العدد 4712 - السبت 01 أغسطس 2015م الموافق 16 شوال 1436هـ

الدولة الخليجية الغنائمية عودة القهقرى

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

في مقالة سابقة كتبت حول التحول من الدولة الريعية الخليجية إلى الدولة الغنائمية. وفي هذه المقالة سأحاول عرض إعادة الدولة الغنائمية لهندسة المجتمع وإعادته القهقرى إلى مرحلة ما قبل الحداثة من حيث الهوية والانتماء والقيم.

لقد تطوّر المجتمع الخليجي بشكل كبير رغم الإعاقات التي أسهم فيها الاستعمار البريطاني، ثم الدولة في عهد الاستقلال، فقد أضحى معظم المواطنين من سكن المدن أو حتى القرى المدينية والمجمعات السكنية، وانقرضت تقريباً الأمية الأبجدية والأمراض الوبائية والفقر المدقع، وأضحى سكان الخليج في مقدمة الدول العربية من حيث مؤشرات التعليم والصحة والإعلام ووسائل التواصل الحديثة. فمنهم اليوم من هم في أرقى التخصصات من طيارين وجراحين ومهندسين وعلماء وغيرهم، بمن فيهم النساء كالرجال.

كما تراجعت كثيراً الانتماءات القديمة، القبلية والمناطقية والمذهبية، وبدأت تتشكل روابط جديدة كالانتماء للأحزاب والجمعيات والمهن والمدن. وكان يمكن أن يترتب على ذلك اندماج أكثر، وتشكّل هوية وطنية أقوى لولا عبث الأنظمة والقوى السلفية والمذهبية والطائفية والقبلية برعاية رسمية. لكنه ومع التحول المتسارع في بنية الدولة وعقيدتها من دولة ريعية تفيء بريعها على أغلبية المواطنين وتراعى التقاليد في حفظ الكرامة والتراحم، إلى دولة غنائمية حيث تحتكر السلطة والثروة.

ويجري بوتيرة سريعة وبمختلف الوسائل، إعادة هندسة المجتمع وإرجاعه القهقرى إلى التشكيلات التقليدية، وإضعاف المؤسسات الجنينية مثل الأحزاب والنقابات والجمعيات، وحتى مجالس الشورى والبرلمان، رغم محدودية صلاحياتها، وشعف تمثيلها.

نرى اليوم التشديد على الانتماء القبلي، ويتجسد ذلك في إبراز زعماء القبائل والعشائر والقبائل عموماً في الشأن العام، خصوصاً في الشأن السياسي، ويتخذ ذلك عدة تعبيرات في وفود التهنئة أو الاستنكار أو غيره من المواقف حيث يتصدر زعيم القبيلة أو العشيرة أو العائلة الممتدة المشهد. وكذلك يافطات المباركة أو التأييد أو الاستنكار التي تملأ الشوارع والساحات. وينطبق ذلك على وسائل التعبير الأخرى مثل التوقيع على الصور الضخمة وإعلانات الصحف والعرائض.

وقد برزت مؤخراً ظاهرة خليجية فيما يعرف بالوجهاء والأعيان الذين يراد بهم تمثيل الطوائف أو المناطق في التعاطي مع الدولة في قضايا الشأن العام. وكما يجرى إبراز الانتماء الطائفي، حيث يقسّم الشعب إلى سنة (أهل الجماعة) من ناحية، والشيعة أو الزيدية أو الإباضية من ناحية أخرى، ويترافق ذلك مع فتاوى فتاكة وتحريض خطير لمن هم خارج أهل الجماعة، حيث يوصم الشيعة مثلاً بأنهم رافضة، والإباضية بأنهم خوارج، والزيدية بأنهم تلفيقيون، مما يستثير أيضاً ردود فعل من قبل المنتمين لتلك المذاهب.

وباستثناء عمان، فقد رعت الدولة الخليجية وبدرجات متفاوتة عملية إعادة هندسة المجتمع، والعودة إلى هذه التقسيمات التقليدية التي لم تكن بتلك الحدة في زمانها، خصوصاً إذا أخذنا بالاعتبار أوضاع التخلف والجهل السائدة حينها، لكنه يراد لها اليوم ليس منع الاندماج بين أبناء الشعب الواحد، بل الاحتراب فيما بينها، والالتهاء عن حقوقهم كمواطنين وليس كرعايا، والسكوت عن الاستئثار بالثروات الهائلة، والسير ببلداننا إلى المجهول في غياب اقتصاد بديل لذلك المعتمد على الهايدروكاربون حالياً، خصوصاً أن بوادر تراجع أهمية إنتاج المنطقة من الهايدروكاربون يتراجع. وفي ظل الاستئثار بالثروة وتراجع دور الدولة في كل شيء عدا القمع، فإن المواطنين يلجأوون طبيعياً إلى مكوّناتهم الأصلية كالقبيلة والعشيرة والطائفة.

حالما تنشب ملاسنة بين مواطنين، سواء من البلد الواحد أو من الخليج، فسرعان ما يرفع الواحد منهم الصوت «قل لي من أنت؟ أنت أين من؟ ومن أي عشيرة؟»، وهكذا ينحدر الانتماء من الوطن والشعب إلى القبيلة والعشيرة والمذهب.

هل من صحوة للمواطنين؟ هل من صحوة لشعوبنا لتدرك المنحدر الخطير المتدحرجة إليه؟ وإلى أي درك أسفل نحن هاوون؟

الحرب تبدأ في العقول، وها هي بوادرها في شق صفوف الشعوب، وتحريض نصفها ضد النصف الآخر، وتصنيفه إما خائن أو وطني. ولذا فنحن سائرون على طريق المنحدر السوري والليبي... وقد أعذر من أنذر.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4712 - السبت 01 أغسطس 2015م الموافق 16 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 12:25 م

      كلام

      كلام صحيح وسليم. فقط العاقل الذي لاينجر او... او يصبح ضرعاً يركب

    • زائر 6 | 6:45 ص

      رد على زائر 1

      هاده الكلام العدل وليس تفرقة لانه كلام الاستاد هو الواقع الي يحصل فى بلادنا اقراى المقال عدل وتمعنى اللهم خلصنا من ظلم البشر وشكرا استادى

    • زائر 4 | 5:22 ص

      دعوة

      هل هذه دعوة جديدة للعودة إلى قمامة وزبالة الماضي أم أنها محاولة لفك طلاسم المستقبل لتوضيح الطريق إلى تلك المهالك ......

    • زائر 3 | 3:11 ص

      يا وطني من حقك على واجب

      اعلم يا وطني ان من حقك على واجب ودور لزاما اؤديه واقف عاجزا عن هذا الواجب فياترى من الذي تسبب لي بعدم تأديتي واجبي تجاهك كفائتي العلمية العالية ام اركاني عنوة في صفوف البطالة من الجشعين سامحني ياوطني

    • زائر 2 | 3:08 ص

      يا وطني من حقك على واجب

      اعلم يا وطني ان من حقك على واجب ودور لزاما اؤديه واقف عاجزا عن هذا الواجب فياترى من الذي تسبب لي بعدم تأديتي واجبي تجاهك كفائتي العلمية العالية ام اركاني عنوة في صفوف البطالة من الجشعين سامحني ياوطني

    • زائر 1 | 1:25 ص

      Latifa

      للاسف فان هذا المقال بحد ذاته يمثل دعوة صريحة للطائفية بكل ما يشوبها من اساءة للوطن و المواطنين الخليجيين .... إلى اين تريد يادكتور الوصول؟ .....ماذا تركت للبقية المحدودة التعليم .....البلد بحاجة إلى من يدعو للمحبة و عدم الفرقة بين مكونات المجتمع و ليس إلى هكذا خطاب يحرض على التشرذم و التفرقة.

اقرأ ايضاً