العدد 4691 - السبت 11 يوليو 2015م الموافق 24 رمضان 1436هـ

جولة في الصحراء وكلامٌ عن الإدمان

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

في الكلام عن الإدمان، أذكر أنه منذ عدة سنوات وفي أحد المؤتمرات بالقاهرة، دُعيت مع بعض الزملاء لزيارة قريب لأحدهم بعد أن تم شفاؤه وإحالته إلى مصحة للنقاهة، في منطقة صحراوية تبعد ثلاث ساعات خارج القاهرة واعتبرتها رحلةً ثقافية، للاستطلاع والاستكشاف، وكانت جولة ظريفة مع الصحراء برمالها الحمراء.

لم أكن أعلم أنه على المتعافين من الإدمان على المخدرات أن يتواصلوا في العلاج كي لا يعودوا إليه (يسمونها فترة النقاهة)، ووجدت إعداداً كبيرة في المصحة، تُقَسَم إلى مجموعاتٍ تحت إشراف أطباء نفسانيين، يحكون قصصاً أغرب من الخيال، في تجاربهم وظروفهم، والسبب في إدمانهم والمشاكل مع أهاليهم، هؤلاء يجدون في هذا المكان الفسيح في الصحراء النقية، المتنفس للتعبير عن معاناتهم وضعفهم ومساندتهم لبعضهم البعض، وتحضيرهم لحياة أفضل، كما يتيح لهم تكوين صداقات مساندة مستقبلاً.

لقد سمحوا لنا بالجلوس معهم لمتابعة النقاش وسماع أسرارهم الظريفة والمسلية جداً، خاصةً وهم يروون قصص جرائمهم الصغيرة في بداياتهم، للحصول على المال أو المخدرات، والتي لم أكن لأتصور مدى خطورتها حتى سماعها.

فهنالك من قام بالسرقة من والديه أو الأصدقاء، ومن السوبرماركت أو السيارات، ومنهم من مارسوا الجنس بثمن، ومنهم من قام ببيع أثاث بيت والديه كاملاً ولعدة مرات أثناء سفرهم، وحين رجوعهم لا يجدون حتى أسِرَتهم للنوم، وكانت تعبيراتهم مثيرة ومُضحكة أحياناً، ومنهم من انضم إلى خلايا سياسية مؤقتاً ثم هربوا منها بعد أن شاهدوا التدريبات القاسية وسمعوا ما سيطلب منهم لاحقاً من قتل للأبرياء وحرق الأوطان وتهجير الناس، والسطو أو خطف الأطفال واللعب بالجنس، إلخ.

وكان على المُتعافي الموافقة والتعهد بالالتزام بشروط مركز المصحة ودفع مبلغ متواضع من المال لأنه يعتمد كثيراً على التبرعات الأهلية، وكان المركز مُحاطاً بأسوار لحمايتهم من شراء أي من المخدرات ويُمنع خروجهم إلا بعد اجتياز مرحلة معينة، مع توفير البرامج المنظمة الترفيهية والثقافية والإرشادية والرياضية، إلخ لتقوية نفوسهم ولبناء شخصياتهم والتي قد تستمر لعدة أسابيع.

لقد أعجبت كثيراً بتلك المصحة واعتبرتها نموذجية وضرورية وتمنيت أن يكون لدينا مثلها، (وأعرف أن البعض من مرضانا يذهبون إليها)، وقارنتُها بعياداتنا ومصحاتٍنا لمعالجة الإدمان أو الأمراض النفسية أو للنقاهة فهي محدودة جداً وغالية الثمن. وأرى أن الدولة مقصرة جداً في توعية المجتمع وكأن الإدمان مرضٌ مُشين أو سرٌ من الأسرار الغيبية ولا يجب التحدث فيه، عوضاً عن إظهار خطورته على كل الوسائل المرئية والمسموعة ومكافحته إعلامياً وفي المدارس والجامعات وعلى وخصوصاً الشباب المراهقين الذين يجهلون مضارها. ولا أدري كم منا يعلم خطورة المدمنين فهم قنابل موقوتة تعيش بيننا قابلة للانفجار في أية لحظة، أما لعدم وجود المال لتعاطي المخدرات، أو لسوء أحوالهم لتعاطيهم المتواصل وعنفهم، علاوةً على ما ذكرته من الطلاق والهجر والخيانة للزوجات وتشريد للعائلة والأطفال، إلخ.

ومن المعروف أن معاناة الأسر التي لديها المدمن مع مصابها الأليم كبيرة، إضافة إلى مستقبله الغامض لإعادة لياقته وتأهيله في ظروف الإمكانيات المحدودة للعلاج وعدم وجود الأماكن التأهيلية لمثل هؤلاء غير المحظوظين، وكل ما نسمعه عنهم هو سجنهم بعد ارتكابهم للجرائم ولكننا لم نسمع أبداً عن الاهتمام وتأهيلهم لاحتراف مهنة تعينهم في حياتهم وإعادتهم للانخراط في الحياة الطبيعية، وإبعادهم عن الضياع والتعاطي والإجرام.

إنني أرجو وأتمنى أن تسعى الدولة للتخطيط لإنشاء الدور المتخصصة الحديثة للمكافحة والعلاج والنقاهة، وتوفير المدارس الخاصة لتأهيل المتعافين مع الجمعيات الخيرية للقضاء على هذا الإخطبوط المدمر لأبنائنا ومجتمعاتنا معاً.

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 4691 - السبت 11 يوليو 2015م الموافق 24 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 9:10 ص

      علهم يوتعون في بلادنا

      بضرورة التنباه لهذه الاشكاليات التي باتت تحرق الاخضر واليابس اذا ماصابت هذه شخصاً وابتلت الاسره بهفهو ضائع ٌ لامحاله في مجتمعاتنا ولا من نصيير عل الجهات المعنيه تنتبه زادك الله علماً يا دكتورتنا العزيزه في اختياراتك الانسانية

    • زائر 1 | 4:07 ص

      رائد

      موضوع قيم من أستاذة متميزة

اقرأ ايضاً