العدد 4613 - الجمعة 24 أبريل 2015م الموافق 05 رجب 1436هـ

الدور الإيراني المقبل

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل أن نُفصِّل في الموضوع، علينا جميعاً أن نتذكّر حديثاً ورد على أثير تفاهم لوزان «النووي» بين إيران والغرب. الحديث الذي أوردته وكالة «رويترز» للأنباء نقلاً عن مسئولَيْن كانا يتابعان المفاوضات في سويسرا، يقول: «من المرجح إعلان معظم محتوى اتفاق الإطار رغم أن بعض البنود ستكون قيد السرية». نتذكَّره كي نعتمد على زاويته في حديثنا اليوم.

الآن أستعرض بعض ما جاء في مقال «غاية في الأهمية» لوليام بيرنز نشره في صحيفة «نيويورك تايمز» مؤخراً. وبيرنز هو رئيس «وقفية كارنيجي للسلم العالمي»، وكان نائباً لوزير الخارجية الأميركي في الفترة من 2011 – 2014، وقبلها كان مساعداً لوزير الخارجية أيام كونداليزا رايس. وهو مايزال مستشاراً للحكومة الأميركية في محادثاتها مع طهران، ويُقدّم لها الرأي.

بيرنز قال في مقاله نصاً: «في عالم مثالي، لن يكون هنالك تخصيب نووي في إيران. وسيتم تفكيك منشآت التخصيب التي تملكها. ولكننا لا نعيش في عالم مثالي. ولا يمكننا، بالتالي، أن نتمنى زوال المعارف الفنية الأساسية وقدرة التخصيب التي قامت إيران بتطويرها أو تدميرها بالقصف».

ثم يقول: «إن تاريخ القضية النووية الإيرانية مليء بالفرص الضائعة. وهو تاريخ تغلَّب فيه الهوس بالحل المثالي على الحل الجيد. إنه تاريخ، إذا استرجعنا أحداثه، سيكشف لنا عن اتفاقات تبدو الآن أفضل كثيراً قياساً بما بدت عليه في السابق. ونحن لا نملك أن نتخلى عن الاتفاق الحالي، رغم كل نقائصه الحتمية».

الأهم من كل ذلك هو قوله أنه: «من الواجب أن يكون استكمال هذا الاتفاق النووي الشامل مع إيران أحد أجزاء استراتيجية حصيفة لشرق أوسط يتردّى في فوضى عميقة». ثم يُبدي رغبة الولايات المتحدة الأميركية في تحوُّل إيران من «قوة ثورية مثيرة للفوضى إقليمياً، إلى لعب دور أكثر عادية كقوة إقليمية أخرى طموحة».

هذا الحديث لواحد من أهم صانعي السياسة الأميركية مهمٌ للغاية لنا، فهو يُؤشر إلى عدد من المعطيات والسياسات الجديدة، التي ربما تشهدها المنطقة في المدى القريب:

أولاً: من حديث بيرنز (وغيره من المسئولين) فإن الولايات المتحدة الأميركية باتت تؤمن بالحلول التوافقية، التي لا تُرجِع إيران إلى ما دون العتبة النووية (كونه مستحيلاً)، ولا تدفعها للقفز فوقها (لأنه ممنوع للحفاظ على التوازن)، وبالتالي الإقرار بوضعها الحالي مع الحفاظ على ميزان القوى الموجود إلى حد ما. وربما حديث الرجل فيه نقدٌ ذاتي للسياسات الأميركية التي كانت مُتَّبعةً سابقاً في التعاطي مع إيران والتي تسبّبت في الكثير من «الفرص الضائعة» على حد وصفه.

بل هم يُقرِّون (أي الأميركيين) بأن تفاهم لوزان النووي «يرسم الخطوط العريضة لاتفاق شامل ومتين من شأنه أن يمدّد الإطار الزمني الذي تحتاج إليه إيران لتخصيب مواد تسليحية كافية لإنتاج قنبلة واحدة من شهرين أو ثلاثة أشهر في الوقت الحاضر إلى عام واحد على الأقل، وذلك لمدة لا تقل عن عشرة أعوام» كما ذكر بيرنز، ما يعني أن ذلك البرنامج النووي لإيران لم ينتهِ حتى في شقه «الأخطر بالنسبة للغرب»، وإنما تم تجميده كي يفعل الزمن فعلته في خلق وقائع جديدة يصح بعدها القول بأن لكل حادث حديثاً.

الثاني: إن الحديث عن قبول أميركي بإيران تلعب دوراً «كقوة إقليمية أخرى طموحة» هو أمرٌ جديرٌ بأن يُبحَث. وهو يعطي انطباعاً بأن الاتفاق النووي الذي يعض عليه الأميركيون بالنواجذ كي يُبرَم له جانب غير مرئي، على الأقل في الوقت الحاضر، وهو يتعلق بشراكة إيرانية أورو/أميركية تلعب دوراً لإنقاذ «شرق أوسط يتردى في فوضى عميقة» كما قال بيرنز، وهو ما يعني تغيُّر العديد من السياسات التقليدية القائمة في المنطقة والعالم.

هنا، أستحضر ما ذكرته إيلي جيرانمايا في أحد المقالات المنشورة في معهد المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية حيث قالت فيه بأن الممثلة السامية للاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني، أرسلت دعوةً إلى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بعد إبرام تفاهم لوزان النووي وقُبيل عودته إلى طهران، تطلب منه المجيء «إلى بروكسل لحضور جلسة خاصة حول إيران بعد اجتماع لجنة الشئون الخارجية للاتحاد الأوربي».

وتضيف جيرانمايا بأنه وخلال ذلك الاجتماع «وعلى الرغم من أن المحادثات ركزت على الموضوع النووي إلاّ أن هذا الاجتماع المنعقد في عاصمة الاتحاد الأوروبي عزز تصريح موغيريني مؤخراً بوجوب مشاركة إيران، عياناً بياناً، في استراتيجية أوروبا الشاملة للتصدي للنزاعات في الشرق الأوسط». هذا يعني وبكل وضوح أن هناك توافقاً أوروبياً أميركياً من مسألة الحضور الإيراني في ملفات المنطقة، وهو في طور التشكُّل بمباركة غربية. وهو أمرٌ لم يعد سراً في ظل علامات عديدة لحدوثه.

أمام كل هذه الترتيبات والتغيُّرات التي جرت وتجري، ينبغي لنا تذكُّر ما بدأنا به المقالة، وهو القول بأنه «المرجح إعلان معظم محتوى اتفاق الإطار الذي جرى في لوزان رغم أن بعض البنود ستكون قيد السرية». لا نعلم حجم السرية تلك، وعلى أيّ شيء وملفات ستسري، لكن المؤكد أن الغرب بصدد إعادة تقييم لسياساته السابقة مع إيران، وبات يرى ضرورة تغييرها الآن.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4613 - الجمعة 24 أبريل 2015م الموافق 05 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 17 | 12:48 م

      امشي بصفي

      الاوربي يحترم من يمشي في صفه وليس خلفه لان يضعه في مستواه اما من يمشي خلفه يعتبره اقل شانا

    • زائر 13 | 2:53 ص

      شكرا للكاتب

      الباحث والمحلل لشؤون الخارجية لجمهورية ايران الاسلامية

    • زائر 11 | 2:16 ص

      ونحن نائمون

      العالم اليوم يعترف بالقوى العلمية والسياسية وليست المادية التي يتصف بها الخليج حيث المادة إلى نفاد بينما العلم وقوة السياسة والحكم الراشد هو المحترم لا غير ولا عزاء لنا بعد يونيو 2015

    • زائر 10 | 2:14 ص

      سرية كانت ام علنية ..

      لا تستطيع اي قوة في العالم ان تفرض نفسها على انها قوة إقليمية او قوى عظمى عالمية لها دورها في شؤون المنطقة المحيطة بها او العالم الا اذا كانت قد استحوذت ذلك بجهد مفكريها وعسكرها وتاريخها فهذه ايران اليوم قد فرضت ذلك من خلال حنكة ودهاء مفكريها في جميع المجالات وهي تستحق ذلك ولا يستطيع احد ان يمنعها عن متابعة هذا التقدم سوى من يريدون التأزم في قضايا هم اختلقوها لمواجهتها اصلاً وهنا السرية والعلنية في بيانات الغرب لن تكون مصادفة بل هي حقيقة قد رسمت مسبقاً ونتيجة حتمية لأحداث وممارسات خاطئةصدرت منهم

    • زائر 9 | 2:10 ص

      متابع

      و غŒبقغŒ أن ننتظر امضاء المرشد الأعلى في ايران باتفاق اقليمي كبير كهذا .

    • زائر 8 | 2:07 ص

      متابع . . . اعتراف من ظريف

      وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف : التوصل لاتفاق نووي يفتح الباب أمام أوسع تعاون إقليمي .
      وجّه ظريف رسالة الى العالم عبر صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، أعلن فيها أن «مشاركة إيران البناءة تمتدّ الى ما بعد المفاوضات النووية»،
      حيث دعا الولايات المتحدة وحلفاءها الى «حسم خياراتهم بين التعاون والمواجهة»، معتبراً اليمن «مدخلاً جيداً لمناقشة الأزمات التي تواجهها المنطقة».

    • زائر 7 | 2:06 ص

      سؤال

      س سؤال.. في الصحف البحرينية الصفراء هل يوجد بها كتاب كهذا الكاتب في المهنية والتحليل الموضوعي المبني على شواهد تدعم موضوع المقال؟ أترك لكم الجواب

    • زائر 6 | 1:53 ص

      هذه مشكلتنا

      نحن العرب نحب ونكره بالعاطفه ولا نستخدم العلم للتخطيط للحاضر والمستقبل وتمر السنين والقرون وحرب داحس والغبراء مستمره ومعاول الهدم تعمل ليل نهار وهدر الاموال والطاقات مستمر بينما غيرنا يحاسب نفسه يوميا عن ماذا انجز وعن ماذا قصر اما نحن نائمون والله هو الستار

    • زائر 5 | 12:10 ص

      ومن المؤكد اخينا محمد ان السياسة نجاسة وهؤلاء يحوطون بالسياسة ما درة مصالحهم

      اليوم مصلحتهم ترتضي بشئ غدا تتغير وهكذا دواليك وانت تلاحظ وتتابع كيف يحدث في اليمن جعلوا للقاعدة وداعش موطئ قدم في حضرموت وبعض المناطق الجنوبية ومن قبل العراق وهم يقولون انهم يحاربون القاعدة وداعش ، هؤلاء لا امان ولا عهد لهم فقط وفقط مصالحهم ولا يمكن لايران ان تثق بهم وبسياساتهم . وشكرا للأخ محمد ومقالاته التحليلية وتنبيه لاشياء ونقاط لا يلتفت لها الا القليل من المتابعين .

    • زائر 4 | 11:47 م

      شكرا

      مقال غاية في الروعة. تعجبني تحليلاتك وتتبعك للاخبار وطريقة تحليلها والاستنتاجات التي تتوصل لها . شكرا للوسط التي تتحف قراءها بالمفيد وليس كما يفعل آخرون من ترويج الهراء

    • زائر 3 | 11:08 م

      الوضع هكذا والمشاكل كثيرة ماذا لوصح مادكرته ايها الكاتب المتخصص

      سيكون لإيران حضورها نتمنى أن يكون هناك ضمانات لدول الخليج العربي بان يكون هناك ايضا اتفاقات أمنية وسياسية واقتصادية ليكون الخير يعم الجميع

    • زائر 2 | 11:07 م

      كالعادة

      تحليل اكثر من رائع...

    • زائر 1 | 9:54 م

      الحق

      في الابتدائية قرأت بحثا حول الحق. كان يصنفه تحت عناوين: الحق و القانون. الحق و المنطق. الحق و العرف الاجتماعي. الحق و العدالة. الحق و القوة. عندما كبرت تعلمت بان الحق لا يتحقق الا بالقوة. اذا لم تكن قويا التهمتك القرش. كل هذا اللف و الدوران حول الموضوع النووي لم يكن يحقق لو كانت ايران ضعيفة.

اقرأ ايضاً