العدد 4648 - الجمعة 29 مايو 2015م الموافق 11 شعبان 1436هـ

مسجد الخميس... الرمز الديني الحاضر وشاهد الحضارات الأول

يعتبر مسجد الخميس «ذو المنارتين» أحد الأماكن الأثرية التي تبرز الحضارات والقوى الإستعمارية التي تناوبت على حكم البحرين وبسطت نفوذها فيه. وشهد المسجد عمليات ترميم بالإضافة إلى عمليات التنقيب من قبل عدة بعثات فرنسية وبريطانية التي اكتشفت وجود مسجدين تم بناؤهما قبل المسجد الثالث الموجود حالياً والذي تم بناؤه حسب المصادر التاريخية أيام حكم الملك العيوني أي عام 518 هجرية (1124-1125م).

الموقع

يقع مسجد الخميس في شمال جزيرة البحرين على يمين شارع الشيخ سلمان الذي يؤدي إلى مدينة المنامة ويبعد المسجد قرابة 4 كيلوات عن العاصمة. والحي الذي يوجد فيه المسجد يعرف باسم الخميس نسبة إلى السوق التي كانت تقام هناك كل خميس حتى عهد قريب.

الرواق الداخلي للمسجد

ذكر الكاتب حسين محمد حسين في كتابه: «مسجد الخميس» أن المسجد الحالي هو المسجد الثالث، إذ شمله التغيير من حيث المساحة والبناء، فزادت مساحته من 132 متراً مربعاً وهي مساحة المسجد الثاني إلى 632 متراً مربعاً. ولم تتم التغييرات في سنة واحدة بل على مدى سنوات من التجديد والترميم والإضافة. أول تلك الإضافات بناء سور رباعي الأضلاع تبلغ أطوال جداريه الممتدين من الشمال إلى الجنوب 59.5م أما الجداران الممتدان من الشرق إلى الغرب فيبلغ طول أحدهما 23.7م و25م. ويبلغ ارتفاع الجدار 1.5م. وتوجد في السور فتحتان تمثلان بابين أحدهما في الجهة الغربية والآخر في الجهة الجنوبية.

ومن داخل السور يمكن مشاهدة غرفتين ممتدتين جنباً إلى جنب من الغرب إلى الشرق وتملأ عرض المسجد بأسره تقريباً. هاتان الغرفتان في الواقع بنيتا فوق غرفتي المسجد الثاني تقريباً.

الغرفة الشرقية (وكانت تمثل الفناء في المسجد الثاني) كانت ترسم حدودها بأعمدة تدعم أقواساً مازال بعضها باقٍ ليومنا هذا. هذه الأعمدة والأقواس تمثل مداخل متعددة للغرفة. وفي وسط الغرفة توجد أربع قواعد صخرية غير منتظمة الشكل. وتمثل هذه القواعد دعامة لأعمدة تدعم سقف للغرف.

أما الغرفة الغربية (وكانت تمثل غرفة الصلاة في المسجد الثاني) فكانت محاطة من ثلاث جهات ولم يكن لها حدود من الجهة الغربية، أي جدار القبلة الذي لم يعثر إلا على بقاياه مبنية على بقايا جدار القبلة للمسجد الثاني، وهي بدورها مبنية على جدار القبلة للمسجد الأول. والجدار الفاصل بين الغرفتين به ثلاثة أبواب، وزين بمحرابين هما عبارة عن صخرتين مصفحتين منقوشتين.

ويوجد على شمال وجنوب الغرفتين جناحان ممتدان من الشرق إلى الغرب. ويوجد في كل جناح صفان من الأعمدة الممتدة من الشرق إلى الغرب مقسمة كل جناح لثلاثة صحون. وربما كانت هذه الأعمدة تدعم سقفاً في الماضي.كما يوجد داخل المبنى بالإضافة للغرفتين منارتان يبلغ علو كل واحدة منهما قرابة 22م. المنارتان أسطوانيتا الشكل وترتكز كل واحدة منهما على قاعدة رباعية الشكل مرتفعة. أما الجزء العلوي لكل منارة فهو سداسي الشكل ومزين بقلنسوة مضلعة الشكل.

أعمال التنقيب من قبل البعثات الأجنبية

وبالحديث مع مؤلف كتاب مسجد الخميس حسين محمد حسين قال أن «أول زيارة لمسجد الخميس كانت تحمل فضولاً علمياً هي زيارة الباحث الألماني Ernst Diez عام 1914م. قام بدراسة بعض آثار مسجد الخميس، والتقط صوراً للمسجد وللنقوشات الموجودة فيه، ونشر بحثه بالألماني عام 1924م، وترجمة العنوان هي: «أطلال مسجد شيعي في جزيرة البحرين»... وأهم ما في هذه الدراسة هو عمود الساج الذي لم يدرسه أحد غيره».

وتابع: «لاحظ Diez عموداً من خشب الساج يدعم سقف غرفة الصلاة، نقش عليه زخرفة وكتابة. فأما الكتابة، فقد نقش عليه ثلاثة أسطر هي «لا إله إلا الله محمد سول الله علي ولي الله» (Diez 1925, Kalus 1990, p. 26). وأرسل Diez نقش الكتابة لخبير متخصص وهو Flury، وهذا الأخير حدد زمن الكتابة في القرن العاشر الميلادي (Diez 1925). أما Diez فحدد الزخرفة أنها من الزخارف الخاصة بسامراء والتي ظهرت في القرن التاسع الميلادي (Diez 1925)، وهي الزخرفة المسماة بالنوع الأول بحسب تصنيف Herzfeld وهو أول من درس الزخارف في آثار مدينة سامراء القديمة وصنفها إلى ثلاثة أصناف Hameed 1965».

وأكد أن «ملخص بحث Diez أن هناك جزءاً من مسجد الخميس يعود إلى القرن التاسع وبداية القرن العاشر أي إلى الحقبة المعروفة باسم «حقبة سامراء» وأنه يحمل هوية إسلامية شيعية. هذا الاستنتاج صاغه Diez في بحثه المنشور عام 1925م دون أن يعلم أن هناك حقبة سامرائية في البحرين»

وذكر أنه «في العام 2001م قامت بعثة بريطانية بقيادة Timothy Insoll بالتنقيب في موقع سوق الخميس والمناطق المجاورة له في منطقة البلاد القديم. وتم نشر التقارير الأولية للبعثة في كتاب The land of Enki الذي صدر العام 2005م. كذلك، قام Insoll بزيارة البحرين خلال فترات متفرقة ما بين الأعوام 2001 و2015م، وقام بالتنقيب في خمس مناطق أساسية وهي: موقع مسجد الخميس، وتلة مسجد الحسن، وعين أبوزيدان، ومقبرة أبوعنبرة. وفي 8 مارس/ آذار 2015م، قدم Insoll محاضرة في قاعة محاضرات متحف قلعة البحرين بعنوان «البحوث الأثرية في البلاد القديم 2001-2015».

وتابع «من أهم النتائج التي أكد عليها Insoll أنه لم يعثر في المناطق التي نقب فيها في البلاد القديم وما حولها على طبقة أثرية واضحة تعود لحقبة الدولة الأموية (أي الفترة 661 - 750م)؛ حيث يرجح أن الاستيطان في منطقة البلاد القديم بدأ مع نهاية حقبة الدولة الأموية وبداية حقبة الدولة العباسية، وأن أكثر الفترات التاريخية الإسلامية المبكرة هي الفترة الثانية أي فترة القرن التاسع وحتى بداية القرن العاشر الميلادي وهي الفترة التي تشمل بروز مدينة سامراء كعاصمة للدولة العباسية (836م-892م) وظهور الفخار السامرائي المزجج الذي يعتبر من أثمن ما صنعه الخزاف المسلم. وعثر على كميات كبيرة من هذا الفخار في المواقع الخمس التي تم التنقيب فيها.

أعمال الترميم والصيانة

تعرض المسجد كما ذكرنا وبالرجوع إلى محمد رضا معراج أحد الممارسين لعملية التنقيب والترميم الذي ذكر «أن أول عملية ترميم كانت في عام 1975م على يد عدد من الخبراء العراقيين وشمل الترميم المئذنتين في القسمين العلوي والسفلي من خلال عمل صيانة لقاعدتيهما ومعالجة الشقوق الموجودة تحت طبقات الجص واستبدال القطع الخشبية التي تربط الجدارناً بأخرى كونكريتية مسلحة».

وتابع «تم صيانة الحوض الخشبي للمئذنتين واستبدال القطع الخشبية التالفة والمتآكلة بأخرى بنفس الأبعاد والشكل وطلاء الخشب بمواد كيماوية تقاوم التأثيرات الجوية وكذلك الزخارف الجصية»

ونوه أنه «في عام 1986م استلم فريق آخر من الخبراء التونسيين عمليات الترميم شملت إعادة إكساء بدن المئذتين بنفس المواد القديمة، إذ تم استبدال الأعمدة والأسلاك الحديدية واستخدام شبكة من الحبل الهندي لتقوية الملاط الجبسي وتماسكه».

قبور الماضي شاهدة للحاضر

أكد معراج الذي قام بعملية تنقيب عام 2012م لمدة خمسة شهور متتالية، إذ شملت الجانب الشمالي الشرقي للمسجد وذلك لمعرفة الحقب التاريخية التي مربها المسجد. وقال: «خلال التنقيب وجدت جدرانا ومباني تعود إلى ثلاث فترات إسلامية متتابعة وهي: المبكرة والمتوسطة، ابتداءً من القرن الثامن ميلادي إلى السابع عشر ميلادي».

وتابع «ما وجد من آثار في هذه الجدارن يعود عمرها إلى الفترة الإسلامية المبكرة إذ تم التأكد أنها فعلاً تعود للعصر العباسي، من خلال العثور على كسر من خزف وفخار، كما تم العثور على نقود من الرصاص والنحاس تعود إلى حكم القرامطة والعيونيين في البحرين».

وذكر «وجد بئر ماء تحتوي على درج متعدد الطوابق، حيث تم التنقيب في درجين أحدهما في الجانب الشرقي والغربي وكلاهما يؤديان إلى البئر، كما وجدت قناة ماء تؤدي للجهة الشمالية من البئر، ويعتقد أن البئر كان يستخدم للوضوء وسقي المزروعات المحيطة بالمنطقة التابعة للمسجد».

وأضاف «لفترة ليست ببعيدة كان البئر يستخدم قبل أن يتم ردمه، إذ إن قاعدته بلاستيكية مما يدل على أنه استخدم من فترة حديثة، وتم الحصول على أعمدة في البئر يتضح أنها تعود لفترة ما قبل بناء المسجد. ويرجح أنها تعود لأيام قيام دولة تايلوس في البحرين».

وبلا شك فإن المنطقة الشمالية للمسجد هي عبارة عن المدينة الإسلامية التي اندثرت الآن، إذ إنها كانت تشكل جزءاً مهماً من المسجد، ويعتقد أن في أراضيها العديد من المعالم التي تؤكد الحقبة الإسلامية في البحرين».

وأفاد «تم التنقيب في الأعمدة الموجودة في زوايا المسجد، وتم العثور على قبر بمحاذاة الجدار الغربي شمالي المئذنة الغربية وهو عبارة عن غرفة نصفها خارج جدار المسجد يتوسطها غرفة الدفن والتي تقع أسفل الجدار الغربي للمسجد وهي مبنية بالحجارة والجص ومكسية من الداخل بطبقة قوية من الجص وهي شبيهة بتقنية بناء القبور في فترة تايلوس، وتتجه شمال جنوب. كما أنها مغطاة بثلاثة أحجارٍ دائرية في وسطها ثقب على شكل رحى من نوع الفروش، وكذلك تم اكتشاف غرفة دفن أخرى مغطاة أيضاً بالفروش تمتد إلى أسفل البرج الجنوبي الغربي باتجاه الشمال الجنوبي، ويدل اتجاه القبرين وطريقتهما أنهما يرجعان للعهد الإسلامي، حيث وجد عدد من الهياكل العظمية داخل القبر، وهذه القبور يوجد منها نماذج في مقبرة أبو عنبرة في البلاد القديم، وبحسب ما تم الوصول إليه من النتائج فإن القبرين يعود تاريخ بنائهما لفترة ماقبل بناء المسجد».

وصرح أنه «يستنتج أن جدران المسجد وما يتضمنه من ملحقات بنيت على قبور في الأصل هي بلا شك كانت في السابق ممتدة إلى مقبرة أبو عنبرة».

وتابع «وجد قبران آخران في الجهة الشمالية أحدهما يرجع للشيخ محمد بن الشيخ ماجد بن مسعود الماحوزي البحراني وهو عبارة عن مقام ولكنه تهدم بسبب سقوط السقف عليه ولم يبقَ منه إلا الساجة التي كتب عليها بخط الثلث من الجهات الأربع تاريخ وفاته عام 1693م بالإضافة إلى آية الكرسي في الجهة الشرقية. أما الجهة الغربية فكتبت آيات من سورة فصلت رقم (30 إلى 32) بالإضافة إلى آيات أخرى من سورة ص. كما كتب عليها في المنتصف بيتان من الشعر يصعب قراءتهما. وهو من مواليد قرية الدنج إحدى قرى الماحوز التي اندثرت توفي في عام 1693م وكان يبلغ من العمر سبعين عاماً، أنشأ حوزة علمية بالإضافة إلى توليه مهام القضاء في الدولة، وبعدها تولى صلاحية الحكم في البلد أنذاك»

وأكد «وجدت ساجة أخرى تعود لامرأة وهي في الأصل مقام ولكنه تهدم وهي ملوك بنت السيد العزيز عبدالرؤوف المتوفاة عام 1120 هجرية وكتب على ساجة القبر بخط الثلث من الجهات الأربع، إذ كتب عليها من جهة الشرق البسملة وآية الكرسي، وفي الجهة الغربية أسماء الأئمة الاثني عشر في المذهب الشيعي. وهي زوجة العلامة السيد ماجد بن هاشم بن علي الجدحفصي البحراني كما ذكرت المصادر التاريخية. ويلاحظ أنه من الغريب أن يبنى مقام لامرأة وتنحت له ساجة، وهذا يدل على مكانة هذه السيدة في المجتمع».

العدد 4648 - الجمعة 29 مايو 2015م الموافق 11 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً