العدد 4639 - الأربعاء 20 مايو 2015م الموافق 02 شعبان 1436هـ

في استقبال السنوات العجاف

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

منذ انهارت أسعار النفط الصيف الماضي، دأبت الحكومة على إرسال مسجات طمأنة بأن اقتصادنا قوي وأننا لن نتأثر على الإطلاق.

كانت كل المؤشرات تؤكّد أن ذلك سيلقي بظلاله الثقيلة على الوضع الاقتصادي المثقل بالأعباء أصلاًً. وقبل ذلك كانت الحكومة تلوّح بإجراءات ما، في مقدمتها اعتماد آليات جديدة لصرف المعونات والدعم الحكومي لبعض السلع الرئيسية والخدمات.

سياسة الدعم التي ساهمت في استقرار اقتصادي طويل الأمد امتد لأكثر من ثلاثين عاماً، تفكّر الحكومة جدياً بالتخلّي عنها تدريجياً، خطوةً خطوةً. وهو ما يتفق مع الخطوط العامة لليبرالية الجديدة التي لا تقيم أي اعتبار للتبعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لمثل هذه القرارات.

الحكومة تسوّق اليوم لهذا القرار (رفع دعم اللحوم الحمراء والبيضاء) الذي سيمهّد لقراراتٍ أخرى، تشمل سلعاً وخدمات ضرورية أخرى، على رأسها الكهرباء والماء، والتعليم والصحة... نزولاً إلى المادة الرئيسية التي يعتمد عليها الناس في وجباتهم اليومية: الدقيق.

السلطة حاولت أن تدغدغ نفسية الجمهور بالقول إنها تريد أن تحول دون «تسرب الدعم الحكومي للحوم وتضمن وصوله للمواطنين فقط». ووعدت بتعويضات نقدية مباشرة يحصل عليها كل مواطن بدلاً من طرح اللحوم بأسعار مدعومة يستفيد منها المواطن والأجنبي؛ على أن يكون ذلك من خلال وزارة التنمية الاجتماعية، وهي قناةٌ أثبتت التجارب السابقة قصورها وعجزها عن القيام بواجباتها الأصلية، فضلاً عن تكليفها بمهمات أصعب وأكثر تعقيداً كما جرى في صرف علاوات الغلاء.

القرار سيمس جميع المواطنين والمقيمين، ولن يقتصر على سوق اللحم، بل سيؤثر على قطاعات أخرى أوسع، من مطاعم وفنادق. إلا أن أكثر من سيتضررون به فئتان: المواطنون من الطبقة الوسطى والدنيا، والعمال الفقراء من الأجانب الذين باتوا يشكلون اليوم في مجموعهم أكثر من 53 في المئة من السكان.

المواطن سيضطر بعد رفع الدعم، إلى شراء كيلو اللحم بأربعة دنانير بدل دينار واحد، أي أن هناك زيادةً قدرها ثلاثة أضعاف في سلعة ضرورية واحدة. وقس على ذلك فيما لو تم رفع الدعم عن الكهرباء والماء الذي تذكّر الحكومة المواطنين شهرياً، بأن تكلفة الوحدة ضعف ذلك بعشر مرات.

الأجانب الذين كانت البحرين تعتبر بالنسبة لهم «جنة ضريبية»، بسبب عدم التزامهم بدفع أي نوعٍ من الضرائب المباشرة على الدخل، على خلاف الوضع في بلدانهم الأصلية، هؤلاء سيُضاف عبء بسيط إلى مصروفاتهم الشهرية، لن يتعدى الثلاثة في المئة. إلا أن أكثر المتضررين من الأجانب هم الطبقات الفقيرة من عمّال، الذين يعتمدون في حياتهم على الحد الأدنى من الطعام الرخيص، المتوفر بسبب سياسة دعم الخبز، حتى اللحم لا يذوقه أغلبهم إلا قليلاً.

البحرين كانت تتميز برخص الطعام، وقبل خمس سنوات كنا نتكلم عن تمكن أي مواطن ومقيم من الحصول على وجبة عشاءٍ بدينار أو نصف دينار. هذه القاعدة اهتزت مع موجة ارتفاع الأسعار الأخيرة، وستسقط تماماً مع اعتماد قرار رفع الدعم عن الغذاء. والضرر سيلحق بأوسع شريحة من المواطنين والقاعدة الأكبر من الوافدين الفقراء.

هذا ما تولّده السياسات الليبرالية المتوحشة من إجراءات اقتصادية تهزّ المجتمع، إلى جانب ما اختصصنا به من بين دول العالم، من ظاهرة «الفري فيزا» التي يقف وراءها متنفذون، حيث يقدّر وجود خمسين ألفاً من العمالة الأجنبية السائبة، تعيش على هامش الاقتصاد، وتقوم بمختلف الأعمال المشروعة وغير المشروعة، وتصنفها بعض المنظمات الدولية ضمن الاتجار بالبشر. وفي حمى الحماسة لإجراءات فرض التقشف، لم يسأل أحدٌ عن مصير هؤلاء، وما قد ينتج عنه من زيادة جرائم في هذه الشرائح التي باتت جزءًا من الاقتصاد الريعي القائم على التبعية والاستهلاك.

في بلدٍ تصرف وزارة التنمية الاجتماعية معوناتٍ شهريةً لـ 114 ألف أسرة بحرينية، بدأنا برفع الدعم عن اللحوم الحمراء والبيضاء... لكن الطاحونة ستستمر حتى تفري اللحم وتطحن العظم... «ورجالُ مكّةَ مسنِتُون عجافُ»!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4639 - الأربعاء 20 مايو 2015م الموافق 02 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 18 | 7:14 ص

      ألف مبرووك !!!

      رغم المأساةالا أن عزاءنا كمعارضة أننا ننكر ونقول للحكومة أن أفعالهم وسياساتهم فاشلة ولا تصب في مصلحة جميع الموطنين بلا استثناء وهذا الوعي يعطينا نوع من التهيؤ والاستعداد لاستقبال الصدمات نتيجة هذه السياسات الجائرة.. ولكن نبشر من يصفق للحكومة بهذه السياسات والتي لم يكن لها أن تستشري لولا دعمهم الفج والأعمى لسياسات الحكومة الفاشلة بسبب التشفي او الطائفية او المغالبة لاخوانهم في الوطن. الف مبروك !

    • زائر 15 | 6:45 ص

      هذا ما توقعناه

      التجنيس غير الممنهج و تهجير العقول للمبدعة من المواطنين هو ما أوصلنا لهذه المأساة والقادم أكثر .

    • زائر 17 زائر 15 | 9:21 ص

      القرار زين

      أنا مايخصني منكم أنا عزوبي وعشايي سمبوسة ورول وجبن وساعات باقلة بعد ونخج ماآكل لحم

    • زائر 13 | 2:41 ص

      يا خوك احنا من سنين في سنوات عجاف وقحط

      من انولدنا واحنا في هالعجاف ما يندرى متى بيخلص ,, يا جماعه انصحكم بخصوص اللحم خلوه يخيس عندهم خيسوه الكل لازم يكون يد وحده ,, ارجعو للنخج والباقله والسمبوسه جبن ,, وين عجل اللي ايقولون بتشوفون الخير و زيادة الرواتب وغلاء المعيشه وكل واحد بيحصل بيت وين هالهرار دا كله راح هههههه الحين حتى لحم مو محصلين تالي كل واحد يفوشر على ربعه اليوم ماكل لحم انا

    • زائر 12 | 2:29 ص

      باقي يكملون المهزله

      اقترح على الحكومه ان تجيب احد المشايخ عشان يبن مضار اللحم وفوائد اكل الدال مهزله احنا في دوله خليجبه بس بسبب التجنيس الطائفي البغيض وصلنا الى حافه الهاويه وبكره ينشال الدعم عن الماي والكهرباء وتصبح الهجره امر حتمي

    • زائر 11 | 2:01 ص

      الكل يشرع الضغط على المواطن

      كل ما يزداد الضغط على المواطن المسكين بدأنا بقطع 1 % من راتب ويستمر الضغط برفع الدعم عن اللحم .. لن أسامح كل من ساهم في سرقة الشعب نواب و حكومة معارضة وموالاة

    • زائر 10 | 1:47 ص

      شعب البحرين مضياف سيدفع ثمن استضافته ...

      هناك ناس جدد لهم متطلبات ومستلزمات يجب ان يقطع من قوتنا لكي نستضيفهم احسن استضافة.
      والا ف 5 دنانير مقابل رفع الدعم هل هذا مبلغ معقول

    • زائر 9 | 1:36 ص

      وزارة التنمية

      صارت وزارة اقناع المواطنين بتخفيض مصاريفهم

    • زائر 8 | 1:01 ص

      اتفق معك و لكن!!!

      لا غبار على ما ذكر سوى هذه الفقرة (إلا أن أكثر من سيتضررون به فئتان: المواطنون من الطبقة الوسطى والدنيا، والعمال الفقراء من الأجانب الذين باتوا يشكلون اليوم في مجموعهم أكثر من 53 في المئة من السكان).
      كلنا في ما سبق ننظر للوافدين بمثل ما ذكر لكن هذا الحال تغير اليوم فهم من اصبحوا الفئة الوسطى في المجتمع و من يتمتع برغد العيش و بجولة بسيطة في المجمعات و المحلات الكبرى يلاحظ من يتسوق في منتصف الشهر و نوع السيارة التي يركبها و غيرها. رفع الدعم سيضر الجميع لكن القول ان الجانب مساكين ليس واقعي

    • زائر 7 | 12:47 ص

      احلى شيء قضية التعويضات

      قبض الفار شحمه.وهذي لحيتي اذا حصلتو شي!

    • زائر 6 | 12:46 ص

      العجز

      العجز في الموازنة سببه التجنيس الذي أكل الاخضر واليابس واصبحت الاموال تخرج خارج البلد كل شهر

    • زائر 5 | 12:30 ص

      تعويض؟؟؟؟

      ما بتحصلون الا الريش.

    • زائر 4 | 12:23 ص

      الأجانب من غير العمال لهم امتيازات يحلمون بها

      الأجانب أصحاب الوظائف العليا يمتازون بالكثير مثل:
      1) رواتب فلكية بدون ضرائب
      2) تعليم لأولادهم في المدارس الخاصة
      3) تذاكر سفر سنوية
      4) إجازات طويلة مدفوعة
      5) سيارات فارهة
      6) سكن مجاني في أرقى المناطق
      7) اشتراك مجاني في أندية ومنتجعات
      وفوق ذلك لا يساهمون بأدنى شيئ في نمو البلد وتطويره!!
      فلن يكلفهم رفع الدعم أي مبالغ تذكر

    • زائر 3 | 11:54 م

      هدهد

      لا فض فوك

    • زائر 1 | 11:24 م

      الحكومة إستطاعت دغدغة موالوها ولم تستطع دغدغة المعارضة قمعتها صح

      الموالون إلي تسويه الحكومة كله صح ولاندري إلى متى هذا .

اقرأ ايضاً