العدد 4720 - الأحد 09 أغسطس 2015م الموافق 24 شوال 1436هـ

الصحافة التنويرية يلزم أن تكون أخلاقية

ريم خليفة Reem.khalifa [at] alwasatnews.com

بين فترة وأخرى يتردد الحديث عن ضرورة طرح ميثاق شرف ملزم للعمل الصحافي، ولكن على الرغم من كثرة المواثيق التي يتم طرحها فإنها لا تؤثر كثيراً في العمل الصحافي الذي تغيب عنه المعايير والمقاييس الضابطة للصحافة الحرة في البلدان المتقدمة. ويمكن القول إن منطقتنا العربية مازالت لم تؤسس لمدرسة صحافية تنافس المدارس الحرة والمستقلة، إذ مازال الكثير من البلدان ينظر للصحافة والإعلام كوسائل لتنفيذ سياسات محددة، بدلاً من كونها وسيلة للتعبير عن الرأي العام والتأثير في الحياة العامة.

الأكثر من ذلك، فإن هناك من يعتبر العمل الصحافي نوعاً من التدخل في شئون الآخرين، أو أن الصحافة عليها خطوط حمراء من كل جانب قد تخنق مسيرتها وتحوّلها إلى صفحات للعلاقات العامة. إن الصحافة المحترفة تحتاج إلى بيئة مساندة، وثقافة داعمة، لكي يمكن اعتماد مواثيق شرف لضبط المهنة ذاتياً مهما كان ذلك ممكناً. ولنأخذ مثلاً مدونة قواعد السلوك للصحافيين المحترفين التي تعتمدها جمعية الصحافيين المحترفين الأميركية، فهذه المدونة تطرح دليلاً إرشادياً لمن يعملون بالصحافة ويتحملون المسئولية عن المعلومات التي يقدمونها، بغض النظر عن وسيلة النشر.

وبحسب جمعية الصحافيين المحترفين، فإن التنوير الذي يضطلع به الصحافيون هو عمل ريادي يهدف لتحقيق العدالة وتثبيت الأسس الديمقراطية، ولذلك يجب أن تكون الصحافة أخلاقية أيضاً، وأن تسعى جاهدة لضمان التبادل الحر للمعلومات الدقيقة والنزيهة والشاملة. كما أن الصحافي الأخلاقي يجب أن يتصرف دائماً بنزاهة. وقد طرحت الجمعية المذكورة أربعة مبادئ كأساس للصحافة الأخلاقية، وهي: ضرورة تقصي الحقائق وكتابة التقارير عنها، تقليل الضرر، التصرف بشكل مستقل، والعمل بمسئولية وشفافية.

بالنسبة للمبدأ الأول، فإنه ينبغي أن تكون الصحافة الأخلاقية دقيقة وعادلة، وأن يكون الصحافيون شرفاء وشجعاناً في جمع وإعداد التقارير وتفسير المعلومات، وأن يتحملوا المسئولية عن دقة عملهم، والتحقق من المعلومات قبل نشرها، واستخدام المصادر الأصلية كلما أمكن. كما ينبغي عرض الخبر ضمن سياقه، والاعتناء بصورة خاصة بمنع تحريف أو تبسيط أية قصة خبرية أثناء نشرها أو مراجعتها أو تلخيصها. كما ينبغي تحديد المصادر بوضوح، إذ من حق الجمهور الاطلاع على أكبر قدر من المعلومات لكي يتمكنوا من تحكيم عقلهم بشأن موثوقية ودوافع تلك المصادر. كما ينبغي السعي بجد إلى السماح لمن يعنيهم الأمر بالرد على أي انتقادات أو اتهامات بارتكاب مخالفات، وأن يقف الصحافي الأخلاقي مع إعطاء صوت لمن لا صوت لهم، وتجنب التنميط في كتابة الأخبار والتقارير.

المبدأ الثاني للصحافة الأخلاقية يتعلق بتقليل الضرر لأولئك الذين يكتب عنهم الخبر، والزملاء وأفراد الجمهور، بصفتهم بشراً يستحقون الاحترام.

ولذا، فإن على الصحافيين موازنة حاجة الجمهور للحصول على معلومات مع احتمال التسبب بضرر لهم. كما ينبغي إظهار التعاطف مع أولئك الذين قد يتأثرون بالتغطية الإخبارية، والتصرف بحساسية عند التعامل مع الأحداث، وضحايا الجرائم الجنسية، والمصادر أو الأشخاص الذين يفتقرون إلى الخبرة أو غير قادرين على إعطاء الموافقة. كما يجب الأخذ بعين الاعتبار الاختلافات الثقافية في النهج وأساليب معالجة المواضيع، فالحق في الحصول على المعلومات ليس معناه تبرير النشر أو البث من دون أي اعتبارات أخرى.

المبدأ الثالث للصحافي الأخلاقي هو التصرف بشكل مستقل، لأن الهدف الأكبر والأساسي للصحافة هو خدمة الجمهور، وعلى الصحافيين -بحسب جمعية الصحافيين المحترفين الاميركية- مثلاً، رفض الهدايا والمزايا والرسوم، وتسهيلات السفر والمعاملة الخاصة، وتجنب القيام بالأنشطة السياسية أو خارج المهنة الصحافية وغيرها، والتي قد تؤثر في سلامة العمل الصحافي أو نزاهته، أو ما قد يؤدي إلى فقدان المصداقية. كما ينبغي الحذر من مصادر المعلومات التي تقدم المزايا أو المال، مع ضرورة تمييز الأخبار عن الدعاية والإعلان، وتجنب التغطيات التي لا توضح الحدود الفاصلة بين التحرير الخبري والتحرير الإعلاني.

المبدأ الرابع للصحافي الأخلاقي يتطلب العمل بمسئولية وشفافية، لأن الصحافة الأخلاقية تعني تحمل مسئولية العمل وشرح القرارات للجمهور.

وينبغي على الصحافيين شرح الخيارات والإجراءات المتبعة للجمهور، وتشجيع الحوار المدني بشأن الممارسات الصحافية والتغطية والمحتوى الإخباري، مع ضرورة الاستجابة السريعة للأسئلة بشأن دقة التغطيات الخبرية ووضوحها وضمان الإنصاف في إعدادها. إضافةً لذلك، يجب الاعتراف بالأخطاء وتصحيحها على وجه السرعة وبشكل بارز، ويلزم شرح التصحيحات والتوضيحات بعناية ووضوح.

إن الصحافة الاخلاقية هي مشعل التنوير في المجتمعات المتحضرة، وهي المقياس الحقيقي لمدى اتساق الحياة العامة مع معايير الديمقراطية والتعددية واحترام الآخرين والاعتراف بكراماتهم المتأصلة والتي لا يجوز التعدي عليها تحت أي عذر كان.

إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"

العدد 4720 - الأحد 09 أغسطس 2015م الموافق 24 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 2:10 ص

      من باب الفضول فقط

      انا من قراء صحيفة الوسط الموقرة وليس لي بديل عنها سوى بعض الصحف الكويتية في بعض الاحيان وفي إحدى المرات ومن باب الفضول قرات مقال لاحدهم في صحيفة محلية ولشدة دهشتي عندما وجدت كلمة الوفاق تكررت في المقال اكثر من عشرين مرة وهذا يدل على ضحالة الفكر وانه ليس لديه جديد يفيد به القراء وليتهم يتعلمون من كتاب الوسط

    • زائر 4 | 1:30 ص

      بصراحة شديدة الوسط تمثل الأقلام الحرة القريبة من الشعب

      احب ،اعشق ،أرتاح للوسط وبس

    • زائر 3 | 12:49 ص

      قلم حر

      ما احوجنا الى الاقلام الحرة والصخافة الحرة التى تلتزم بالمهنية والضوابط الصحفية ومقالك يصلح لمحاضرة تلقى على كتاب الاعمدة والصحفيين الذين يعملون بين اضلعنا

    • زائر 2 | 12:45 ص

      نعم

      هذه المقالة درس يجب أن يقرأه صحافيو الصحف الأخرى
      ولكن خوفي أنهم حتى لو قرأوا لن يفهموا فهذه اللغة أرقى من تفكيرهم بكثير

    • زائر 1 | 12:40 ص

      بعد الشكر

      شكرا أستاذة .. مقال مميز أتمنى أن يستفيد منه بعض الكتاب الذين يهاجمون بالقذف الصريح صحيفة الوسط في صحفهم التي يفترض أن تلتزم معايير المنافسة المهنية والأخلاقية.

    • زائر 6 زائر 1 | 2:29 ص

      تحليل وتوثيق مميز للكاتبة

      صحيح حيث ان من يدعون بأنهم اساتذة الصحافة لا يتورعون وبعيد عن اي مهنية صحفية بالقذف والتجريح واستخدام الأسماء بشكل مباشر ، في حين تمتنع الوسط عن الإشارة الى فضائح وكتابات صحفية أوصلتهم الى المحاكم

اقرأ ايضاً