العدد 4617 - الثلثاء 28 أبريل 2015م الموافق 09 رجب 1436هـ

قوارب الموت والنفاق الأوروبي

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

شغلت قضية إنقاذ اللاجئين البؤساء في عرض البحر الأبيض المتوسط مؤخراً اهتمامات وسائل الإعلام العالمية، كما أثارت زوبعة من القلق لدى قادة الاتحاد الأوروبي، بيد أنها لم توقظ ضمائرهم بعد! فهم كما تعودنا يتفقون بسرعة البرق لاستصدار قرارات الحظر والمقاطعة والحرب والعدوان على الشعوب وبلدانها بحجج وأسباب لها أول وليس لها آخر، بينما يقاربون هذه الكارثة الإنسانية بشيء من الأنانية والاستهجان، ويبحثون عمّا يخصهم ويمسّ أمنهم ووجودهم، أما ضحايا الغرق والفقر والحروب فإنهم يقعون فريسة لقراراتهم ومواقفهم الاستشراقية ونظرتهم الاستعلائية.

تبعاً لإفادة «منظمة العفو الدولية»، بلغ عدد ضحايا الهجرة غير الشرعية إلى السواحل الأوروبية بالقوارب نحو 23 ألفاً، فيما تفيد تقارير أخرى حديثة أن عدد الغرقى وصل إلى ألف مهاجر، أثناء رحلتهم إلى جنوب إيطاليا. أما المفوضية الأوروبية فأشارت في بيان لها هذا العام بدخول 276 ألف مهاجر غير شرعي إلى دول الاتحاد الأوروبي، ما أدّى إلى ارتفاع أعداد اللاجئين وتزايد مشكلاتهم.

ممثل «المنظمة الدولية للهجرة» جويل ميلمان، توقّع بدوره أن حصيلة القتلى مع نهاية 2015 قد تتجاوز الـ 30 ألف قتيل، مقارنةً بالحصيلة الحالية. وعليه، قد تبدو الأرقام متباينة وغير دقيقة، لكنها حتماً مخيفة، وتجمع على أن أعداد ضحايا الهجرة في ازدياد مطرد.

خطوات استباقية

إن التعاطي مع هذه المأساة والكارثة الإنسانية، كشف الغطاء عن نفاق الدول الأوروبية، لاسيما في خطوتهم الاستباقية التي عقدوا فيها قمة طارئة في بروكسل مؤخراً بعد غرق 800 مهاجر على متن سفينة انطلقت من ليبيا. وقد تباحثوا في المشكل واتفقوا على مضاعفة تمويل عمليات البحث والإنقاذ ثلاث مرات، إلا أنهم اختلفوا حول استضافة المهاجرين الذين يصلون إلى أراضيهم، وكيفية التعامل معهم، فألمانيا وبريطانيا من أبرز المطالبين بوقف عمليات الإنقاذ الايطالية باعتبار إنها تشكل «عامل جذب» يزيد من تدفق المهاجرين، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل شدّدت على ضرورة التحرك السريع لتدارك كوارث كهذه من باب الحد من تدفقهم، ولا مانع لديها من مضاعفة ميزانية مراقبة الهجرة غير الشرعية في البحر المتوسط.

رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون المقبل على انتخابات مصيرية في 7 مايو/ أيار المقبل، يستغل هو الآخر الموقف في عمل دعاية انتخابية، ويشدّد على استعداده إرسال إحدى أهم بوارج الأسطول البحري الملكي «لمتراس اش ام اس» إلى البحر المتوسط مع مروحيات وسفن دوريات، وهو مستعدٌ لإنقاذ الأرواح شرط أن يرسل من ينقذهم إلى أقرب بلد غير بريطانيا طبعاً.

أما رئيس فرنسا فرنسوا هولاند فذهب إلى الأبعد، بالسعي لطرح مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يجيز تدمير قوارب تهريب المهاجرين غير الشرعيين في المتوسط، وأنه سيبحث ذلك مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، موضحاً أن ذلك «لا يعني القيام مجدّداً بتدخل عسكري في ليبيا كما حدث في العام 2011، خصوصاً وإن حرب الناتو الأطلسية التي شنت عليها –أي ليبيا- بتغطية من مجلس الأمن والتي يتجنب الأوروبيون الإشارة إليها، كان لها دور رئيسي في خلق هذه الفوضى وانتشار الحرب الأهلية التي دفعت بهؤلاء المهاجرين في قوارب الموت إلى أوروبا، وهي التي اعتبرها الروس تجاوزواً للغرب في تدخلهم العسكري.

خطة حرب معلنة

في قمة النفاق والمراوغات الأوروبية، نوقشت «خطة عمل» التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين، وقد اعتبرها البعض «خطة حرب» معلنة، ومن أبرز محاورها، القيام بجهد منهجي لإمساك وتدمير السفن التي يستخدمها المهربون، فضلاً عن رفع مستوى التعاون مع دول «الطرف الثالث» لعبور اللاجئين، وتمكينها من إيقاف عبورهم إلى أوروبا، وهي تمثل تونس ومصر ولبنان والأردن والنيجر، التي يعمل الأوروبيون فيها على مشروع تجريبي لإقامة معسكر تجميع للاجئين، ما يعني استهداف المهربين وتكفيك منشآتهم في موطنها، وضرب سفنهم المُعدّة لنقل المهاجرين عند مراسيها في ليبيا، حتى أن مسئولاً أوروبياً لم يُخفِ امتعاضه من ذلك، حيث علّق على هامش القمة قائلاً: «إن إطلاق عملية عسكرية لا يشكّل استجابةً لمآسي الغرق التي تقتضي أولاً حالة طوارئ إنسانية، هناك أشياء كثيرة كان يمكن عملها لإيصال رسالة بأننا سنتحرك مباشرة لحماية الأرواح، لكنهم يريدون قصف القوارب. وهذا جنون».

في سياق حوارات «خطة العمل»، تركّز النقاش حول جمع معلومات استخباراتية بشأن تدفقات الهجرة وتسريع إنشاء مخيمات اللجوء خارج أوروبا، خصوصاً المشروع التجريبي في النيجر. وهذا ما اعتبره محللون نفاقاً أوروبياً لتحقيق أهدافهم في مكافحة موجات اللجوء وردع اللاجئين، لاسيما مع تباين آرائهم بشأن اقتراح رئيس المفوضية الأوروبية بأن يشمل برنامج الخطة استضافة «10 آلاف لاجئ على الأقل». وقد صرّحت فرنسا بتحمل قسطها من ذلك، باستضافة 500- 700 لاجئ سوري. وأشارت بريطانيا لاستقبالها أقل من 150 لاجئاً سورياً، فضلاً عن أن مشاركتها في العمليات لا يعني منحها حقّ اللجوء في أراضيها لمن تنقذهم قطعها البحرية. كما أن دولاً أخرى رفضت أي مشاركة، علماً أن توطين اللاجئين في أوروبا قد سجّل أرقاماً ضئيلة و»معيبة» حسب منظمات حقوقية.

دعهم يغرقون

«خطة التحرك» أيضاً لم تتضمن أي إعلان عن عمليات إنقاذ جديدة، على رغم أن الاجتماع الطارئ عُقد في الأساس تحت يافطة التحرك السريع لإنقاذ الأرواح. وفي حقيقة الأمر، هذا التحرك لم يكن ليكون لولا المشكلات المتولدة عن تدفق المهاجرين وتفاقم مشكلاتهم الأمنية والاقتصادية التي جعل من بعض الدول الأوروبية تبحث عن حلول تُبعد عنها نار الفوضى المتحركة من ناحية الجنوب، وما خلّفته الحروب خصوصاً من بوابة ليبيا المفتوحة على صراعات القبائل وتنامي «الإرهاب الداعشي» وتجارة الأسلحة والبشر بعد حرب «الناتو» عليها.

الخلاصة... صحيحٌ أن لظاهرة قوارب الموت أسباباً متفرعة ومتشابكة ومعقدة، إلا أنها تمثّل شكلاً فاقعاً لخطايا السياسات الأوروبية، والأسوأ منها سياسة «دعهم يغرقون».

الأزمة لا يمكن تجزئتها، فهي تبدأ من الفوضى التي خلقتها الدول الكبرى في المنطقة والتي تعد أكبر المحركات التي أنتجت وضعاً غير إنساني، دفع باللاجئين الهاربين من ويلات الحرب ومن البطالة والعوز، ومن تداعيات العولمة المتوحشة ومخلفات الأنظمة الدكتاتورية والشمولية في بلاد المهاجرين التي انتشر فيها وباء الفساد وشبكات التهريب.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4617 - الثلثاء 28 أبريل 2015م الموافق 09 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:27 ص

      فشل حقيقي

      الفشل الحقيقي هو السبب في وقوع مأساة القوارب التي تجتاز حدود أوروبا لغرض العيش الأفضل
      وشكراً للكاتبة على هذا التحليل

اقرأ ايضاً