العدد 4603 - الثلثاء 14 أبريل 2015م الموافق 24 جمادى الآخرة 1436هـ

كوبا على درب التفاوض

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

التفاوض في علم السياسة موقف متحرك وسلوك يتم بلقاء أطراف محددة لعرض الآراء ووجهات النظر وتبادلها وتقريبها ومواءمتها وتكييفها لحل قضايا خلافية بغية الوصول إلى حلول مقبولة. ومن جهة أخرى، التفاوض يتم بالتفاهم والإقناع للحفاظ على مصالح قائمة أو للحصول على منافع جديدة وباستخدام أساليب متنوعة.

مناسبة المقدمة تتعلق بالتأويلات المتضاربة التي راجت حول احتمالات التطبيع بين هافانا وواشنطن، إثر لقاء الرئيسين الأميركي باراك أوباما والكوبي راوول كاسترو، ومصافحتهما في قمة بنما الأخيرة، بعد عداوة تاريخية امتدت بين بلديهما لأكثر من نصف قرن.

المناسبة شكّلت منصة انطلاق لأسئلة عديدة من بينها: هل فعلاً لقاء الزعيمين يمثل لحظة تاريخية فارقة كما وصفها المحللون؟ وهل ستطوى صفحة من عداوة الطرفين، لتفتح أخرى نحو التطبيع والمصالحة، واستناداً لأي شروط أميركية أم كوبية/ لاتينية؟

عداوة وحصار

بداية نعم وبلا أدنى شك، فالمصافحة تمثل لحظة تاريخية يفترض النظر إليها بموضوعية تتجنب الإفراط في استشراف نتائجها اللحظية، ففي نهاية المطاف غالباً ما تفرض المفاوضات نفسها بسبب متغيرات سياسية أو عسكرية أو اقتصادية أو تلبية لاحتياجات إنسانية. معلوم إنه ومنذ الثورة الكوبية العام 1959 وكوبا تعاني من حظر اقتصادي فرضته عليها الولايات المتحدة، التي تعتبر دول أميركا اللاتينية حديقة خلفية لها، وأي تغير يحدث فيها يعني المساس بمصالحها، لهذا شدّدت العقوبات في وقت لاحق بإصدار قانون «هيلمز برتون» في 1996 على الصفقات الاقتصادية والمالية مع كوبا، الأمر الذي أضر كثيراً بالاقتصاد الكوبي، حيث قدّرت خسائره بـ 116 مليار دولار. وعليه فهذه خلاصة تقود إلى الإجابة على التساؤل الآخر: هل من الصعوبة طي صفحة عداوة الطرفين وفتح أخرى باتجاه التطبيع والمصالحة بجرة قلم، كما تتصورها بعض مصادر الإعلام، لماذا؟

الأمر بديهي له صلة بما سبق، وكذلك بطبيعة علم التفاوض وقواعده وأسسه ومرتكزاته، فالتفاوض بحد ذاته معركة تستخدم فيه استراتيجيات وتكتيكات يتم التفنن فيها، بدءاً من مراوغة التصريحات وعملاً بإنهاك الخصم واستنزافه بإطالة فترة التفاوض وجولاته دون التوصل إلى نتائج حقيقية ملموسة، فضلاً عن اللف والدوران حول الهدف الأساس أو إضافة موضوعات جديدة على الأجندة، واستنزاف جهد الطرف الآخر بصرفه نحو عناصر تفاوضية هامشية وشكلية وافتعال لبعض الصعوبات، ناهيك عن تشتيت المفاوضين بفرزهم عقائدياً وحسب مستوياتهم العلمية والفنية والطبقية والمالية بل محاولة تجنيد بعضهم، وزيادة الاهتمام بنواحي فنية شديدة التشعب تجعله يستسلم لما يملى عليه أو للوصول إلى مرحلة اليأس والتخلي عن أهدافه التفاوضية. كما تستخدم تكتيكات الإغراء المادي أو التلويح بالعصا والجزرة، أي بالتهديد والترغيب وتوجيه الإنذارات واستخدام القوة وحشدها وفرض الحصار وغيره من أساليب، بالتأكيد ستتعرض إليها عملية التواصل التفاوضية مع كوبا بداية من خلال تبين مؤشرات المراوغة في متن التصريحات الأميركية، وأبرزها:

مراوغات أوبامية

أولاً: في وصف لقاء الزعيمين حاول مقربون من الوفد الأميركي في قمة بنما، التقليل من شأن الحدث فقال أحدهم بأنه لم يجر «حديث جوهري»، وآخر أوضح بشأن تبادل السفراء بأن أوباما سيقرّر ما إذا كان سيتم استبعاد كوبا من قائمة الدول الراعية للإرهاب، دون تحديد جدول زمني مع التركيز على إشارة الأخير الفاقعة بأن «تنفيذ الشرط الكوبي يتطلب وقتاً»، وهو يقصد هنا تصريح كاسترو قبل أشهر بأن التطبيع «لن يكون ممكناً» مع بقاء الحصار المفروض على الجزيرة الكوبية.

ثانياً: ثمة تأويلات وألغام في تصريحات أوباما، لاسيما حين ذكر أن تغيير سياسته إزاء كوبا والتقارب بينها وبين الولايات المتحدة يشكلان «نقطة تحول»، وأن لقاءه بكاسترو يمثل «حدثاً تاريخيا»، إلا أنه يؤكد بأن الخلافات ستظل بين البلدين لاسيما في مجال حقوق الإنسان؛ وأنه سيواصل الدعوة إلى تطبيق المبادئ العالمية التي يعتقد أنها مهمة؛ وأن كاسترو من جهته سيواصل الدفاع عن القضايا التي يعتقد أنها مهمة». ولهذا لا غرابة في إطلاقه للوعود والفرقعات الكلامية أمام منتدى المجتمع المدني الذي عقد على هامش قمة بنما حين قال: «إن عهد تدخّل الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية قد ولى».

والسؤال: هل عهد تدخّل الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية ولى حقاً؟ وهو الذي التقى قبيل افتتاح القمة عدداً من مدافعي حقوق الإنسان بينهم منشقان كوبيان، المحامية والصحافية لاريتزا ديفرسنت ومانويل كويستا موروا، وأكد أنه يقف إلى جانبهم، و»عندما نتحدث باسم أي شخص سُجن من دون سبب آخر غير قوله الحقيقة للسلطة، وعندما نساعد منظمة تحاول تعزيز أقلية داخل بلد للحصول على المزيد من الموارد، لا نتخلى عنهم أبداً لأن ذلك يخدم مصالحنا الخاصة».

بالطبع تصريحات كهذه وغيرها وبغض النظر عن اجترارها في إطار التسويق الدعائي، إلا إنها تثير الشكوك بشأن النيات الحقيقية للولايات المتحدة تجاه كوبا وغيرها من دول أميركا اللاتينية.

في الأخير، اتسم الرئيس الكوبي بالواقعية والتريث وهو يطلق تصريحاته، خصوصاً حين ذكر «إن التاريخ بين بلدينا كان معقّداً، لكننا مستعدون للسير قدماً ومناقشة كل شيء، بما في ذلك حقوق الإنسان، لكننا أيضاً بحاجةٍ إلى التحلي بالصبر... الصبر الشديد».

نعم، فالرجل يدرك تماماً ماهية المعركة التفاوضية المقبل عليها وتعقيداتها، وهو الذي يتطلع لرفع اسم كوبا عن قائمة «الدول المساندة للإرهاب»، ودفع تعويضات تنصف شعبه وما لحق به من أضرار بشرية واقتصادية، بسبب الحصار الأميركي فضلاً عن استرداد قاعدتهم البحرية في غوانتنامو، ووقف الدعاية المضادة ضد نظامه، مقابل مطالبات واشنطن لهم بدفع نحو 7 مليارات دولار لقاء مصادرة ممتلكات تعود إلى شركات أميركية.

النتيجة هي أن طيّ صفحة العداوة صعب ومعقد، بيد إنه ليس مستحيلاً حين تتأسس عملية التفاوض على مرتكزات الضرورة التاريخية، وتتوافر فيها عناصر المعرفة والحذاقة وسعة الحيلة والذكاء والمثابرة والصبر. فهل نطق راوول كاسترو لشعبه بكلمة السر «الصبر»؟ ربما.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4603 - الثلثاء 14 أبريل 2015م الموافق 24 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 7:18 ص

      امل

      تحليل رائع و فيه فكر

    • زائر 1 | 5:40 ص

      نعم انه العقل

      والتعقل حينما ادرك راؤول كاسترو انه لا جدوى من السباحة عكس التيار او حمل السلّم بالعرص وانه من الافصل للشعب الكوبي ان يقيم علاقات مع امريكا غيرها وان عليهم ان يدركوا ان طريق كوريا الشمالية او ايران طريق مسدود لا نفع منه يرتجى الا معاناة الشعوب و افقارها . فهل يدرك خكام ايران او كوريا الشمالية هذا الامر ام انهم سيصرون على غبائهم و عنجهيتهم الجوفاء ؟

اقرأ ايضاً