العدد 4681 - الأربعاء 01 يوليو 2015م الموافق 14 رمضان 1436هـ

مدرسة فاطمة الكِلابية

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لا تقلقي يا وزارة التربية والتعليم. فعندما أقول «مدرسة فاطمة الكلابية» فلا أعني بها مدرسة بحيطان. وبالتالي لا يقصدها طلاب في الصباح أو المساء، ولا بها ثلة من المعلِّمين، وليس لها وصف في السُّلَّم التعليمي. فما أعنيه هو سيدة فاضلة اسمها فاطمة الكِلابية. وهي مَدرَسةٌ بحدّ ذاتها يمكن للعديد منا أن يقصدوها «كطلاب»، كونها المكان الذي «قد» يتعلَّم منه أولئك الذين لا يقوون على فعله. كيف؟

دعونا أولاً نُعرِّف بهذه المرأة كما جاء في مصادر التاريخ كي لا نتحدث عن مجهول. هي فاطمة بنت حِزام بن خالد بن ربيعَةَ بن الوحيد بن كَعبِ بن عامِرِ بن كِلابِ بن ربيعةَ بن عامِر بن صَعصَعَةَ بن مُعاويةَ بن بكرِ بن هَوازِنَ؛ وأمُّها ليلى‌ بنت السُّهَيلِ بن مالك.

كانت فاطمة الكِلابية زوجةً للإمام علي بن أبي طالب، بعد وفاة زوجته الأولى فاطمة بنت محمد بن عبد الله (ص). وكانت ظروف الاقتران بها أن سأل أخاه عقيلاً بأن يبحث له عن امرأة صالحة كي يتزوجها. ولأن عقيل بن أبي طالب كان عالماً بأنساب العرب وأخبارهم، فقد طلب منه أن ينظر إلى امرأة قد «ولَدَتها الفُحولةُ مِنَ العرب» ليتزوجها (أي الإمام علي) فتلد له «غُلاماً فارساً». فأشار له عقيل بفاطمة بنت حزام الكلابية قائلاً بأنه «لَيسَ فِي العَرَبِ أشجَعُ مِن آبائِها»، فضلاً عن أنها كانت فصيحة اللسان وتنظم الشعر. وكانت هذه المشورة سبيلاً لزواج عليٍّ منها، حيث كان ذلك في حدود العام الثالث أو الخامس والعشرين من الهجرة، وولدت له العباس (البكر) وجعفراً وعبد اللّه وعثمان.

وكانت فاطمة بنت حِزام الزوجة الثالثة بعد فاطمة الزهراء، حيث تزوّجها الإمام علي بعد أُمامة وخولة (توفيت في حياته) وأسماء. رغم أن ابن الأثير ينفي ذلك ويقول إن علياً تزوّجها بعد فاطمة الزهراء دون أن يسبقها أحد. وحسب قول الطبري، فإن الزهراء توفيت بعد أبيها بثلاثة أشهر، وذلك في النصف الأول من العام 11 للهجرة، ما يعني أن أبناءه (الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم) كانوا صغاراً، تتراوح أعمارهم ما بين الرابعة والثامنة.

وبلغة الأرقام، فإن الحسين بن علي وأخاه العباس قد استشهدا في يوم واحد، وهو العام الحادي والستين للهجرة. وكان الحسين يبلغ من العمر يوم استشهاده 57 عاماً والعباس 35 عاماً. وهذا يعني أن الإمام علياً حين اقترن بفاطمة الكِلابية كان جميع أبنائه من أبناء فاطمة الزهراء في العقد الثاني من أعمارهم بتفاوت.

وبعيداً عن الإبحار في الأخبار وكذلك عن جدل تاريخ وفاة هذه المرأة الفاضلة، إن كان في الـ 64 للهجرة أو قبل ذلك كما جاء، إلاَّ أن الأكيد أنها عاشت مع أبناء علي من فاطمة بنت محمد ردحاً من السنين لا يقل عن الثلاثة عقود. ومدعاة الاستشهاد هنا، هو كيف عاشت فاطمة بنت حزام مع أبناء زوجها طيلة وجودها معهم. فالأخبار الواردة تشير إلى عظم حبها لهم وكأنها أمهم، وهم في مقام أبنائها الذين ولدتهم إن لم يكن أزيد.

وربما كان مقتل جميع أبنائها مع أخيهم الحسين في واقعة كربلاء خير دليل على ما كانت تحمله من حب لأبناء زوجها وكيف نشَّأت أولادها على ذلك. وتذكر المصادر التاريخية الموثوقة حواراً جرى بين ضابط عسكري في الجيش الذي قاتل الحسين بن علي بن أبي طالب وكان من أخوال أبنائها، حيث نادى ذلك الضابط في معسكر الحسين: أين بنو أختي؟ (ويقصد أبناء فاطمة الكلابية: العباس وجعفر وعبد اللّه وعثمان) فلم يُجيبوه. فقال الحسين لإخوته: أجيبوه. عندها قالوا لذلك الضابط الذي هو من أخوالهم: ما تريد؟ قال: اخرجوا إلَيَّ فإنكم آمنون، فقالوا له: قَبَّحتَ وقَبَّحَ ما جِئتَ بِهِ؛ أنَترُكُ سَيِّدَنا وأخانا ونَخرُجُ إلى‌ أمانِك؟

أسرد هذا المثال لأصل إلى قضية اجتماعية مهمَّة باتت متكررة الوقوع والورود، وتتعلق بموقع زوجة الأب في النظام الأسري حين تدخل على أرمل وله أبناء من زوجته. فمع الأسف، تتوالى العديد من القصص التي يُشاهَد فيها ما يؤلم القلب، حين تأتي امرأة وتتزوّج برجل أرمل أو مُطلّق يعيش معه أبناؤه المكسورون، خصوصاً حين يكونون صغاراً.

فعديد من الحوادث التي وصلتني بيَّنت كيف تتصرّف تلك الزوجة الجديدة بقسوةٍ لا تتناسب مع أعمار الأبناء، ولا مع ظرفهم الخاص والحسّاس، فتحوّل حياتهم إلى جحيم يُطبِق على ما هم فيه من ألم، على الرغم أنني أستثني مَنْ هم خلاف ذلك ممن غلبَ الخير على ضمائرهن، وهن مقدّرات ويجب أن يُشار إليهن بالبنان، غير أن هذه النماذج لا يمكنها أن تمحو أثر الأخريات السيء، وبالتالي فإن هذه الرسالة هي لهن لا لغيرهن.

قبل ثلاث سنوات وسبعة أشهر كتبتُ عن الموضوع ذاته. وكان مثار ذلك شكوى، واليوم مثاره أيضاً شكوى، تجتر معها شكاوى أخرى من ذلك السِّنْخ. حينها قلت بأن الموضوع كله متعلق بالضمير، والمسئولية، والإيثار، وقتل الأنانية. واليوم ما يُناسب الحال هو التشخيص السابق ذاته. وعلى مَنْ يعنيهم الأمر أن يعلموا بأنه ليس المطلوب منهم أن يتنمذجوا بفاطمة بنت حزام فلربما كان ذلك شيئاً مثالياً للبعض، لكنهم يستطيعون أن يُحاكوا ذلك ولو في حدّه الأدنى، ففي ذلك حسنة لهم.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4681 - الأربعاء 01 يوليو 2015م الموافق 14 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 6:11 ص

      جزيت خير اخ محمد

      جزيت خير واثابك الله وجعله الله في ميزان حسناتك فهذا المثال قد اجدت في اختيار والنعم في الاقتداء بمثله .

    • زائر 10 زائر 9 | 11:38 ص

      ا

      لقد انتابتني الرعشه ودمعت عيني وأخذتني الهيبه اللا إراديه وانت تعرف بهذه المرأه الصالحه اللتى لولم يكن علي (ع) لها زوجا لأصبحت عذراء كمريم السلام عليك يا سيدتي يوم ولدت ويوم تبعثي حيا.

    • زائر 8 | 6:03 ص

      أحسنت

      أحيي الأستاذ الفاضل على هذه اللفتة لتاريخ هذه المرأة الجليلة أم البنين فهي نعم القدوة
      كل خير للمرء مدخور

    • زائر 7 | 4:22 ص

      أم البنين

      ام العباس سلام الله عليه
      سميت ام البنين لا اولادها استشهدوا جميعا مع الامام الحسين عليه السلام في واقعة الطف .
      فسلام الله عليها من أمراة.

    • زائر 6 | 4:20 ص

      شكرا للاخ محمد على هذا الموضوع الحساس والمهم

      والمقالة فيها كثير من العبر والدروس ، والمشكلة التي ذكرها اخونا محمد يعاني منها الكثير من العائلات وهي مشاكل موجودة في كثير من الاسر ، وانا مدرس وقد لمست وعايشت كثير من مشاكل الطلاب وتسريبهم من المدرسة والشرود اثناء الدرس بسبب عدم العناية وسوء المعاملة من قبل زوجة الاب ، ويجب الالتفات لها وإثارتها على المنابر في المساجد والمآتم وايجاد حلول لها ، وشكرا لكم .

    • زائر 5 | 3:18 ص

      الله يعين الجميع

      الوزاع الديني والانسانية
      لو تفكر المراة الجديدة ان داخلة على ايتام او اطفال مساكين مالهم ذنب بطلاق ابويهم وتترك عنها الغيرة
      بدل ان تشوفهم ابناء (عدوتها)
      واللي ما تقدر انها تنصف نفسها والاطفال
      لا توافق من البداية على الزاوج من شخص عنده اولاد

    • زائر 4 | 3:13 ص

      مشكلة بعض النساء أنهن تدعين

      مشكلة بعض النساء أنهن تدعين الاقتداء بام البنين وحبها لكنهن أبعد ما يكون عن أخلاقها وتجربتها في موقع زوجة أب

    • زائر 3 | 2:59 ص

      سلام الله عليك ياسيدتي يا أم البنين

      السلام ع أم البنين وبعلها وأبنائه وبنيها يوم ولدتم يوم استشهدتم ويوم تبعثوا احياء

    • زائر 2 | 1:48 ص

      صدقت ياعزيزي

      سلام الله عليهم اجمعين اللطف واللين في معاملة الناس وبالاخص الضعفاء والمحرومين من شيم الكرماء ونسال الله الهدايه للجميع

    • زائر 1 | 12:08 ص

      الناس تتفاوت منازلهم بتفاوت اخلاقهم

      هذا مثال صارخ للاخلاق الفاضلة التي خلدت صاحبها واكسبته السعادة في الدارين ، ام البنين ع اية في الطهارة والنقاء والاخلاق والتدين ، جعلتها مدرسة كما - تفضلت - فلله درها ، ولتتق الله من صار تحت رحمتها من ابناء ضرتها ولتجعل من ام البنين ع انموذجا للتربية و العلاقة .

اقرأ ايضاً