العدد 4612 - الخميس 23 أبريل 2015م الموافق 04 رجب 1436هـ

فلسفة سياسية لضبط ممارسات خاطئة

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

من حق المواطن العربي في أقطار مجلس التعاون الخليجى أن يطرح السؤال التالي: ترى لو أن قيادة المجلس عبر عمره الطويل راعت وشائج العروبة التي تربط شعوب أقطارها بالشعب اليمنى، ووعت قيمة اليمن التاريخية (وهو منبع وأصل كل الهجرات العربية نحو كل أرض الوطن العربي الكبير) وقيمته الجغرافية (وهو جزء أساسي من شبه جزيرة العرب) وضخامة حجمه السكاني (وعدد سكانه يساوى سكان كل أقطار المجلس مجتمعة) ووفرة يده العاملة (وقد كان بإمكان قواه العاملة ملء مئات الألوف من الوظائف التي يؤتى بغير العرب لملئها)... لو أن قادة المجلس وعوا بعمق ومسئولية قومية وإنسانية كل ذلك هل كانوا سيضطرون لدخول هذه الحرب المدمرة المشتعلة حالياً في أرض اليمن؟

قد يبدو أن طرح السؤال جاء متأخراً، لكن أية مراجعة لما كتب عن مجلس التعاون منذ نشأته سيظهر أن مثل تلك الأسئلة قد طرحت مراراً وتكراراً، ليس حول انضمام اليمن فقط وإنما أيضاً حول انضمام العراق، ولكن دون استجابة من قادة المجلس.

لقد قُدّمت أعذار تتعارض مع الفهم السياسي المنطقي: فالعراق غير مستقر ومغامر، مع أن دخوله في المجلس كان سيبعده عن ارتكاب الكثير من الحماقات العبثية التي أضرّته وأضرَت أمته، ودخول اليمن الفقير سيزيد من أعباء التزامات أقطار المجلس المالية، مع أن روابط العروبة والإسلام والجوار والتراحم الإنسانى ومتطلبات الاستراتيجية القومية أمام كل أنواع الأطماع الخارجية يستوجبون أكثر بكثير من الالتزامات المالية.

وطُرح موضوع صعوبة الانسجام بين أنظمة جمهورية وأنظمة ملكية، مع أن التاريخ كله يؤكد أن بناء المصالح الاقتصادية والأمنية والاجتماعية المشتركة قادرة على تهميش مفعول التباينات في تركيبة أنظمة الحكم. إن الاتحاد الأوروبي خير مثال على تلك الإمكانية فى التعايش بمقتضى المصالح.

المشكلة مع مجلس التعاون هو أنه يمارس السياسة دون أن تحكم تلك الممارسة فلسفة السياسة. فلسفة السياسة تقتضي وضع أهداف قريبة وبعيدة واضحة، الالتزام بقيم ومحددات تضبط الممارسة السياسية، وإعلاء الأهم على المهم.

الحاجة لفلسفة سياسية واضحة مثلما تنطبق على الحياة السياسية في الدولة فإنها تنطبق على التكتلات الإقليمية للدول. غياب مثل تلك التصورات المبدئية والمنهجية لا يمكن إلا أن يؤدى إلى غياب رؤية مستقبلية أبعد من الأنوف ومن اللحظة الآنية ومن المصالح الضيقة القطرية. وهو ما يفسّر الكثير من الاختلافات بين دول المجلس لا بالنسبة للساحة الخليجية فقط وإنما أيضاً بالنسبة لقضايا تمس مستقبل الأمة العربية ووطنها.

إن المواقف المتباينة، وأحياناً المتضادة، في ساحات مثل سورية وليبيا ومصر والعراق واليمن ولبنان وفلسطين وإيران وتركيا، وكذلك بالنسبة للعلاقات مع الكيان الصهيوني، شاهدة على غياب تلك الفلسفة السياسية الواضحة الملزمة للجميع.

إضافةً إلى كل ما تقدم، هناك الصُدفة التاريخية التي تعيشها حالياً دول المجلس، والتى تتمثل فى امتلاكها ثروة بترولية وغازية هائلة. استعمال تلك الثروة في المساهمة لحل قضايا عربية متفجرة، مثل مقاومة جنون وبربرية وتعاظم جماعات الجهاد الإسلامى التكفيري العنفي المتخلف فقهياً وحضارياً، أو معاضدة المقاومة العربية للاستباحة الصهيونية الاستيطانية العنصرية المتعاظمة أو التخفيف من آفات الفقر والدُيون وتعثّر التنمية الاقتصادية في بعض بلاد العرب، استعمال تلك الثروة لمثل تلك المقاصد وبعيداً عن التذبذب والانفعالات وتدخلات الأغراب، سيحتاج إلى الاتفاق على المبادئ والمنهجيات السياسية التي في مجملها ستكون فلسفة المجلس السياسية.

ما نطلبه ليس تمريناً أكاديمياً مجرداً لا صلة له بالواقع. إنه، بالعكس، انعكاس لواقع عربي يزداد كل يومٍ قتامةً، فهو مطلب ضروري لمواجهة أخطار كبيرة معقدة محدقة بالمجلس في حاضره ومستقبله، وصد لرياح تهب عليه من الداخل ومن خارج يتآمر على ثروته واستقراره وأمنه.

آخر تلك الرياح تهبُ عليه من جنوبه. وعندما تهدأ تلك الرياح سيحتاج المجلس إلى مبادئ فلسفة سياسية تهديه، ضمن مشاعر ومتطلبات الأخوة والعروبة والجوار والإسلام الجامع، إلى سياسات واستراتيجيات جديدة تختلف عن تلك التي مارسها في الماضي.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4612 - الخميس 23 أبريل 2015م الموافق 04 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 1:41 م

      عالم الأحلام

      هل من الممكن يا دكتور على أن نتوقف من الاعتماد على الأحلام ..أم نستمر في حرق البقية الباقية من أيامنا وعمرنا خارج نطاق وواقع ما نحن فيه ...الفكر القومي برمته وهم وتصورات وضعتها خيالات وعقول حالمة في أوقات كانت للأحلام فرص وظروف مختلفة كان من الممكن اقتناصها والاسفادة منها ..ولكن هذا الزمن لم يعد قائماً ..والتاريخ الذي قمنا بصياغته لم يعد كما هو ..بل هناك حقائق جديدة على الأرض يتطلب التعامل معها قبل فوات الآوان وضياع الأوطان والدول ..مع التحية ..س.د

    • زائر 3 | 4:06 ص

      للأسف

      نتمنى وحدة دول الخليج باليمن و العراق كرافعة للوحدة العربية الشاملة

    • زائر 2 | 4:04 ص

      نعيش خارج التاريخ

      لا يريدون احد يتكلم.وكل شيء تمام.واللي يتكلم خائن وعميل .

اقرأ ايضاً