العدد 4638 - الثلثاء 19 مايو 2015م الموافق 01 شعبان 1436هـ

هل حققت قمة «كامب ديفيد» أهدافها؟

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

بعد اختتام قمة «كامب ديفيد»، لاتزال الآراء والتحليلات بشأن أهدافها ونتائجها تدور في الماكينة الإعلامية حيث يجهد المحللون للإجابة عمّا تحقق من أهداف أم إن الحال بقي على ما هو عليه؟ بغض النظر عن نوعية الإجابة فقد سبق القمة تأويلاتٌ متفاوتة حول مسارها ومضامينها التي بيّنت إنها قمة مفصلية ولها أهمية، وإن ظلت بعض جوانب المشهد الإقليمي ضبابية.

فمن حيث تحقق الأهداف، يمكن تسجيل ملاحظات عدة، أبرزها ما تضمنه البيان الختامي للقمة من دعم وترحيب دول مجلس التعاون بالتسوية النووية المحتملة باعتبارها عامل استقرار في المنطقة، وإظهار القبول بما قدّمته الولايات المتحدة من التزامات وتعهدات شملت ملفات المنطقة كلها، وهي ذات بعد أمني عسكري تتعهد فيه واشنطن بتطوير القدرات العسكرية الخليجية والدفاعية إزاء أي اعتداء وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.

أما البعد السياسي فيتضمن التزاماً مشتركاً بحل جميع أزمات المنطقة سياسياً، بصورةٍ تمنع إيران من استغلال أي انقسام يزعزع الاستقرار، حتى إن الكاتب المقرّب من الإدارة الأميركية إغناتيوس عنون مقالته في صحيفة «ذي واشنطن بوست» بـ «خاتمة سعيدة لقمة كامب ديفيد»، فيما كان لنهال طوسي في صحيفة «بوليتيكو» رأيٌ آخر بأنه «لم يحصل أي اختراق خلال القمة، لكن أوباما وحلفاءه الخليجيين نجحوا، على الأقل في أن لا يدعوا علاقتهم تسوء أكثر، وإن ما تم إحرازه يعتبر تقدماً محدوداً».

من جهتهما «نيويورك تايمز» الأميركية و«الصنداي تايمز» اللندنية، فسّرتا ما بين السطور، وخلصتا إلى أن بعض الدول الخليجية غاضبة وتسعى لاتخاذ قرار استراتيجي لتطوير قدراتها النووية، الأمر الذي ينذر بسباق تسلح جديد في الشرق الأوسط.

بالنسبة لـ «نيويورك تايمز»، صحيح أن المحادثات انتهت ببيان مشترك يؤكد الشراكة القوية مع الولايات المتحدة، إلا أن ذلك -برأيها- لا يخفى الخلافات الحادة حول الاتفاق النووي الذي سينتج عنه رفع العقوبات الدولية عن إيران، وبالتالي حصولها على موارد أكثر تفتح شهيتها وتساعدها على مدّ نفوذها في الشرق الأوسط، ذلك على رغم تأكيد أوباما بأن هدف الاتفاق هو كبح جماح قوة إيران النووية وحرمانها من قدرة الحصول على السلاح النووي. وتدلّل الصحيفة على رأيها، بتصريح أحد المسئولين حيث قال: «من المبكر الحكم ما إذا كان الاتفاق مرضياً، سنتابع المحادثات وسنجري تقويماً قبل أن نصدر حكماً».

في هذا السياق، يرى بعض المحللين أن الرهانات الأميركية في إطار المحادثات لم تنحصر فقط في النووي والملفات الإقليمية، بل تم تجاوز ذلك نحو المحاولة الأميركية لتغير الأوضاع الاجتماعية والسياسية في الداخل الإيراني، من خلال تشجيع قوى الإصلاح وإدماج إيران في النظام الرأسمالي الغربي، خصوصاً أنها تشكّل «بيضة القبّان» في صراع القوى الدولية، الروس والصين من جهة، وأميركا وأوروبا واليابان من جهة أخرى. ما يعني حرص الولايات المتحدة على سياسة متوازنة بين حلفائها الاستراتيجيين وبين تنفيذ الاتفاق النووي مهما كانت الظروف.

في الأهداف أيضاً، يشير محلّل آخر إلى أن أهم مضامين القمة انحصر في رسالتين أميركيتين، الأولى أن أمن الخليج مهمة من المهمات الأميركية الرئيسية وليست الخليجية فقط، حتى وإن وفّرت واشنطن الحماية لدول الخليج، ففي النهاية هي من سيقود المنظومة الدفاعية عسكرياً وسياسياً إزاء إيران وطموحاتها. والرسالة الأخرى الأهم تكمن في محاربة الإرهاب وتنظيماته التكفيرية التي تشكل خطراً عليها وعلى أصدقائها، بيد أن محاربة الإرهاب - حسب أوباما- مقرونةٌ بإجراء إصلاحات وتشكيل آليات تتصدّى لرعاية الإرهاب وتصديره، خصوصاً مع تصريحه الشهير بأن «إيران ليست الخطر الأكبر على دول الخليج، إنما الخطر الداخلي المتمثل في غياب الإصلاحات وفرص العمل التي تدفع الشباب نحو التنظيمات الإرهابية».

لجهة التسلح، تطرّق الصحافيون بشدة للطموحات الأميركية في صفقات التسلح، خصوصاً مع سعي دول المنطقة للحصول على تعهدات دفاعية قبل توقيع الاتفاق النووي. وقد حصلوا عليها بالفعل عبر التوافق على «شراكة استراتيجية جديدة»، وتعهد بإقامة درع صاروخي أميركي مرتبط بجهاز إنذار مبكر، الأمر الذي جعل بعضهم يصف القمة بما يشبه «معرضاً لبيع السلاح». وقد عنونت مجلة «فورين بوليسي» إحدى مقالاتها «ليست دبلوماسية إنما معرض أسلحة»، وكتبت «إن الطريقة المثلى لإظهار دعم أوباما للأصدقاء هي بيعهم أسلحة متقدمة بمليارات الدولارات»، مشيرةً إلى أن إدارته أجرت اتفاقات بأكثر من 64 مليار دولار مقابل أسلحة وخدمات دفاعية سوّقتها لدول الخليج خلال الخمس سنوات من ولايته، منها 84 طائرة مقاتلة من طراز بوينغ اف 15 بقيمة 29 مليار دولار، ونظام صواريخ ثاد الدفاعية بـ 6,5 مليارات دولار، إضافةً لوعود بحصولهم على طائرات الجيل الخامس من الـ «اف 35 أم»، واحتمال عقد صفقات مع ثلاث شركات أميركية هي «لوكهيد مارتن» و»نورثروب» و»ريثيون»، حيث يتقاسمن فيها مسئولية تركيب القبة الصاروخية وأجهزة إنذاراتها وتجهيزات تقنية وعسكرية وبنية تحتية معزّزة وغيرها. وقد أشارت الأخبار إلى توجه خبراء سلاح لدراسة احتياجات المنطقة وتطويرها، ما يعنى أن دول الخليج تمثل عنصراً مهماً في الاستراتيجية الأميركية لاسيما لجهة صفقات التسلح.

خلاصة الأمر، صحيحٌ أن للولايات المتحدة مصلحة استراتيجية في استقرار أمن المنطقة تجعلها تتفهم ماهية القلق الخليجي من التمدّد الإيراني وخطورته، لكن الخشية في أن تحقيق التزامات الاستراتيجية الأميركية وتعهداتها لدول الخليج في سياق تقاربها مع إيران وعقدها اتفاقاً تاريخياً معها، سوف ينعش سوق الصناعة العسكرية الأميركية التي تعاني كساداً وذلك على حساب ثروات شعوب المنطقة ومليارات الدولارات في صناديق الأجيال السيادية المحتمل أن تتبعثر بسبب المخاطر الأمنية ونفقات الدروع الصاروخية ومنصاتها، وصفقات شراء الأسلحة في ظل تواصل انخفاض أسعار النفط وعدم تنوع مصادر الدخل.

حقاً إن المشهد الأمني والسياسي ينذر بالخطر جراء الكم الهائل من التسليح وتأثيره على البيئة والاستقرار وتراجع عملية التنمية والبناء في مجتمعاتنا المحلية.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4638 - الثلثاء 19 مايو 2015م الموافق 01 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 9:03 ص

      كل الأمور تحت السيطرة الأمريكية

      كامب ديفيد ليست سوى طبطبة وجبر خواطر حتى لا تظهر دول مجلس التعاون بمظهر الأطرش في الزفّة، فالمعروف لنا جميعاً أن هذه الدول تعيش تحت الحماية البريطانية الأمريكية وقواعدهما على امتداد الأرض والبحر والأفق الخليجي وحرب الخليج الثانية شاهد على ذلك. من ناحية ثانية فإن عملية التسليح
      مهما أعطيت من تهويل فذلك فقط لإخافتنا كشعوب لأن موازين القوى مع((إسرائيل)) هي معيار حجم ذلك.

    • زائر 3 زائر 2 | 10:57 ص

      حالتكم حالة

      وطول هالسنين مالذي منع دول مجلس التعاون من تطوير برنامج نووي خاص بها ولماذا يغضبون فقط لان ايران بالذات طورت قدراتها النووية يعني لماذا فقط ايران تثير غضبهم مو باكستان مثلا؟ وسؤال اخير هل ستستمر دول الاستعمار في حماية دول الخليج للأبد؟ متئ تعتمد هذه الدول على شعوبها وتحسن علاقاتها بجيرانها الذين يعيشون معها للأبد في هذهالمنطقة ؟

اقرأ ايضاً