العدد 4620 - الجمعة 01 مايو 2015م الموافق 12 رجب 1436هـ

السياسات الاقتصادية تخلق المزيد من اللا مساواة

في مناسبة عيد العمال العالمي:

عبدالله جناحي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أمام الأزمات الاقتصادية المتلاحقة وآخرها انخفاض أسعار النفط، فإن المطلوب إعادة النظر في السياسات الاقتصادية المعتمدة في جزء كبير منها على الاقتصاد الرأسمالي (النيوليبرالي)، حيث تبين إنها وراء مثل هذه الأزمات الدورية، حيث ما أن تنتهي أزمة تلحقها بعد سنوات أزمة اقتصادية أخرى.

ومن يبحث عن الرأي الآخر في الولايات المتحدة الأميركية والتي هي المدافعة الأولى عن مثل هذه السياسات والتي تعمل من خلال المنظمات المالية والنقدية العالمية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي فرضها على جميع الدول النامية، فإنه يكتشف أن هناك دعوات جادة من قبل مفكرين اقتصاديين أميركان لإعادة النظر في مثل هذه السياسات داخل الولايات المتحدة الأميركية نفسها.

ففي كتابه «كيفية مساهمة انقسام المجتمع حالياً في تعرض مستقبلنا للخطر» للمؤلف الأميركي جوزيف ستجلر، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد العام 2001، يدعو إلى إنقاذ الأمة الأميركية التي في طريقها للانهيار ـ حسب اعتقاده ـ وذلك من خلال إعادة النظر في السياسات الاقتصادية النيوليبرالية. ويرى أن هذه السياسات قد أفرزت ما يسميه (مشكلة 1 في المئة الأميركية)، ويقصد بذلك أن 1 في المئة من الأميركان يمتلكون أغلب الناتج المحلي الإجمالي الأميركي، ويذكر الرأي العام بمفهوم اقتصادي معروف والمتمثل في أن نجاحاً اقتصادياً معيناً يقاس بماذا يحصل لرفاه أغلب المواطنين خلال الزمن.

ويكشف المؤلف عن التراجعات في الاقتصاد الأميركي، وخصوصاً في بعض المكتسبات التي كانت يحصل عليها ذوو الدخل المنخفض، وإن أغلب النمو في الدخل الأميركي تحقّق حديثاً ضمن الفئات الأغنى، ولذا تعمق سوء توزيع الدخل، وإن أوضاع الطبقات الوسطى والفقيرة حالياً هي أسوأ مما كانت عليه في بداية القرن، وأن سوء توزيع الثروة أعمق من سوء توزيع الدخل. وعليه خلقت ظاهرة المجتمع غير العادل حيث يشير بأن لدى الولايات المتحدة نظام يوفر قوة منظمة لأولئك الذين يتمتعون بأعلى 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ليس فقط ليحدّدوا نمط التوزيع لصالحهم، بل ليضعوا قواعد اللعبة لصالحهم من خلال الاحتكار وإعادة توزيع السلع العامة لصالح من هم في القمة.

ويحلل الكتاب أسباب هذا الاحتكار والتفاوت الطبقي، حيث أن أكثر القدرات من هم في فئة 1 في المئة هي قدرات موروثة من المستوى التعليمي المتطور من الوالدين، وبالتالي لا يعكس جهداً مكتسباً، ويؤكد بأن المصدر الرئيسي لعدم المساواة هو سوء الإدارة الاقتصادية الكلية، حيث إن الفقاعات المالية التي تتحقق من حين إلى آخر تعطي وصفاً مؤقتاً لتنامي الثروة، إلا إنها سرعان ما تزول وتساهم في تعميق ظاهرة الفقر، وبالتالي تعميق ظاهرة عدم المساواة مستقبلاً، وهذا بدوره يؤدي إلى بروز خطر على الديمقراطية الأميركية. ويرى بأن النظام الديمقراطي القائم على صوت لكل فرد ينتج عنه هذا البون الشاسع في التوزيع والمتجسد في ملكية 1 في المئة من السكان بأكبر قدر من الثروة والدخل، وقدرة هذه النسبة القليلة جداً على تشكيل المصالح والسياسات، بمعنى أن المصوتين في الانتخابات يصوتون ضد مصالحهم، أي لصالح 1 في المئة، وذلك من خلال قدرة هذه القلة على التلاعب بالعقول عبر إعلام موجّه للرأي العام يتم فيه استغلال الاعتبارات الدينية والثقافية والايدلوجية لضمان التصويت لصالحهم.

ويوضح الكتاب بأن عدم المساواة ساهم في تآكل دور القانون، حيث تحوّلت مضامين ونوعية القوانين المصممة لإدارة الاقتصاد من مضمون «العدالة للجميع» واستبداله بقول «العدالة لمن يتحمل تكاليفها».

وعند تحليله للموازنة العامة يكشف جوزيف ستجلر أن اتجاه الواحد في المئة هو تخفيض الأجور والإنفاق، حيث يعتقدون بأن ذلك سيساهم في إصلاح الموازنة دون أن يدعموا مقولتهم هذه بالإثباتات المطلوبة. ويؤكد أن خفض الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع معدل البطالة سيؤديان إلى انخفاض العوائد الضريبية، ورغم أن نظرة هؤلاء القلة بأن خفض الأجور سيرفع من الأرباح، إلا أن خفض الأجور سيقلل من طلب القطاع العائلي ويساهم في تعميق الكساد، وبالتالي المزيد من البطالة، وسيؤدي ذلك إلى عدم قدرة القطاع العائلي على دفع الأقساط للبنوك بفعل انخفاض الأجور، بل الأمر يصبح أكثر سوءًا إذا ما ترافق مع خفض الأجور خفضٌ في الإنفاق العام.

وهناك أسبابٌ أخرى لخفض الأجور، فمع أن الأجور باعتقاد معظم الناس هي المصدر الرئيسي للدخل، إلا أن السياسات الاقتصادية الكلية، والسياسة النقدية خصوصاً، يساهمان في زيادة البطالة وخفض الأجور، وإن سبب فشل النظريات الاقتصادية المطبقة ليس في طريقة ممارستها كما يعتقد 1 في المئة إنما السبب في غياب آليات تضمن المساواة في التوزيع، وأن الحل في ضرورة تغيير الترتيبات المؤسسية التي من خلالها يتم اتخاذ القرارات، وأن إدارة نظام مؤسسي من قِبَل قلةٍ من المصرفيين العاملين لمصالحهم سوف يعمق من اللامساواة في التوزيع.

وينهي المؤلف كتابه بتقديم مجموعةٍ من الحلول أهمها: خفض الإنفاق العسكري، وفرض ضرائب على الأغنياء، والتخلص من الثغرات القانونية في أنظمة الضرائب، والاستثمار المكثف في التكنولوجيا والتعليم والبيئة والبنية الأساسية، مع سياسات لكبح إساءة استخدام التمويل، ومساعدة المستهلكين والعاملين وضحايا التمييز، ومحاربة عدم الإنصاف الناتج من العولمة، وزيادة الإنفاق على الخدمات الصحية والتعليمية، وإعادة النظر بالقوانين التي تتحيز للأثرياء.

ويرى الباحث في المعهد العربي للتخطيط أحمد الكواز الذي قام بتلخيص هذا الكتاب ونشره في مجلة المعهد، أن هذا الكتاب يمثل أحد أهم الكتب الموجهة ضد الاعتقاد النيوليبرالي الديمقراطي الذي يرتكز على «دعه يعمل دعه يمر»، كمقولة للسياسات التي يؤمن بها الجمهوريون، وأن هذا الاستقطاب الاجتماعي ما بين الأغنياء والفقراء سببه تأثير القوة السياسية لمن يملك المال، من خلال توظيف التشريعات والقوانين المنظّمة لعمل المجتمع والاقتصاد لصالح المالكين لهذه القوة. ورغم أن العوامل الاقتصادية تلعب دوراً في استقطاب توزيع الدخل، إلا أن السياسة هي التي تشكّل الأسواق حالياً في الولايات المتحدة الأميركية.

إن رسالة هذا التحليل الاقتصادي تتلخص في أنه لا يوجد اقتصاد كبير مثل الاقتصاد الأميركي يمكن أن ينهض من الكساد اعتماداً على سياسات التقشف، حيث أنه كلما اشتدت فجوة سوء توزيع الدخل وعدم المساواة، كلما أدى ذلك إلى تدهور الاقتصاد وتراجعه، وذلك من خلال حقيقة أن التدهور في الطلب، بفعل سوء توزيع الدخل، يساهم في خفض معدل النمو، وإن تركز الدخل في 1 في المئة من السكان من شأنه أن يخفض الطلب، ومن الأمثلة الواضحة لخلق البحث عن الريع لهذه القلة من السكان المكافآت الضخمة لأعضاء مجالس الإدارات بالشركات الكبرى، وعلى حساب حَمَلَة الأسهم، والعاملين. كما يرى بأن عدم المساواة السياسية ينتج عنها عدم مساواة اقتصادية، وهو الرأي الذي يتبناه كل من الاقتصاديين «اسيميجلوا» و»روبنسون»، في كتابيهما المعنون «لماذا تفشل الأمم؟»، لذا يدعو إلى إعادة توزيع للقوة السياسية لصالح الفئات الأفقر من خلال تقوية القوة التفاوضية للمواطنين والعاملين، ومن خلال دور قوي للدولة الذي يضمن عدالة توزيع الفرص، والعمل على إزالة مصادر التمييز ما بين المواطنين والعاملين، والعودة للسياسات القائمة على النمو المرافق لعدالة التوزيع (النمو العادل).

وما يؤكّد كل هذا التحليل هو ما ورد في تقرير منظمة «أوكسفام» بعنوان «الثروة: امتلاك كل شيء وهل من مزيد!»، والذي كشف عن تفاقم حالة عدم المساواة في العالم واتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء، وهذه المنظمة عادةً ما تصدر تقاريرها الدورية قبل انطلاق المؤتمر السنوي لمنتدى الاقتصاد العالمي الذي انعقد هذا العام في 21 يناير/ كانون الثاني في دافوس بسويسرا. وقد كشف هذا التقرير الاقتصادي المهم أن من يسعون لتطبيق المزيد من سياسات الليبرالية المتوحّشة لتحقيق المزيد من الأرباح والثروات، هم من يخلقون المزيد من الفقر واتساع الهوة بين الغني والفقير، من خلال اكتناز الثروات في يد قلة قليلة من الرأسماليين، وتعمل على إزالة أية حواجز قد تضعها دول العالم الثالث للاحتفاظ بثرواتها في بلدانها.

وقد أكّد التقرير ما ورد في كتاب جوزيف ستجلر تماماً، بأن مأساة الفقر سببها الهوة بينه وبين الغني، حيث إن 1 في المئة فقط من سكان الكرة الأرضية لديهم ثروة تساوي تقريباً كل ما لدى 99 في المئة من البشر (ستة مليارات وتسعمئة مليون نسمة)، وإن الموقف أكثر بشاعةً إذا ما علمنا أن ثروة أغنى 80 فرداً في العالم العام 2014 كانت تعادل ما لدى ثلاثة ونصف مليار إنسان بعد أن كان يستأثر بهذا النصيب ما يقارب من 400 فرد في العام 2010.

إن كثرةً من السياسات الاقتصادية في دولنا العربية، ومنها البحرين، تتشابه مع هذه السياسات التي حلّلها هذا الكتاب والتي أدت إلى توسيع طبقة الفقراء، وانحلال تدريجي للطبقة الوسطى، وتركيز الثروة للقلة من الطبقة الغنية. والمطلوب هو خلق شروطٍ أفضل لعولمة الجنوب المتحيّزة للفقراء والصناع الحقيقيين لثروات العالم.

إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"

العدد 4620 - الجمعة 01 مايو 2015م الموافق 12 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 6:17 ص

      لو

      حكومة البحرين اهتمت بالاقتصاد كزراعة الخضروات والتمر مثل زمان اول كانت البحرين اصدر لدول الخليج الحكومة لاتفكر الى فى مشاريع دفن البحر وبناء العمارات لهادا اذا جائت مشكلة نزول البتررول تتحير فى الميزانيه والمشكلة العظيمة الي حلت على هاده البلد الصغير تجنيس 120 الف فى هاده البلد الصغير يعنى البحرين بهادى السياسة راح تدمر البحرين والاقتصاد الاقتصاد يبليه رجال يعرفوون الى الاقتصاد المشتكى لله وقاتل الله الجهل

اقرأ ايضاً