العدد 4648 - الجمعة 29 مايو 2015م الموافق 11 شعبان 1436هـ

نحن وأميركا

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

«فيك الخصام وأنت الخصم والحكم»، المتنبي مخاطباً سيف الدولة، وبالفعل، فإنَّ علاقات العرب حكاماً ومحكومين مع الولايات المتحدة، هي كما وصفها الشاعر أبو الطيب المتنبي مخاطباً الخليفة سيف الدولة الحمداني.

وإذا ما راجعنا سلسلة التصريحات الرسمية الخليجية، والقصف الإعلامي في الفضائيات والصحافة والفضاء الإلكتروني ضد سياسة الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس باراك أوباما، بل ومن سبقه من الرؤساء الأميركيين، يدرك الشك الكبير والعتب المرير، من قبل ساستنا على السياسة الأميركية تجاه المنطقة العربية وخصوصاً الخليج، وتحديداً الاتفاق الإطاري التاريخي الذي توصلت إليه الولايات المتحدة ومعها الدول الخمس الكبرى مع إيران فيما يخص الملف النووي الإيراني، وحتمية توقيع الاتفاق النهائي في نهاية يونيو/ حزيران 2015، والآفاق الواسعة للتعاون ما بين إيران والغرب بقيادة الولايات المتحدة، ما سينعكس بالتأكيد في الترتيبات الإقليمية للخليج ومحيطه على مختلف الصعد العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية.

لكن هذه الحملات الإعلامية السلبية، لم تمنع وزراء الخارجية من المسارعة إلى باريس للاجتماع مع نظيرهم الأميركي جون كيري، لوضع جدول أعمال قمة «كامب ديفيد» التي جمعت زعماء المنطقة مع الرئيس أوباما، وتلا ذلك حضور لقاء واشنطن رغم أن أوباما وضع مسبقاً إطار المفاوضات وسقف النتائج، وأسمع الرئيس الأميركي زعماء المنطقة ما لا يرغبون، وهو أن عليهم أن يلتفتوا إلى شعوبهم، ويتصالحوا معها، وأن يلتفتوا إلى شبابهم وتطلعاته. كما كان جازماً بالتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، مع التأكيد على ضمان أمن دول الخليج، مما يعتبرونه مخاطر إيرانية. كما أن مكافحة الإرهاب والتطرف في مقدمة اهتمامات الولايات المتحدة ومقاربتها، وهي أنه لا يكفي مكافحة الحركات التكفيرية أمنيّاً، بل يجب استئصالها فكريّاً، وضمان عدم وجود حواضن لأفكارها.

في موازاة ذلك، فإن النخب الخليجية بمن فيهم من يعتبرون معارضين للأنظمة الخليجية أو الناقدين الشديدين لها، ما انفكوا في كيل الذم والقدح للسياسة الأميركية، وتحميلها مسئولية استبداد الأنظمة ومصادرتها للحريات، وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، وبالطبع سياساتها في المحيط العربي بما في ذلك الحرب في العراق وسورية، وما يعتبرونه دعماً خفياً للحركات التكفيرية على امتداد الوطن العربي.

لكن هذه النخب ذاتها تسارع إلى الولايات المتحدة والإدارة الأميركية، والكونغرس والمنظمات الحقوقية والرأي العام، تشكو ظلامات الأنظمة وتطالب الولايات المتحدة بالتدخل للضغط على حلفائها لكي تغيّر نهجها، أو على الأقل، للحد من اضطهادها. والسفير الأميركي في كل دولة خليجية، هو الممثل للولايات المتحدة الأميركية، ولذلك، فهو أيضاً مثل سيف الدولة، فهو الخصم والحكم. كبار المسئولين يستقبلونه، والمعارضون يسعون إلى لقائه، ومن يهاجمونه من الموالين للسلطة والمزايدين عليها، يتلهفون للقائه، وهو بالطبع يستفتى ويفتي في مختلف الشئون المحلية، ولا ضير، فهناك اتفاقيات متشعبة ما بين الولايات المتحدة ودولنا في مختلف المجالات العسكرية والأمنية والقضائية والبرلمانية.

دول المنطقة لا تجد حرجاً في استضافة القواعد الأميركية، والقوات الأميركية هي الضامن لأمن المنطقة، والتسليح والتدريب العسكري يأتي أساساً من أميركا، وليس هناك سعيٌ للتقليل من ذلك بل العكس، إذ تطالب من الولايات المتحدة معاهدة لضمان أمنها وليس اتفاقيات فقط، وهو ما لا تستطيع الولايات المتحدة تحقيقه؛ لأنها تقتصر في ذلك الأنظمة المماثلة لها، مثل دول حلف الأطلسي واليابان وكوريا الجنوبية؛ لذلك هناك مساعٍ للتوصل إلى اتفاقيات لاعتبار دول المنطقة حلفاء استراتيجيين للولايات المتحدة، ما يعزّز العلاقات العسكرية والأمنية بين الطرفين.

في المقابل، ليس في أوساط المعارضات الخليجية والنخب الخليجية المعارضة أو المنتقدة للولايات المتحدة من يطالب بتصفية الوجود العسكري الأميركي أو حتى التخفيف منه، بل إن البعض يعتبره إحدى وسائل الضغط الأميركي على الأنظمة الخليجية للحد مما يعتبرونه شططاً، سواء في سياساتها الخارجية أو الداخلية بما في ذلك تعاملها مع شعوبها.

الآن اتضحت الصورة بعد كامب ديفيد، فقد اقتنع الجميع بصواب الاستراتيجية الأميركية بحل تفاوضي نووي مع إيران يقطع الطريق على احتمال تحوّله إلى برنامج نووي عسكري، ويشجّع إيران، من خلال رفع العقوبات، على الحد من تدخلاتها في الخليج والمحيط الإقليمي، والاندماج أكثر في المجتمع الدولي. وفي الوقت ذاته طمأنت الولايات المتحدة الدول الحليفة بأنها جاهزة للخيار العسكري في حالة حدوث تهديدات عسكرية وأمنية إيرانية لها.

وبالنسبة إلى القضية الفلسطينية، جرى تكرار الكليشيه المعروف: «حل الدولتين»، وفي هذه الحالة الدولة الفلسطينية تحت الاحتلال والدولة الإسرائيلية المحتلة. كذلك جرى الاتفاق على ضرورة مكافحة الإرهاب والحركات التكفيرية والمتطرفة وفي مقدمتها «داعش»، وكذلك التحرك سريعاً من أجل عملية سياسية في اليمن مع تأكيد المواقف السابقة تجاه العراق وسورية باستبعاد الرئيس بشار الأسد من الحل السياسي التوافقي الذي يشمل النظام والمعارضة.

كما لخص الرئيس أوباما الموقف والهدف من التعاون الأمني بين أميركا ودول مجلس التعاون بأنه ليس إدامة أية مواجهة طويلة الأمد مع إيران أو تهميش إيران، إذاً فعلى إيران ودول مجلس التعاون أن تدخل في حوار بناء من أجل التعاون وليس المواجهة، وهذا سيفتح الطريق لحل العديد من الصراعات والنزاعات الإقليمية الحالية، وسيحظى ذلك برعاية أميركا ودعم المجتمع الدولي. لكن الغريب هو أن البيان المشترك وتصريحات الرئيس أوباما لم تتطرق إلى الإصلاحات الداخلية الخليجية المطلوبة، وبالتأكيد جرى بحثها.

الخلاصة هي أن دولنا حصلت على التطمينات الأميركية بضمان أمنها الخارجي وسلامة أراضيها، لكن ليس إلى حد توقيع معاهدة ما بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون، فذلك محصور بالأنظمة الديمقراطية الغربية الحليفة. وحتى الدرع الصاروخي الذي اقترحت أميركا إقامته لدول المنطقة، لمواجهة أية تهديدات صاروخية إيرانية، لم يعلن، وقد يكون ذلك للحاجة إلى مزيد من الدراسات بين الطرفين.

قبل فترة، كتبت مقالاً ناشدت فيه الأنظمة الخليجية الدخول فوراً في حوارات مع شعوبها ونخبها لتدشين برنامج إصلاح سياسي شامل تشترك فيه شعوبها في إدارة شئونها، بدلاً من انتظار التوجيهات والضغوط الأميركية، لكنك كأنك تؤذن في مالطة. فهل تعيد الأنظمة الخليجية بعد كامب ديفيد التفكير العميق في مقاربتها مع شعوبها ومع جارتها إيران؟ سؤال مفتوح على كل الاحتمالات، وإن كانت التطورات على الأرض لا توحي بذلك.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4648 - الجمعة 29 مايو 2015م الموافق 11 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 4:10 ص

      والله تغربلنه

      امريكا عجيب امرها اد انها لا تبالي بالديموقراطية وحقوق الانسان ادا كان في مصلحتها يقول احد الامريكيين عندما سالته لمادا انتم هكدا مع الدولة الفلانية قال انظر كم برميل تصدر في اليوم وبعدها قل لي ما بوسع امريكا ان تفعل

اقرأ ايضاً