العدد 4611 - الأربعاء 22 أبريل 2015م الموافق 03 رجب 1436هـ

خسرنا كل شيء إلاَّ الشرف!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

شاهدت (والجميع) رئيس مجلس الدولة والوزراء الكوبي راؤول كاسترو والرئيس الأميركي باراك أوباما وهما يتصافحان. تأملتها جيداً واستشعرت ألم راؤول وهو يمسك بيد مَنْ تسبَّبوا في أن تخسر بلاده ألف مليار دولار جراء الحصار المفروض عليها، والذي استمرّ لأكثر من 50 عاماً.

أطول حصار في التاريخ الحديث يُفرَض على أرخبيل من الجزر، به اثنا عشر مليون إنسان، والسبب أنه جسم غريب بالنسبة لدولة تعتبر نفسها سيِّدة العالم، لذا فهي لم تقبل أن يتمرد الكوبيون على فولجينسيو باتيستا الذي ضمن تبعية بلاده لها.

اليوم وبعد خمسة عقود، تأكّد للأميركيين أن باتيستا لن يعود، وأن كاسترو لن يرحل، وأن الحصار لم يُبعِد كوبا عن الخارطة والخاصرة، وأن الكوبيين لم يُحبوا معارضي الثورة التي اعتقد البيت الأبيض أنها ذَوَت وأفل نجمها وبات الهافانيون يتوقون لنمط دولة على الطراز الأميركي أو يقلده، لكن ذلك كله لم يحدث.

في الأسبوع الماضي أخفق معارضان كوبيان في الفوز بمقعدين في المجالس المحلية بهافانا. «كان هيلدبراندو شافيانو (65 عاماً) ويونييل لوبيز (26 عاماً) ضمن 27379 مرشحاً تنافسوا في انتخابات التجديد النصفي لنحو 12589 مقعداً في المجالس المحلية على مستوى كوبا، وهي أول درجةٍ في السلم السياسي الكوبي» لكنهما صُعِقا بالنتيجة.

اعتاد شافيانو المحامي والصحافي على نقد حكومة كاسترو بلغة حادة، واعتقد أن ذلك الخطاب سيجعله نجماً في سماء الأرخبيل. هُزِمَ في أول اختبار سياسي فعلق قائلاً: «الانتخابات كانت نزيهة. والفرز كان نزيهاً. الشعب لا يريد التغيير. هو مازال يريد الثورة».

لقد نال شافيانو المركز الرابع في دائرته، بينما كانت نتيجة المعارض الثاني مدوّيةً أكثر منه، حيث حصل على 65 صوتاً فقط. الكوبيون لم يعتقدوا بعد بهؤلاء. ورغم الصعوبات الاقتصادية التي عاشها الكوبيون نتيجة الحصار، لم يدفعهم ذلك لأن يقفوا ضد الدولة التي تأسست بعد الثورة الكوبية. وهو أهم ملمح من ملامح الفشل الأميركي في تطويع الكوبيين وجعلهم أقرب إلى شعارات «الدمقرطة المتجولة».

نعم... لقد كان معدل تشكل الرأسمال الإجمالي في أميركا اللاتينية 20 في المئة، في حين جاهد الكوبيون أن يصلوا إلى 13.6 في المئة خلال السنوات العشر الماضية، لكن ذلك لا يُعد إخفاقاً بقدر ما هو انتصار في مواجهة حصار ظالم، وإحراجاً لجوقة كوبية رأسمالية، اختارت الاستثمار في ميامي الأميركية وإشاحة الوجه عن بلدهم جهاراً!

لم يستطع الحصار الأميركي أن يجعل كوبا متخلفة في مجالات عديدة كالطب، والذي بفضله وبفضل توفره للجميع وبشكل مجاني، بات معدل عمر المرأة الكوبية 80 عاماً، والرجل 78 عاماً. لقد كان التطور الطبي والعلمي في كوبا سبباً في أن يطلب 66 بلداً في العالم خدمات طبية مجانية يقدّمها خمسون ألفاً من الأطباء الكوبيين المتميّزين، الذين أفلحوا أكثر من غيرهم من التصدّي لأكثر الأمراض فتكاً بالبشر.

كما لم يمنع الحصار من أن تحارب كوبا طفيليات الفساد التي تنشأ عادةً على هامش الاقتصاديات المؤمَّمة، فكان وزيرا السياحة الأسبق والسابق ووزير العدل والصيد وآخرون هدفاً لجيش من المحققين مسحوا البلاد من أقصاها إلى أقصاها. وبالمجمل فإن كوبا هي أكثر نظافة من محيط موبوء من الدول، ممن غاص في الفساد.

لم يستطع الحصار الظالِم أن يجعل كوبا «أمّيّة» لا تقرأ، بل هي اليوم من أرفع الدول في مستويات التعليم. لست أنا من يقول هذا بل مكتب «اليونيسكو» الإقليمي، الذي قال بأن «التعليم في الجزيرة الكاريبية هو مثال للعالم» الذي «يعترف بالمستويات العالية لكوبا في تنفيذ الأهداف الإنمائية لألفية (التعليم للجميع) والمقارنة مع تلك البلدان المتقدمة».

بل إن البنك الدولي أقرّ العام الماضي بأن «نظام التعليم في كوبا مماثلٌ لذلك المتواجد في كندا وفنلندا وسنغافورة في الماضي». ولكلّ مَنْ عرف كوبا وقرأ عنها سيكتشف أن جامعاتها ليست وليدة عقد أو قرن حتى، بل هي تعمل منذ 287 عاماً، وهي تضم أكثر التخصصات عمقاً كالرياضيات والفيزياء والأحياء والفلسفة والجغرافيا والقانون والآداب والإعلام وعلوم التكنولوجيا والاقتصاد السياسي. هكذا كانت وبقت كوبا.

نعم، الزائر لكوبا لا يرى مباني نيويورك الشاهقة ولا السيارات الفارهة في ماساتشوستس، ولا موضات قص الشعر، ولا ملابس الموضة، لكنه أيضاً لا يرى فيها 48 مليون فقير، ولا 2.5 مليون طفل مشرد، ولا 40 مليون أمي، ولا يُصدَم بأن 0.1 في المئة من العائلات تسيطر على أكثر من 22 في المئة من إجمالي الثروات العامة، ولا يقف أمام 1.2 مليون جريمة في بحر عام واحد من بينها 14196 جريمة قتل، و724149 هجوم مسلح، و79770 عملية اغتصاب، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأميركية.

فالكوبيون حفظوا لأنفسهم المقدار الآدمي من المعيشة، مرةً بالكفاف ومرةً بالكفاية، فليس بينهم تلك النسب المهولة من الفقراء، ولا المشرّدين ولا المتسوّلين، ولا العاطلين عن العمل، بل إنهم كافحوا تلك الأدواء الاجتماعية والاقتصادية وحققوا فيها نجاحات لافتة، متكيّفين مع ظروفهم الصعبة التي فرضها عليهم الحصار الأميركي الظالم طيلة خمسة عقود.

هم لم يدخلوا في معركة الانتحار كي يقولوا ما قاله نابليون بونابرت في ووترلو «خسرنا كل شيء إلاَّ الشرف»، بل قاوموا أعداءهم بثقافة الأنتيل الكاريبية ولسان حالهم يقول: «ربحنا خسارة الجشع بشرف»!

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4611 - الأربعاء 22 أبريل 2015م الموافق 03 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 6:59 ص

      اللاهثون

      اما من يلهث ويطلب رضا امريكا ويخاف من اسرائيل فليس له الا الذل

    • زائر 5 | 1:10 ص

      المختار الثقفي

      عندما يكون هَمْ الحاكم (أي حاكم) راحة شعبه ورقيه والسهر على توفير قدر المستطاع من الأمن والغذاء والدواء، والتعليم بدون تدخل ما يعرف بين المسلمين (بالواسطة) التي تميل كل الميل للعرق والقبيلة والاعتقاد، فإن الشعوب تميل كل الميل لمن وقف معها في وقت الشدة وأي شدة اصابت ذلك الشعب الكوبي الذي حوصر لخمسة عقود من الزمن، فنتج عنها تطور الطب والتعليم وقس ذلك على المجالات الأخرى.
      وأمامنا مثال حي، فإحدى الدول الإسلامية حوصرت ظلما وعدوانا، فتطورت في جميع مناحي الحياة وحاربت العالم كل العالم في سبيل ذلك

    • زائر 4 | 12:22 ص

      صباح الخير

      نعم هم كذالك انبتت الأرض من دماء شهدائهم تعلموا وتغننوا وانتصروا في كل مجالات الحياة الحصار جعل الجميع منخرط من الرئيس فيدراكتسترو وأصدقائه إلى أفقر رجل وامرأة لبناء المجتمع اعتمدوا على أنفسهم بكل عز وشرف لم تتلطخ أيديهم في المال القذر المغزز لم تستطع امريكا بكل جبروتها والسي أي ايه باختراق المجتمع الكوبي الئ بقليل من النفوس الضعيفه ولكن نحن ماذا جنينا غير الفتن والتفتت والانحراف

    • زائر 3 | 12:21 ص

      ، ولا يُصدَم بأن 0.1 في المئة من العائلات تسيطر على أكثر من 22 في المئة من إجمالي الثروات العامة،

      نعم، الزائر لكوبا لا يرى مباني نيويورك الشاهقة ولا السيارات الفارهة في ماساتشوستس، ولا موضات قص الشعر، ولا ملابس الموضة، لكنه أيضاً لا يرى فيها 48 مليون فقير، ولا 2.5 مليون طفل مشرد، ولا 40 مليون أمي، ولا يُصدَم بأن 0.1 في المئة من العائلات تسيطر على أكثر من 22 في المئة من إجمالي الثروات العامة، ولا يقف أمام 1.2 مليون جريمة في بحر عام واحد من بينها 14196 جريمة قتل، و724149 هجوم مسلح، و79770 عملية اغتصاب، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأميركية.

    • زائر 2 | 12:20 ص

      كل الدول

      كل الدول التي تم حصارها أبدعت في صناعاتها

    • زائر 1 | 10:43 م

      الحصار رحمة

      شعوب تعتمد على نفسها إذا حوصرت .

اقرأ ايضاً