العدد 4606 - الجمعة 17 أبريل 2015م الموافق 27 جمادى الآخرة 1436هـ

إيران وقبعة الفرو الروسية

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

رمز من حرف واحد ورقم مئوي، سيطرا على جزء ليس بقليل من الأحداث خلال أسبوع. S300، منظومة دفاعية جوية صاروخية بعيدة المدى، قرّرت روسيا (وبعد توقيع رئيسها فلاديمير بوتين لمرسوم) رفع حظر توريدها إلى إيران.

كانت موسكو قد ألغت في سبتمبر/ أيلول 2010 اتفاقاً كانت قد أبرمته مع طهران العام 2007، لتسليمها هذا النظام الدفاعي، ما سبّب أزمةً دبلوماسيةً بين البلدين بعد أن قرّرت طهران رفع دعوى قضائية تُلزِم موسكو دفع تعويضات لها بقيمة 4 مليارات دولار، وكان كسبها شبه حتمي.

الحقيقة، أن هذا الموضوع له جوانب وتساؤلات عدة: ما نوعية هذا النظام الصاروخي؟ ولماذا الخوف منه؟ ولماذا قرّرت موسكو تزويد إيران به الآن؟ وهل الموضوع مرتبط بقضايا قانونية دولية أم ثنائية أعطت روسيا الحق في فعل ذلك؟

بداية، يجب أن نعرف طبيعة هذا النظام الصاروخي المثير للجدل، والتي تنتجه شركة ألماز للصناعات العلمية الحكومية. وهي واحدة من أهم الشركات الروسية المختصة في تطوير وإنتاج أنظمة الدفاع الجوي للقوات المسلحة الروسية (والسوفياتية سابقاً).

وقد ابتكرت الشركة هذا النظام قبل 36 عاماً للتصدي للطائرات القتالية والصواريخ المدمِّرة، وهو مُجهّزٌ بعدة رادارات قادرة على متابعة 100 هدفٍ معادٍ بعد 5 دقائق من الاستشعار، والتصدي لـ 12 هدفاً منها في الوقت نفسه، وعلى بعد 150 كيلومتراً.

بعد إعلان روسيا إزالتها لحظر توريد S300 لإيران أبدت الولايات المتحدة الأميركية و»إسرائيل» مخاوفهما من هذا الإجراء، والسبب أنهما يَرَيَان أن حصول إيران على تلك المنظمة سيغيِّر من معادلة الردع القائمة في المنطقة، والتي تعتبر من المعادلات المُركَّبة. فإيران ومن خلال هذا النظام الدفاعي ستكون قد وفّرت لنفسها «قبة حماية» أكثر أمناً أمام أي هجوم عسكري محتمل عندما يختل الأمن الشرق أوسطي.

وهي بالتحديد تهدف إلى حماية المنشآت الصاروخية لديها في ضواحي طهران ومنشأتَيْ فردو وبارشين. كما أنها ستؤمّن سواحلها الغربية لأكثر من ألف كيلومتر، كون ذلك النظام مزدوجاً في عملياته، وهو ما يعني تأمين منطقة تمتد من خليج جيوني مروراً بخليج جابهار ولسان كنارك وبيوشك، ثم من بندر عباس حتى ميناء الإمام الخميني وعبادان في الشمال.

ورغم أن دولاً عدة تمتلك مثل هذا النظام كالجزائر وأرمينيا وبلغاريا وبيلاروسيا والصين واليونان وسلوفاكيا والهند وكازاخستان وفيتنام وفنزويلا (ومصر قريباً) إلاَّ أنها لا تغيّر من ميزان التنافس الإقليمي كما هو مع إيران في حال امتلاكه، كونها في منطقة ملتهبة ولها وضع خاص يتعلق بقضايا النفوذ والعلاقات المتوترة وغير المستقرة «إقليمياً».

هناك أمر آخر يتعلق بموسكو نفسها، فالروس يرون أنفسهم في حالة حرب حقيقية مع الغرب هي الأولى في شدتها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. هذه الحرب تتعلق بالجوانب الجيوسياسية لروسيا في آسيا وأوروبا، والتي بات الغرب يزحف عليها بهون.

لو تتبعنا الأمر على حدود روسيا الجنوبية سنرى التالي: في منغوليا، تزايد النفوذ الأميركي في هذا البلد، حيث زاره في العام 2011 نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، وهي أول زيارة لمسئول بهذا المستوى لمنغوليا منذ 71 عاماً، والهدف كان «دعم التنمية الديمقراطية والعلاقات الاقتصادية»، وهو المبضع الدائم لبداية أي نفوذ أميركي في مناطق الخصم.

وبالسير قليلاً نحو الغرب حيث كازاخستان، فإننا سنرى أن هذه الجمهورية، أخذت لنفسها خيارات جديدة مع الغرب. وقد وجدنا الأميركيين أول مَنْ يعترفون باستقلال هذه الجمهورية ويَلِجون في الاستثمار فيها، ليس في مجال النفط والغاز فقط، بل في الزراعة والنقل والاتصالات، حتى أصبحت الولايات المتحدة شريكاً مهماً لها قبل عدة سنوات حين فاق الميزان التجاري بين البلدين في ستة أشهر 1.1 مليار دولار، وهو ما يُقلق روسيا، كون النفوذ الأميركي بات على حدودها الجنوبية حتى ولو كانت هناك علاقات جيدة مع أستانا.

أما في الشرق الأوروبي، فإن الحال بات صعباً بالنسبة للروس في ظلّ تغيير ميزان القوى في عدد من الدول التي كانت تعتبرها روسيا أحد أحزمتها. فمن أستونيا ولاتفيا وليتوانيا وتغيّر وجه البلطيق، إلى الضم المستمر لدوله في الناتو، وانتهاءً بما جرى في أوكرانيا، حيث كشفت هذه الأزمة حجم الخلاف مع الغرب وتطوره إلى حرب اقتصادية خانقة.

حتى كوبا، التي كانت تعتبر آخر معاقل الشيوعية، باتت اليوم على خط التسوية الدائمة مع الولايات المتحدة، ولم يعد الروس «يمونون» على فيدل ولا راوول كاسترو، اللذين شَعَرَا بالهجران والتخلي الروسي عنهما منذ أن فكَّك بوتين قاعدة لورديس الكوبية قبل 14 عاماً، حيث كانت تلك رسالة «سلبية» من الروس لهافانا التي كانت أكثر الدول إخلاصاً لموسكو، وظلت على العهد حتى بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي ومجيء بوريس يلتسين.

اليوم الروس باتوا يستشعرون أنهم يجب أن يفعلوا شيئاً بالأوراق التي حبسوها في الأدراج إرضاءً للأميركيين. هم يندفعون نحو تشكيل اتحاد نقدي مع كازاخستان وروسيا البيضاء للحد من سطوة منطقة اليورو، وأيضاً يدفعون باتجاه تغيير ميزان القوة الصلبة في مناطق عدة من العالم ومنها الشرق الأوسط، وبالتحديد في منطقة غرب وجنوب شرق آسيا فضلاً عن آسيا الصغرى وشمال إفريقيا.

وهو ما يفسّر تزويدهم إيران بنظام دفاعي جوي متطور علها تكون مصدر إقلاق لواشنطن. وباعتقادي، فإن هذه ستكون بداية «روسية» لعمل آخر أكثر أهمية منه ستكشفه الأيام القادمة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4606 - الجمعة 17 أبريل 2015م الموافق 27 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 4:00 ص

      نتنافس على المشاريع العقارية بدلا من تطوير مجتمعاتنا

      النتيجة خواء وارتهان أكبر للخارج...الدول المعتمدة على شعوبها طورت بلدانها وأصبحت كل تلك الدول تتوسل من ايران وغيرها من الدول وضع حلولا في محاولة بائسة لإحتوائها...هذه الدول النمر ورقية أول من يصرخ وتفتعل الحروب في محاولة لدرء الخطر عنها ولإثبات وجودها المنسي....في حصار روسيا وغيرها أصبحت الحلول أكثر من واضحة المعالم....وسترى الأيام القادمة دول شامخة بالعز وعدم الهوان وطبعا التطور،بيننا تتحسر كل تلك الدول التي لعبت بمقدرات شعوبها.....وسنرى حينها من يضحك أخيرا.

    • زائر 4 | 2:05 ص

      نمر من ورق

      ايران نمر من ورق فقط كلام اما الأفعال فهي التي ترونها في عاصفة الحزم

    • زائر 8 زائر 4 | 4:18 ص

      هههههههههههههههههه

      خلك انت في قناة ...................مو مال تقرى هالعمود

    • زائر 3 | 1:47 ص

      ردة الفعل الامريكية

      الجنرال مارتن ديمبسي قائد أركان القوات الأمريكية قال قبل ايام بأن الخيارات العسكرية لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي لم تتغير وهذا يعني اول رد فعل امريكي بعد إعلان روسيا تسليمها منظومات الدفاع الصاروخي إس-300

    • زائر 2 | 1:44 ص

      هههههه

      موقف إيران ضعيف خاصه مع عاصفه الحزم وكشفت عورتها أمام مابديها

    • زائر 1 | 12:18 ص

      تحليل جدآ رائع من مثقف رائع

      لكن السؤال يا عزيزي هل فعلاً الإيرانيون مع الحصار منذ أمد طويل والتطور الهائل في التسليح من عقول إيرانية 100*100 أن فعلاً إيران جدلا تمتلك نفس المنظومة s300 أو مشابهة لها كما عودتنا على مفاجئات بين الحين والآخرة بالاضافه إمتلاك s300 السوفيتيه الصنع سيعزز أكثر من قدراتها التنافسية الدفاعية

اقرأ ايضاً