العدد 4613 - الجمعة 24 أبريل 2015م الموافق 05 رجب 1436هـ

الشاعر السماهيجي في شهادته الإبداعية: ذلكم هو الشِّعر

حسين السماهيجي
حسين السماهيجي

تحدث الشاعر حسين السماهيجي مساء الإثنين (20 أبريل/ نيسان 2015)، ضمن موسم «شهادات إبداعية في التجارب البحرينية» التي تنظمها وجود للثقافة والإبداع بالتعاون مع دار فراديس للنشر والتوزيع، عن تجربته الشعرية، مؤكداً في البدء أن التجربة لا تعطي أحكاماً قطعية؛ بل هي احتمالية فحسب، ثم تعرَّض للحالة الشعرية ورؤياه بشأن القافية بالقول: «الحالة الشّعرية... أيتها الصديقات والأصدقاء، تثير لديّ أسئلةً وشكوكاً تجعلني - في كثير من الأحيان - أشعر بهيجان من ذلك النوع الذي يُشْبِهُ ما تراه من سكران خرج على وجهه هائماً في الطرقات يفتّش عن بحرٍ يريد إدخاله في جيبه. وربّما وجد أداةً حادّةً تليق بأن يغرسها في متن هذا الجدار، ثمّ تبقى شاهداً على أنّ أحداً ما قد مَرَّ من هنا ذات يومٍ وطلب من الجدار أن يكون شاهداً عليه وشهيداً.

الحالة الشّعرية تتجاوز المعطى الأوّليَّ للفهم والإدراك. فإذا كان صديقي المجنونُ قد هتف قبل أكثرَ من ألفٍ ومئتي عام «ولكنْ، أين هي ليلى؟»؛ فإنّ ذلك يعني أنّه كان يعايشُها في لحظة الغياب.

إنّها تغيب عنه، ولكنْ تحضر فيه.

ليلى هذه استعارت رمزيّتها من القصيدة. لن تُدْرَكَ القصيدةُ إلا باعتبارها غائباً يستحقّ الصلاةَ لأجله. إنّها القادم من عالَم الغيب. وكلُّ ما يتصوّره البعضُ من وجود الميكانيكية والآليّة حال الكتابة فهو تعبيرٌ عن قصور في إدراكها، وما ستكون عليه باعتبارها مخلوقاً متنزِّلاً من المجهول/الغامض/السّحري... إلخ».

وعن القصيدة يسترسل:»القصيدة هي قيامةُ الشّاعر. إنّها لحظة البدء في سفرٍ طويلٍ ممتدٍّ، وَقَعَ على أمشاجه من مشاهداتٍ وأحلامٍ ولغاتٍ اختَمَرَت لدهور متمادية في هذا الكائن المتعلِّق بطرفٍ من الوحي فيما هو مأخوذٌ بفتنة اللغة وسِحْرِ الصّور ذات التكوينات المدهشة والمتناسلة لتتجلّى قبل قيامتها في الرُّؤيا. لذلك؛ فالشّاعر حالمٌ عظيم. الحلمُ انكشافٌ يذهب بهذا الكائن إلى الشّعر باعتباره أفقاً مفتوحاً؛ وإلى القصيدة باعتبارها تحقُّقاً ماديّاً. أمّا هذا الحالمُ العظيم، فله أن يكون السّببَ المتّصلَ به هذا العالَمُ المتخلِّقُ طوراً بعد طور».

وبشأن نظرته الفردية للنص: «أنظر إلى النَّصِّ لا باعتباره متعلِّقاً بالآنيّ الزمني ولكنْ باعتباره نموذجاً من الخلق لا يكفّ عن التّشكّل. ولهذا، فإنّ الشّكل غير قابل للاندثار. إنّه كامنٌ بانتظار قيامته الخاصّة من خلال الشّاعر/الكاتب. ولكنْ، هل يعني ذلك أنّه واحدٌ في تجليّاته النصيّة. الإجابة هي بالنّفي. فمهما كان النموذج - وأنا، بالطبع، أعني النّصوص المضيئة - الذي ينكتب من خلاله النَّصُّ يبدو للوهلة الأولى متكرِّراً ظاهريًّا، إلاّ أنّه في العمق مختلف. فالموضوع، بتفاصيله الحميمية، ليس هو الموضوع. والعاطفة ليست هي العاطفة. بل، والإيقاع بمختلف تمظهراته ليس هو الإيقاع. بل من المستحيل أن تجد نصّين مضيئين متماثلين. ومن هنا، فإنّ زمن الشّعر يظلّ متعالِياً. كما أنّ وقائع الشّعر/نصوصه هي التي تُخلِّق زمنَه وتمنحُه أفقَه المنحني. وهذه الصّفة تؤشِّر، مرة أخرى، إلى مخاتلةٍ يمارسُها النَّصُّ - والشّكل معه بالضرورة - كي يخبرَك عن عودته الدّائمة والأبديّة. هنا، أشير مجرّد إشارة إلى مفهوم «قصيدة الشّعر» الذي أخذ في التّبلور منذ تسعينيات القرن الماضي. وأخذ، من ثَمَّ، يتمدّد في مفاصل الحركة الشعرية العربية المعاصرة غامراً بمياهه جغرافيَّاتٍ شعريَّةً أصابها اليباب ونالَ من أسمائها الوَهْن. ولي أن أشير، أيضاً، إشارةً عابرةً إلى الأفق الشّعري المغاير الذي أخذ في التشكّل مع التسعينيّات العتيدة نفسها، ومع الأسماء التي بدأت بالخروج والتّناسل.


... ومنى الصفار: «فخ وثلاث قطط»

تحدثت الشاعرة منى الصفار مساء الثلثاء (21 أبريل/ نيسان 2015) ضمن موسم «شهادات إبداعية في التجارب البحرينية» التي تنظمها وجود للثقافة والإبداع بالتعاون مع دار فراديس للنشر والتوزيع، عن تجربتها الشعرية مروراً بحياتها وبدءاً من تغلغل الشعر لقلبها: «الحياة طيبة جداً، سخية جداً، وفاتنة حد أن تشبه نجوم السينما. الحياة البلاستيكية التي تعرفها تماماً. باهتة جداً وجميلة جداً، الأمر يشبه وقوعاً صامتاً في الفخ، ثم وقوعاً صاخباً آخر.

ثم أن تسير على حد التجربة متلصصاً على تجارب أخرى، وأن تكون لزاماً مصاباً بالشعر، لتصبح شاعراً، أن تكون كما تشاء لك الفكرة مصاغاً بإلهام ما.

ويكون الملهم في الأمر هو أنك تستطيع تحويل العالم الكئيب والمحدود، الأزقة الضيقة التي تعرف بها المنامة، البيت القديم المتهالك بغرفه القليلة وسكانه الكثر لمساحة كافية للعب، الجري، إطلاق الأطفال، الحلم والطيران.

إن لم تكن هذه أولى القصائد التي جرتني لها بفتنة فلا أعلم ما يمكن أن يتحول لقصيدة. ملابسي المخجلة مثلاً، كانت تشبه تلك الفساتين البراقة، بأكمام منتفخة، شعري المجعد مثلاً كان مالساً منسدلاً وطويلاً، كنت أحلم، وعندما أمسكت بالقلم مبكراً صرت أرسم فتياتٍ جميلات، لا يشبهنني في شيء، أنا التي كنت موصومة بسمرتي وبأنني «عادية» عرفت حينها أن الحلم باب القصيدة الأول. إن أول ما تسلل من الشعر لقلبي كان هزج والدتي بقصائد ملا عطية الجمري التي كانت تحفظها عن ظهر قلب، وتترنم بها كثيراً بصوت ناعم شجي، ومنها عرفت أن للكلام فتنة، وأن للحب فتنة، وأننا نولد مشغولين بالفتنة أحياناً من دون أن نعي.

القصائد الحسينية بغنائيتها وتركيباتها البسيطة وشجوها وشجنها كانت بوابة أخرى في البيت الذي كان فريسة الثورة الثمانينية فلم تتسلل له الموسيقى إلا من هذا الباب، الرتم الرتيب في اللطم على الصدر. في الشجو المصاحب، في القصائد المتفاوتة، في اللحن الجنائزي المتميز الذي تعرفه زرانيق المنامة وشوارعها جيداً».

وعن المفهوم السائد للشعر والتحولات تقول: «الشعر كان بمفهومه السائد في بيتنا هو العمودي، هو اللحن المقفى، والكلام الموزون بدقة، والحسيني لزاماً. فبقية المشاعر الإنسانية لا تعدو كونها بوابة أخرى لدخول جهنم التي كان والدي يسعى جاهداً ليقينا إياها «قو أنفسكم وأهليكم ناراً».

وفي الوقت الملائم تماماً استجبت للشعر الذي كان يدعوني طويلاً طويلاً ويقف متلصصاً على حياتي في مراحلها المختلفة.

إن أول كتاب وقع في يدي لقصيدة النثر كان «هذي أنا القبرة» للجميلة إيمان أسيري. وإن كتاباً من هذا النوع ما كان ليقع في يدي لو أنها لم تكن مدرسة زميلة لوالدتي في ذلك الحين. فكان هذا هو الفخ الحقيقي الأول. لأقع عند باب التجريب، ولأكتشف أن في الحياة عالماً مغايراً للذي تضج به مكتبتنا الكبيرة.

وعلى رغم مرور السنوات بقيت الجزئية المتعلقة بالخيال في حياتي دائماً تمنحني حياة أخرى دائماً أجمل من تلك التي أعيشها حقاً. كأن أصبح الكائن العدمي، الذي لا يخضع للمتعارف عليه من فلسفة دارجة من خطوط ومعانٍ وصور محددة تضعني في المربع الصحيح في الوقت الخطأ.

في المرحلة الثانوية وبنزق الشباب كانت مدرستي للغة العربية في سنتي الأولى الشاعرة فاطمة أحمد التيتون، التي دفعتني لفخ آخر عندما تعرفت عليها وعلى تجربتها عن كثب. كعادة المراهقات كنت معجبة جداً بها أنا التي يشدني المختلف دائماً، تتأنق وتتجمل بينما في المقابل نجد المدرسات اللاتي يأتينا بالأبيض والأسود. محاولاتي في الكتابة حينها كانت لأجل اجتذاب انتباهها، حتى تخرجت من المرحلة الثانوية وأصدرت إصداري الأول في العام 98 مشتركاً مع الصديقة سوسن دهنيم بمباركتها ومساعدتها.

لاأزال أتذكر قول الشاعرة فاطمة التيتون موصيةً ألا يكون هذا إصداري الأول والأخير، وألا أنتظر سنوات عجافاً لأخوض تجربة النشر من جديد، إلا أن هذا ما حدث. فكان العالم بانتظاري لأتوقف جزئياً عن الخوض في غمار الشعر وأتشتت في الكثير والممكن واللاممكن مأخوذة بالحياة، في خصام مع الخيال والمتخيل. وعلى رغم ولعي الشديد بالكتب الا أنني مررت بحالة ركود تام لما يربو على عشر سنوات. جمعت فيها نصوصاً كنت أفكر في طباعتها تحت عنوان «الخطايا» في العام 2006. حتى قررت في العام 2012 التفكك من هذا الواقع الذي أثير به كثير من الغبار من ربيع وخريف وسواه، وفتحت الباب لفخ آخر جرني من أقدامي العارية فكان كتابي الثاني الذي خرج متأخراً محملاً ثقل البيات الطويل، والسنوات المتباعدة، وعدم التواجد في المشهد الثقافي لسنوات.

لكنني أعرف جيداً أن الشعر غواية، أنني المأخوذة بنزار، محمود درويش، قاسم حداد، عماد أبوصالح، رياض الصالح حسين... كل على حدة، وكل في حقبة مختلفة تماماً مأخوذة أيضاً بما قدمته الأجيال التالية، ممن سبقني، جيلي، والجيل الجديد من الكتاب المتعددي التوجه، والمتمكنين من إمساك الخيوط بنضج مبكر. وأنا أحاول جاهدة أن ألحق بهم بإمكاناتي، واثقة أن التجريب مهم بحد ذاته».

العدد 4613 - الجمعة 24 أبريل 2015م الموافق 05 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً