتشددين الإيرانيين وبالتحديد في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، وكذلك الخطاب «الرمادي» للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي هو متعلق بالخلاف حول مسألة رفع العقوبات المتصلة بالملف النووي، وهل أنها ستتم بصورة كاملة وفي يوم واحد أم على مراحل، والتي بدأت الإشكالية حولها من خلال القراءة الأخرى للأميركيين، وكذلك الموقف من عمليات التفتيش، وبالتالي فإن ذلك التشكيك ليس على التفاهمات «التقنية» للمشروع النووي الإيراني.

في المحصلة، أخذ الإيرانيون الحصان، وأخذ الغرب العِنان خلال اتفاق لوزان، فهل تصمد هذه القسمة حتى نهاية شهر يونيو/ حزيران... أم أن العِنان سيتمزق ليشِبّ الحصان ويتمرد؟

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4601 - الأحد 12 أبريل 2015م الموافق 22 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 18 | 2:35 ص

      متابع . . . العقوبات أولا ( 4 )

      لذلك أعتقد أنه من دون حل مسألة العقوبات بشكل يرضي إيران و جمهورها الداخلي في الدرجة الأولى ، أو على الأقل لا يسخطهم ، ربما تقشل المفاوضات رأسا .
      ما أعجبني هنا تصريح أوباما : (( ربما تكون هناك طرق لبناء اتفاق نهائي يرضي كبرياءهم ورؤيتهم وسياساتهم ولكن يفي بأهدافنا العملية الأساسية . . . )) .
      إرضاء كبرياء ايران يهم اوباما ، و ايران يهمها ارضاء شعبها وناخبيها ، إذن ستحل المسألة بإذن الله .
      و شكرا للكاتب مرة أخرى

    • زائر 20 زائر 18 | 3:29 ص

      السلام

      من منا لا يريد الامن والامان.. كم نتمنى ان يعم ويسود. السلام بين شعوب المنطقه .لمصلحة اجيالنا القادمه.بعيدا عن الطائفيه البغيضه. يا رب

    • زائر 17 | 2:21 ص

      متابع . . . العقوبات أولا ( 3 )

      نرى في العالم دولا ككندا غير نووية لكنها من الدول الصناعية الكبرى و تعيش رفاهية اقتصادية عالية ، و دول نووية ككوريا الشمالية و باكستان لكنها فاشلة اقتصاديا ، فليس النووي كل شيء ، و القيادة الايرانية تعي هذا جيدا ، و ربما هذا ما نستشمه من تصريح أوباما الأخير حول مطالبة السيد الخامنئي برفع جميع العقوبات : (( إنه ( أي خامنئي ) يخاطب جمهوره ، و إنه يشعر بقلق بشأن ناخبيه . ))
      فهذا يعني فهم السيد الخامنئي أن الجمهور يهتم كثيرا لقصة العقوبات ويقلق لها كثيرا .

    • زائر 16 | 2:10 ص

      متابع . . . العقوبات أولا ( 2 )

      لذلك أعتقد أن مسألة العقوبات وحلها قد تفوق لدى القيادة الايرانية ( و جمهورها و هو الأهم في المعادلة في دولة تحترم شعبها ) نعم قد تفوق مسألة النووي نفسه ، المليارات التي يضيفها النووي للاقتصاد الايراني حالا بها بعض مشاكل الطاقة و الأدوية و أمراض السرطان و تحلية المياه ، لا تقاس بخسارة 100 مليار دولار سنويا مع ما يعنيه ذلك من تفاقم شديد للبطالة و الفقر و غلاء الأسعار و .. و.. و.. ، هذا يرهق الشارع الايراني وغŒمسه مباشرة أكثر بكثير من عدم حسم النووي .

    • زائر 15 | 2:01 ص

      متابع . . . العقوبات أولا ( 1 )

      أعتقد أن ما كان يهم الجماهير الفرحة في ايران ( بل وحتى المسؤولين الكبار ) هو رفع العقوبات ( كاملة و دُفعة ) ، فهي التي جعلت ايران تخسر حوالى 100 مليار دولار سنويا ( خاصة عقوبات النفط و البنك المركزي في الأربع سنوات الأخيرة ) و هي التي جعلت الشارع الايراني يلهب إلى الحد الذي قال فيه ولايتي : نحتاج عملية جراحية (( عاجلة )) للاقتصاد . . . .
      الرفع التدريجي بامكان الغرب التلاعب فيه ليصل لعشرات السنوات واستمرار انهاك الاقتصاد الايراني المنهك أصلا والمستنزف بثلاث جبهات في العالم العربي

    • زائر 14 | 1:49 ص

      نحسدكم يا اخ محمد في الوسط

      فرق كبير حينما تكتب لتنور الناس وتحلل المواضيع لتضيف معلومة ، وبين أولئك الذين لم نقرأ لهم سوى السب والشتم والسب على الفاضي يشغلون مساحات بالحقد والضغينة ويضيعون على مريدهم وليس على من لا يتفق معهم فرصة ان يتعلموا ما يعينهم على فهم الأمور ، كما انهم اذا ارادوا ان يوثقوا ما كتبوا ويكتبون ماذا سيوثقون ؟؟ سبا وقذفا متراكبا ام ماذا ، حينما نقرأ يا اخ محمد تحليلا منطقيا حتى من المخالف لتوجهاتنا نشكره ونحترمه ولكن في الحالة الموجودة لدينا لا يوجد غير الأبيض والاسود عند البعض وليس لنا سوى الوسط وبس .

    • زائر 8 | 12:54 ص

      دول كثيرة تنعم بالطاقة الذرية لإنتاج الكهرباء 0745

      ولم يحدث تصادم بينها وبين المجتمع الدولي اليابان مثال صارخ وقدوة للجميع ماذا خسرت بالتزاماتها بالقانون الدولي بل تمتع شعبها من الطاقة في جميع النواحي الصناعي والمنزلية ولم تعرض شعبها للعقوبات على الفاضي نفس كوريا الشمالية استعراض عضلات لجيرانها وشعبها جائع ونظامها منبوذ من العالم

    • زائر 7 | 12:52 ص

      مع الستراوي

      بالفعل افضل مقال لصاحب العمود..الف شكر للمتفائلين والف خيبة للمتشائمين

    • زائر 5 | 12:22 ص

      مقارنة

      رجاء قارن بما توصلت اليها ايران مع ما حصل ل صدام. كذلك ما فعله القذافي بإرسال كافة معداته الي امريكا و انتهي تحت قصف طائراتهم. عندها نتمكن من فهم اتفاقية لوزان بصورة أفضل.

    • زائر 3 | 12:12 ص

      تمثيلية بايخه

      انها تمثيلية بايخه من اخراج الفاشل اوباما و باْذن الله الرئيس القادم و الكونغرس سيفشل هذه التمثيلية الغبية

    • زائر 4 زائر 3 | 12:20 ص

      العاشقون للحروب

      لأول مرة أرى بشر متعطشون للدماء فقط لأن دافعهم طائفي مذهبي شوفيني! وأخيرا أصبحت ونتنياهو في خندق واحد فهنيئاً لك

    • زائر 6 زائر 3 | 12:27 ص

      عادي

      تعليقك يدل علي اللاوعي في الفكر المنتشر في المنطقة. حيث لا يتمكن الفرد من إنجاز اي شيئ و ينتظر ان يأتي غيره و ينجز له عمله ، ابتداء من أعماله البيتية حتي انشاء مساكنه و المعدات التي يستعملها و مواد طعامه؛ بعد كل هذا الاتكال علي الغير يتباهي بنفسه و يعظم لا إنجازاته

    • زائر 12 زائر 3 | 1:21 ص

      زائر 3 شكرا نتنياهوا

      الفاشلون هم من يغارون من الناجحين .

    • زائر 2 | 11:27 م

      سترواي

      اليوم انا قرئة أفضل مقال انت كتبته طول أزمة الغرب مع ايران مقال متزن اشكرا على المقال اتمناء لك المزيد من المقالات القويه المفيدة الى الناس

    • زائر 1 | 9:53 م

      كم استطاعوا فرض إرادتهم سيكون لهم شان في رفع العقوبات

      الغرب كاذب ولا يحترم الا القوي وكما فصلت في مقالك كيفية القسمة في موضوع العنان والحصان وأقول سيتم رفع العقوبات مرة واحدة والا سيشب الحصان ويخرج عن الطوق والعنان ويمزقهم

اقرأ ايضاً