العدد 4677 - السبت 27 يونيو 2015م الموافق 10 رمضان 1436هـ

الغلظة في العقوبة لا تؤدي الى نتيجة مرجوة

علي محسن الورقاء comments [at] alwasatnews.com

محامٍ بحريني

العقوبة الجنائية لم تكن حديثة العهد، فقد ألقت بظلالها على المجتمع الإنساني منذ عصور غابرة؛ ذلك لأنها ضمان الانضباط والنظام واستقرار الأمن والسلم الاجتماعي.

وكانت منذ بداية بزوغها قد اتخذت لنفسها خاصية «سلطة التأديب»، التي تجسّدت في السلطة التحكمية لرئيس القبيلة على أفراد قبيلته، دون أن تقف إلى حدود شخصية المذنب، إنما تعدّته إلى معاقبة ذويه وإن يكن هؤلاء بمنأى عن الجرم. ثم تطوّرت في وجه من وجوهها خلال العصور الرومانية الملكية والإمبراطورية، فكان نظام السلطة التأديبية فيها واحداً من النظام السياسي للمدينة الملكية، أو للدولة الإمبراطورية، التي تمثلت في الأحكام التي يصدرها الإمبراطور، أو في الأوامر القضائية التي يصدرها الحاكم القضائي في الدعاوى القضائية. ولكن كانت معظم تلك الأحكام تقوم على هدف الانتقام والقصاص من المذنب فقط، وليس لقصد تقويم أو إصلاح المذنبين؛ كأن يحكم القاضي آنذاك على المذنب بالموت المدني بفقد حريته عن طريق استرقاقه لمدة زمنية، أو الحكم عليه بالنفي، أو بتغيير صفته العائلية.

بيد أنه بعد التطور وقيام الحضارة اكتسى الجزاء التأديبي ثوباً جديداً تحت مسمى «العقوبة الجنائية» التي أضحت مظهراً من مظاهر الرئاسة الإدارية التي تفرضها طبيعة الحياة السياسية في الدول الحضارية الحديثة، والتي تحمل هدفين توفيقيين هما:

الأول: حماية الأمن والسلم الاجتماعي من جهة، ويُعرف بـ «حماية المجتمع». والثاني: الحفاظ على سلامة وحرية وكرامة المتهم من جهة أخرى، ويُعرف بـ «حماية الأفراد».

وبذلك أمست أهداف وغايات العقوبة الجنائية الحديثة تختلف عن أهدافها وغاياتها بالأمس، فهي اليوم لم تقم على هدف الانتقام أو القصاص، أو أنها لا تُقرّر لمجرد توقيع العقوبة وحسب، وإنّما هي لغرض اجتماعي بحت؛ وهو إصلاح الأفراد، وتعويدهم على الانضباط، وإجبارهم على احترام القانون تحقيقاً للهدفين السابقين.

ولكي يتحقق الهدف الاجتماعي من العقوبة الجنائية على نحو ما سبق، يستوجب فوق ذلك أن يكون القضاء نزيهاً ومحايداً وغير موجّه، وأن لا يكون القاضي حين صدور حكمه في وضع يغلب عليه التشَّنُج والغضب والانفعال، وأن لا تكون هناك من الأسباب ما تدعو إلى ردّه، كل ذلك لأجل ضمانة الهدف الآخر للعقوبة الجنائية وهو صيانة حرية المتهم والحرص على عدم هدر كرامته دون وجه حق، بعيداً عن سلوك الانتقام والقصاص، فضلاً عن ضمان استقامة الحكم وتحقيق العدالة.

فإذا ما نظرنا إلى أغراض العقوبة الجنائية السابق ذكرها وهي: الإصلاح، والانضباط، واحترام القانون، فإننا والحال ذلك تستوقفنا الأحكام الجنائية التي يصدرها القضاء الجنائي على الكثير ممن هم في غير حاجةٍ إلى إصلاح، أو ضد من هم في غير حاجة إلى إجبارهم على الانضباط واحترام القانون.

وهنا نخصّ بالذكر الحكم الجنائي الأخير الصادر بحق الأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان، الذي نراه داعية إصلاح، وهو نفسه ذاك الرجل المنضبط الحكيم الذي كان يرفض أية كلمة تمس أي رمز من رموز المملكة، وبالأخص ذو المقام الأعلى (جلالة الملك)، وهو فوق هذا وذاك ممن دأبوا على احترام القانون.

وإذا كان ثمة من يقول بأن لهذا الحكم أسبابه التي لسنا بصدد مناقشتها، فإن أسبابه ـ وإن صدقت ـ فهي لن تبرر الغلظة في العقوبة، ولن تحقّق هدف العقوبة الأول السابق ذكره، وهو حماية الأمن والسلم الاجتماعي، اضافة الى انها تضيق باب المصالحة الوطنية، وتزيد هوة الجفاء بين السلطة ومكوّنات محلية ذات ثقل وطني.

إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"

العدد 4677 - السبت 27 يونيو 2015م الموافق 10 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 8:25 ص

      أحسنتم

      شكرا. لكم. وندعوا. الله سبحانه وتعالى ان يفك قيد المساجين المظلومين وان يعوضهم في الدنيا والاخرة

اقرأ ايضاً