العدد 4681 - الأربعاء 01 يوليو 2015م الموافق 14 رمضان 1436هـ

الإرهاب... النظرية النفسية والعقل الجمعي للمجتمع

عبدالله جناحي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لست متبحراً في علم النفس، ولا في الإعلام والمناهج التي يضعها متخصصون أمنيون تابعون لأجهزة الاستخبارات في دول العالم بهدف التأثير على الجماهير وتوجيهها نحو الأهداف التي يعملون على تحقيقها، وقد مارست النازية والفاشية والرأسمالية والاشتراكية والأنظمة المستبدة والتيارات الإسلامية كثرة من هذه الأساليب، وهناك كثرة من الكتب التي تشرح كيف يمكن التأثير على العقول لخدمة أهداف الأنظمة أو الصراع الذي يخوضه معسكر ضد الآخر. وقد أثار كتاب «المتلاعبون بالعقول» (سلسلة عالم المعرفة) لصحافي أميركي في الثمانينيات ضجة كبيرة، حيث كشف كيف يقوم الإعلام الأميركي بتطعيم الأخبار بمفردات ومصطلحات لتحريف الوقائع وتصغير باقي الشعوب أمام الشعب الأميركي، وكيف يقوم أخصائيون في إعداد المناهج التعليمية باستخدام هذا الأسلوب للتلاعب بعقول الأجيال القادمة.

أطلعت قبل عام على كتاب ضخم بعنوان «الدينتكس، علم العقل/ الروح» للكاتب ل. رون هابرد، وأحسست بأن هناك كثرة من الوسائل النفسية المستخدمة لخلق جيل يحمل عقلاً تخديرياً وانفعالياً بهدف استغلاله للعمليات الإرهابية والتطرف وكراهية الآخر، ومحو أي قيم تسامحية أو قبول الآخر المختلف في الدين أو الفكر. مثل هذه النظريات تقدّم لنا تفسيرات عن أسباب انتشار التطرف والإرهاب، وقدرة هذه التنظيمات على جذب المزيد من الشباب وتكريس قناعات «راسخة» فيهم بأنهم في طريق الصواب، عبر أساليب وخدع نفسية. وما حركة «الحشاشون» في حضارتنا الإسلامية إلا الوجه الآخر من حركات إرهابية معاصرة، فقد كانوا يجندون الشباب ويخدّرونهم ويوهمونهم بأنهم في «الجنة» حيث الحور العين والمتعة الأبدية في حديقة غناء فيها كل ما لذ وطاب، ومن ثم يخرجونهم للعالم الواقعي ليؤكدوا لهم بأنهم كانوا حقاً في الجنة، وإذا ما أرادوا العودة إليها عليهم أن يستشهدوا بتنفيذهم للاغتيالات.

التاريخ يكرّر نفسه في خضم الصراع بين المعسكرات والأنظمة والأجهزة والمنظمات، والكل يبحث عن الوسائل القذرة للتلاعب بعقول الأجيال من أجل تحقيق أهدافهم. إنه مبدأ ميكافيللي «الغاية تبرر الوسيلة»، ولذا يستخدمون كافة الوسائل اللاإنسانية من أجل أهداف ضيقة.

ومن أجل ربط مفاهيم هذه النظرية النفسية بما يحدث من عمليات إرهابية فسأحاول إعطاء بعض مفاهيمها الأساسية. فحسب نظرية «الدينتكس» هذه يسمى العقل غير الواعي بالعقل الانفعالي، وهو العقل الذي يمتلك القوة والدافع على مستوى «الخلية». أنه عقل لا يتذكر، يسجل ويستخدم فقط من أجل إحداث أفعال معينة. عقلٌ لا يفكر ولكنه يختار تسجيلاته ويعمل على إقحامها داخل العقل الواعي وداخل الجسد دون معرفة أو موافقة الفرد. والمعلومة الوحيدة التي تتوفر للفرد عن هذا العمل هي الإدراك الحسي الآني بأنه يتصرف بطريقة «غير عقلانية» حيال شيء ما، وأنه لا يستطيع فهم مثل هذا الشعور أو السبب وراءه، وهنا لا يوجد رقيب على العقل الانفعالي.

هذه القوى البيئية الخارجية تؤثر داخل الفرد ذاته دون معرفته أو موافقته، وتعمل على تأسيس عالم داخلي من القوة التي تعمل ليس فقط ضد العالم الخارجي، ولكنه ضد الفرد ذاته أيضاً. وإن صحت هذه النظرية فإن نتيجتها بأن الفرد في حالة عدم الوعي (جرعة تخدير أو التأثير المقدس بكلام قياداته... إلخ)، فإن أي حديث معه أو تحريضه أو دعوته للقيام بفعل أو قول، كل ذلك يدخل في البنك الانفعالي داخل عقله فيؤثر على آلية تفاعلاته بعد عودته للوعي، ويؤثر بالتالي على العقل الواعي كنوع من الأوامر التي لا يستطيع العقل الواعي السيطرة عليها.

خطورة هذا التحليل هي في استخدامه تعمداً وبخطط مبرمجة من قبل بعض الأجهزة والأنظمة والمنظمات الإرهابية، لخلق أفراد يقادون بعقولهم الانفعالية التي ملأوها وهم في حالة اللاوعي بأوامر تحوّلت إلى السيطرة حتى على عقولهم الواعية، فمارسوا أفعالاً إرهابية بقيادة العقل الانفعالي دون علمهم.

تؤكد هذه النظرية أن وصول الفرد إلى حالة من الصفاء والوضوح يشترط في البدء أن يلتزم بالديناميكيات الأربعة التالية:

الأول: هو دافع الفرد للوصول إلى أعلى طاقة من البقاء في إطار الذات والمتكافلين معه المباشرين من عائلته ورفاقه.

الثاني: دافع الفرد للوصول إلى أعلى من البقاء في إطار الجنس والإنجاب وتربية الأطفال حسب كل مرحلة من حياته.

الثالث: دافع الفرد للوصول إلى أعلى طاقة من البقاء في إطار الجماعة، سواء مدنية أو سياسية أو عرقية أو قبلية أو طائفية، وأن يكون له دافع العمل في هذه الجماعة من أجل بقاء الحياة بالمشاركة مع الآخرين.

الرابع: دافع الفرد للوصول إلى أعلى طاقة من البقاء في إطار البشرية، والمتكافلين مع البشرية من خلال تعاطفه مع شعوب العالم ومساعدتهم.

وترى النظرية أن كبح أو لجم العمل بأحد هذه الدنياميكيات أو أكثر، يسبب له حالةً من الانحراف الذهني والانزلاق إلى حالة من الاضطراب العقلي، وبالتالي فإن معظم ممارساته أو أقواله تكون نتائجها غير عقلانية. ولذلك فإن الفرد في حالة الانحراف الذهني يخطئ في حساباته، حيث العقل الواعي الموجود لحل المشاكل والذي يجعل من الكائن الحي إنساناً هو غير قابل للخطأ، فالإنسان له القدرة على الاستدلال، فعندما نراقب أنشطة المنحرف ذهنياً، نميل للاعتقاد من دون تفكير إن حساباته كانت خاطئة، لكن هذه التقييم (بأنه أخطأ) هو خطأ يراه المراقب، في حين المخطئ يرى نفسه صائباً، والسبب هو أن الفرد حينما يطلب من العقل حل مسائل كبيرة مع عدد من المتغيرات الكافية في ظل وجود إرباك للعقل الواعي ومن خلال تأثير العقل الانفعالي، فلابد أن يحصل على معلومات خاطئة أيضاً، أي عندما تدخل المعلومات الخاطئة في العقل الواعي فإنه سيعطينا إجابات خاطئة، وعندما تدخل معلومات خاطئة إلى بنوك الذاكرة في العقل، فإن العقل يتصرف بطريقة غير طبيعية، وهو ما يقود المرء نحو أفعال إرهابية ومتطرفة وعنيفة، أكان إنساناً واحداً أو عقلاً جمعياً تمثله الحكومات المستبدة.

إن الفقرة أعلاه مهمة جداً لتحليل ممارسات البعض سواء من الحكام أو السياسيين أو قيادات المنظمات الإرهابية أو حتى بعض الصحافيين والأفراد العاديين، فالمنحرف ذهنياً والإنسان السوي، كلاهما يعتقد أنه غير مخطئ عندما يتخذ موقفاً أو فعلاً أو يصدر قرارات لجماعات، ولأن الآخر هو المخطئ فيواصل في انحرافاته الذهنية.

إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"

العدد 4681 - الأربعاء 01 يوليو 2015م الموافق 14 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:21 م

      كلام يجب ان يدرس

      ااعجبتني المقاله واتمنى الكثرة من هذه المقالات ونشرها لتوعيه الشباب

اقرأ ايضاً