العدد 4610 - الثلثاء 21 أبريل 2015م الموافق 02 رجب 1436هـ

الأزمة السورية ومراوحة المبادرات

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

مشهد الأزمة السورية يبدو سريالياً، وفي حال انهيار تام بسبب تعقيدات وضع النظام من جهة، وهشاشة مواقف المعارضة وتشرذمها من جهة أخرى. ذلك على الرغم من المبادرات السياسية الروسية المتوالية لحلها، والتي كان آخرها مؤتمر «موسكو 2» التشاوري في الفترة ما بين 6 و9 أبريل/نيسان الجاري، بين ممثلي النظام السوري وقوى المعارضة، بهدف بلورة ورقة موحدة تقوّم الوضع الحالي وتركّز على حل سياسي وإنساني، كما تحارب الإرهاب الذي يعد موضوعاً خلافياً بينهما، على أن يتم كل ذلك في إطار اتفاق بينهما على برنامج محدد تتواصل عبره المفاوضات، فهل جدّ جديدٌ من هذا اللقاء؟

الجديد إن المبادرات الروسية حتى اللحظة، لم تتمكن من إحداث خرق سياسي ولا تزال تراوح مكانها، ولم تتوافر لها بعد فرص النجاح، لاسيما إنه وبعد ثلاث جلسات ممتدة من لقاءات «موسكو 2» الأخير بين وفدي الحكومة والمعارضة، لا ورقة عمل مشتركة اتفق عليها ولا إجراءات وُضعت لتعزيز وبناء الثقة بينهما.

في هذا الشأن نوهت بعض التقارير الإعلامية إلى حضور الوفد الرسمي برئاسة بشار الجعفري، مجرّداً من الصلاحيات، ومركّزاً طرحه بشدة على أهمية توحيد جهود المشاركين في تقويم الإرهاب وخطورته وتوحيد صفوف السوريين حكومةً ومعارضةً، في محاربته بمؤازرة الجيش الرسمي، رافضاً مناقشة وضع أية إجراءات لبناء الثقة حسب التصور التشاوري المسبق. وقد رفض ممثلو الحكومة أثناء اللقاءات تسلّم قوائم لمعتقلين سياسيين في سجون النظام ومطالب أخرى وضعتها المعارضة كأرضيةٍ لبناء الثقة، الأمر الذي دعا بعضهم إلى إعلان فشل لقاء «موسكو 2».

ولاشك أن عدم الاتفاق حول ماهية هذه النقطة السجالية –أي بناء الثقة- يُصعّب من تجاوزها والتوصل إلى قواسم مشتركة سبق ووضعت على جدول الأعمال، كما إنه يشكل عصا تعيق دوران عجلة المبادرة الروسية بمرونة وفعالية تنتج حلاً مقبولاً في حده الأدنى.

من الواضح أن ثمة عوامل موضوعية عديدة استجدت على مشهد الأزمة السورية، وهي تقف حجر عثرة في طريق أية مبادرات تتجه لحلها أو حتى التخفيف من حدّتها، ويتمثل أبرزها في ارتفاع وتيرة الاحتراب الإقليمي المباشر وغير المباشر بمستويات ميدانية عالية، سواءً في العراق أو اليمن أو سورية التي يتم فيها إعادة إنتاج جولات جديدة من المعارك المتنقلة، إلى جانب دخول «داعش» إلى مخيم اليرموك في قلب العاصمة دمشق، وسيطرتها عليه منذ أسابيع وسقوط مدينة إدلب في أيدي «داعش» وقوى الإسلام المتشدد، وفقدان معبر نصيب الحدودي مع الأردن لصالح «جبهة النصرة»، ما يعني خسائر جسيمة للنظام السوري وحلفائه.

وهذا ما أنعش مواقف بعض قوى المعارضة التي تتوزع على المحاور الإقليمية التركية والسعودية والقطرية التي حسمت ترددها بشأن التجاوب مع المبادرة الروسية، ورفض بعضها المشاركة في «موسكو 2»، خصوصاً مع إعادة ضخ الدعم المادي إليها وتسليحها مجدداً.

وعلى الرغم من استنزاف الجميع وحاجتهم إلى مخارج سياسية لهذه الأزمة الإقليمية المتمددة الطاحنة، إلا أن الجميع منهم على ما يبدو غير مبالٍ، بل ولا يسعون بجدية لاجتراح المخارج من فصول هذا الدمار الدموي الكارثي المتواصل إلا حيث تتحقق أغلب شروط وبنود أجندة القوى الكبرى والإقليمية.

النظام السوري بدوره يتخندق عند نقطة الارتكاز التي وصل إليها ويدور حولها، خصوصاً وقد فقد استقلاليته وغدا قراره بيد حلفائه الرئيسيين روسيا والصين وإيران. والجميع منهم كما هو معلوم يسدّد نصيبه من فاتورة أكلاف هذا التخندق. فإيران في حال استنزاف لمواردها المالية وميزانيتها السنوية تتكبّد نظير مساندتها لإعادة إنتاج النظام السوري حسب «الفايننشيال تايمز» ما لا يقل عن «20 مليار دولار»، حتى وإن تحسّنت ظروفها عند توقيع الاتفاق على ملفها النووي وفك الحصار عنها.

أما موسكو فهي الأخرى تسدّد نصيبها من كلفة الحرب ونفقات دعمها العسكري لدمشق، خصوصاً أن السفير الروسي في سورية أكّد أن بلاده «مستمرة في تزويد دمشق بكل ما يلزم لتأمين القدرات الدفاعية للقوات المسلحة السورية، انطلاقاً من واجبها كحليف يقف في الخندق ذاته بمواجهة العدو المشترك المتمثل بالإرهاب الدولي، وإنها ستقوم بتسخير كل قدراتها لمنع أي قوى إقليمية بالتدخل العسكري في سورية»، ناهيك عن معاناتها –أي روسيا- هي وحليفتها إيران، من تأثيرات إدخال «سلاح النفط» على مسار معادلات الصراع الدولي والإقليمي على مناطق النفوذ، الأمر الذي قد يعرّض - حسب توقعات المحللين- الاقتصاد الروسي للإفلاس بسبب خفض أسعار النفط.

خلاصة الأمر، أن أية مبادرات تسعى لحل الأزمة السورية هي في جوهرها فرص تاريخية لا تُعوّض لوقف حالة الحرب والدمار والعنف الواقع على سورية والسوريين. ومن الخطأ والحماقة خسارة هذه المبادرة أو غيرها، والتلاعب بها كأوراق في لعبة الأمم، خصوصاً أن الدافعية التي دفعت وفد السلطة وبعض أطياف المعارضة التي شاركت في لقاء «موسكو 2» التشاوري، تكمن وراءها كما يبدو قناعة المضي في درب الحرب حتى خواتيمها، وهذا ما يثير التساؤل عن مدى جدية كل الأطراف في سعيها للوصول إلى حل سياسي لهذا الصراع المدمر.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4610 - الثلثاء 21 أبريل 2015م الموافق 02 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 2:04 ص

      قصدك سوريا سوف تدحر الارهاب

      نعم سوريا سوف تنتصر وتدحر الارهابين المدعومين من قبل الدول الغربية و بعض الدول العربية ......

    • زائر 1 | 12:38 ص

      سينتصر الشعب السوري في النهاية

      طال الزمان او قصر سينتصر الشعب العربي السوري بأغلبيته على الأقلية المجرمة التي تحكم بمساندة الروس و الإيرانيين

    • زائر 2 زائر 1 | 1:16 ص

      قصدك سينتصر على الارهاب

      اكيد سوريا سوف تنتصر على الارهاب التي تغذيه بعض الدول الغربية و العربية ، وقريباً ان شاء الله ......

اقرأ ايضاً