العدد 4633 - الخميس 14 مايو 2015م الموافق 25 رجب 1436هـ

ما أرادت الشعوب طرحه

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

لو سُئلت شعوب الأمة العربية، ومن ضمنها بالطبع شعوب دول مجلس التعاون الخليجي، عمّا كانت تودُّ أن يطرح في اللقاء الأميركي - الخليجي في «كامب ديفيد» لأدرك الذاهبون إلى ذلك اللقاء مقدار التغيير الجذري المطلوب لتعديل جدول أعمال ذلك الاجتماع.

فالشعوب العربية تريد تشخيص وعلاج أمراض العلاقة العربية – الأميركية المزمنة الخطرة، وليس الاكتفاء بالإشارة إلى أعراض تلك الأمراض في هذه الساحة أو تلك، ومحاولة تخفيفها بالمهدّئات والمسكّنات المؤقّتة.

والسبب هو أن أميركا كانت ولازالت تصرُّ على أن تكون في علاقتها مع العرب سرطاناً خبيثاً ينهش في أعضاء الجسم العربي الحيوية، سنةً بعد سنة، في ساحة بعد ساحة، بأشكال ظاهرة وخفيّة، بحروب مباشرة وبحروب بالوكالة، وذلك من أجل إضعاف ذلك الجسم وتدمير كل أنظمة مناعته وكل إمكانيات تعافيه ونهوضه.

يشهد على تلك الهجمة السرطانية الأميركية تاريخ أسود: من الدعم الأعمى المتحيّز اللاإنساني، المالي والعسكري والسياسي والإعلامي، للعدو الصهيوني في فلسطين المحتلة، وانتزاع قضية الشعب الفلسطيني من أيادي مؤسسات المجتمع الدولي لتصبح لقمة سائغة في يد اللوبي الصهيوني الأميركي، إلى الوقوف المتآمر ضد أي فكر أو عمل سياسي قد يؤدّي إلى توحيد الأمّة العربية المجزّأة، إلى التدخل في شئون مجتمعات العراق وسورية وليبيا واليمن وغيرها، إلى أشكال لا حصر لها ولا عدّ من الأدوار التي لعبتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وأخواتها في إثارة الفتن والصّراعات الطائفية والقبليّة والأيدلوجيّة والسياسية في كل أرض العرب، إلى المواقف الحالية الغامضة المتردّدة المتقلّبة المشبوهة المكيافيلية من الظاهرة الداعشية ومشاريعها، في كل الأرض العربية ولكن العراق وسورية على الأخص.

هل سيطرح الذاهبون هذا التاريخ الأسود ويطالبون بصراحة تامة إيقاف مسلسلاته المأساوية الانتهازية، أم سيضيعون في تفاصيل الحلف العسكري الخليجي – الأميركي القادم الذي تعرف الشعوب جيداً، بخبرة تاريخية طويلة، بأنه لن يكون أكثر من حلف المغلوب على أمره مع الثعلب الماكر الكذّاب؟ ألم يلعب هذا الثعلب ذاته مع أشكال من المغلوبين على أمرهم الآخرين اللعبة نفسها، فيسقط أنظمتها الشرعية التي لا تعجبه، ثم يرميها بقايا حطام لتقضي السنين الطوال في استرداد عافيتها؟

هل الهدف من المطالبة بطرح أسباب وعلاج العلاقات العربية – الأميركية المريضة هو صرف النظر عن السبب الرئيسي لعقد اجتماع «كامب ديفيد»؟ بالطبع لا، فنظام الحكم الإيراني ارتكب ويرتكب الكثير من الأخطاء والخطايا في بعض السّاحات العربية، كما أن بعض الأنظمة العربية جعلت من تلك الممارسات الإيرانية الخاطئة غطاءً لجرّ العرب إلى صراع سنّي – شيعي طائفي مجنون، سيحرق الأخضر واليابس في بلاد العرب وكل بلاد الإسلام.

لكن هل إن مكان مواجهة المشاكل والصّراعات العربية – الإيرانية، التي تقترب شيئاً فشياً من حالة المأساة التاريخية لكلا الأمتين، هل هذا المكان هو «كامب ديفيد» وتحت الجناح الأميركي الذي أهان وأنهك الأمتين في مناسبات كثيرة؟

وإذاً ما هو دور منظمة الدول الإسلامية إن لم يكن إطفاء حرائق الجنون بين بعض أعضائها وتجييش كل أعضائها الآخرين لحلّ المشاكل والصراعات من خلال مبادئ الدين المشترك والجيرة الجغرافية والتاريخ المشترك والمصالح المشتركة؟ أليس المفروض أن تجري محاولة إنهاء هذه الصراعات العبثية في إحدى عواصم بلاد العرب أو بلاد المسلمين وأن يكون الوسطاء من الغيورين على مستقبل العرب والمسلمين؟

ثمّ لنفترض حدوث الجانب الأسوأ، وهو عدم قدرة العرب والإيرانيين على حلّ مشاكلهم بالحوار وبالحسنى، وبالتالي لابدّ من المواجهة المانعة لانتصار جهة ما على جهة أخرى، فهل ستكون المواجهة الأجدى من خلال شراء المزيد من الأسلحة الأميركية وقبول المزيد من التواجد العسكري الأميركي؟ أم أن الأجدى هو بناء نديّة عربية رادعة بشرية واقتصادية وسياسية وأمنية، تبدأ على المستوى الخليجي وتصعد إلى المستوى القومي؟ نديّة تمنع استباحة مجتمعات العرب من قبل أية دولة إقليمية، سواءً أكان الكيان الصهيوني أو تركيا أو إيران، وكذلك من قبل أية دولة لها مطامع استعمارية في ثروات العرب وأرضهم.

لقد جرجرت أميركا العرب منذ حوالي ربع قرن للجلوس مع العدو الصهيوني في مدريد، عاصمة أسبانيا، ووعدتهم بأنها ستحلّ قضية فلسطين حلاً عادلاً... لكنّها بدلاً من ذلك عزلت القضية عن بقية العرب وجعلتها قضية شعب فلسطيني مشرَّد وحيد منهك، معزول عن أمته في وجه نظام استعماري استيطاني عنصري بربري مدعوم بأموال وأسلحة ومكانة أميركا. لقد كان فصلاً من الكذب والخداع الأميركي ومن البلادة السياسية العربية.

اليوم، وفي «كامب ديفيد»، ستكذب أميركا، وستعزل موضوع الخلافات مع إيران من مستواها العربي لتجعلها قضية خليجية – إيرانية، وكالعادة ستنطلي الكذبة وستبقى الخلافات مع إيران تدور في حلقة مفرغة سنةً بعد سنة، تماماً كما هو الحال مع القضية الفلسطينية.

يا أمة العرب، متى ستخرجين من سذاجة الطفولة وبراءتها إلى مرحلة الفهم والتعلم من الخبرة؟ متى؟

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4633 - الخميس 14 مايو 2015م الموافق 25 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 1:52 م

      يبدو أن العرب ماعز

      وهل تعتقد أخي دكتور على أن في مقدور الذاهبين إلى كامب ديفيد تغيير أجندة الاجتماع؟ وهل جرجرت أمريكا الأنظمة العربية دون إرادة هذه الأنظمة؟ أنظمتنا هي من تتأمر على القضية المركزية طائعة راضية، كل ما يتم يا دكتور علي هو برضا الأنظمة وقبولها

    • زائر 7 | 4:00 ص

      ...ة

      لم لا تضع النقاط على الحروف وتتكلم على المكشوف؟ من الذي صنع الجماعات الإرهابية ومولها من القاعدة الى داعش والنصرة؟ من الذي هاجم بلداً عربياً مسلماً وأوغل في دمائهم الزكية؟ للأسف ذكرت إيران وتجاهلت رأس الأفعى

    • زائر 6 | 2:48 ص

      إلى الدكتور

      أستغرب نظرتك المتشددة تجاه أمريكا وتريد أن توصل لها رسالة بأنها العدو ونرفض التعامل معها كشعوب، لكن إذا جئت للأوضاع المحلية تريد للشعوب أن تهادن الحكام باسم الواقع المتاح!
      أليس الواقع أن أمريكا أكبر دولة وفي حال تصالح معها الشعوب أفضل من الدخول معها في عداء وحرب طويلة؟!

    • زائر 5 | 2:26 ص

      دول مجلس التعاون الخليجي أخذت قرارها

      فلا عزاء لمن فاته القطار وتلاحم الشعب الخليجي مع قادته ظاهر وواضح الكل مع عاصفة الحزم وهذا طريق المستقبل

    • زائر 4 | 1:42 ص

      وهمي

      اذا اردت ان تتثبت في مركزك وتكون دائما المسؤل والمدير والمسيطر وتحافظ عليه يجب عليك ان تجعل لك عدو وتدعي انك تتصدي له حفاظا علي المرؤسين والموظفين ولا تكل ولا تمل بأثارت الفتن علي العدو وتعمل من الحبه قبه كل هذا لأقناع من حولك بالخطر من الشخص وهذا ما نراه في التعامل مع ايران فالمسأله ليست سنيه شيعيه هذا لخلق مشكله وهميه انما الاساس هو الخوف من التجربه الديمقراطيه وبناء دوله قويه تعتمد علي نفسها وشعبها وايران لو كانت سنيه ستلقي مالقته الان واكثر ولكم في سوريا درسا

    • زائر 2 | 10:24 م

      سر ضعف هده الدول


      سر ضعف هده الدول العربية والاسلامية هو عدم تصالح انظمتها مع شعوبها وثقتها فيها وايثار الاجنبي على المواطن وشعور الانظمة بانها سالبة لحق سعوبها

    • زائر 1 | 10:05 م

      التمثيل الشعبي

      ما دامت الحكومات غير ممثلة للشعوب فسيظل مضمون مقالك يتكرر دكتور
      والمثقفون البارعون في كتابة مثل هذه المقالات اليائسة حول أوضاع حكوماتنا جدير بهم أن يقفوا مع شعوبهم في المطالبة بإعمال الإرادة الشعبية في قرارات الحكومات

اقرأ ايضاً