العدد 4732 - الجمعة 21 أغسطس 2015م الموافق 07 ذي القعدة 1436هـ

لغة «التكفير» والهدم

هاني الفردان hani.alfardan [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

شهد شهرا فبراير/ شباط ومارس/ آذار 2015 حملة هدم «شرسة» من قبل تنظيم «داعش» لآثار عراقية تعود لآلاف السنين، وسبق ذلك أيضاً هدم لآثار في سورية، كما فجّر التنظيم الإرهابي ودمّر مساجد وجوامع ومزارات ومواقع أثرية تاريخية قديمة.

صدم العالم بتلك المشاهد المصورة، ووصفتها الأمم المتحدة واليونسكو بـ «جريمة حرب»، فيما أدانت دار الإفتاء المصرية ما قام به تنظيم «داعش» الإرهابي من تدمير للآثار والتماثيل التاريخية الآشورية بمتحف الموصل في مدينة نينوى العراقية، بدعوى أنها أصنام يجب تدميرها، مؤكدةً أن تلك «الآراء الشاذة التي اعتمد عليها (داعش) في هدم الآثار واهية ومضللة، ولا تستند إلى أسانيد شرعية، خصوصاً أن هذه الآثار في جميع البلدان التي فتحها المسلمون كانت موجودةً ولم يأمر الصحابة الكرام بهدمها أو حتى سمحوا بالاقتراب منها، وهم رضوان الله عليهم كانوا أقرب عهداً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منا، بل كان منهم صحابة جاءوا إلى مصر إبان الفتح الإسلامي ووجدوا الأهرامات وأبا الهول وغيرها ولم يصدروا فتوى أو رأياً شرعياً يمسّ هذه الآثار التي تعد قيمة تاريخية عظيمة».

التاريخ لا يرحم ولا ينسى، وهو يوثّق كل ما قيل، ويشير إلى أن نواباً بحرينيين قريبين جداً من أفكار تلك التنظيمات بمسمياتها القديمة والحديثة ومن «القاعدة» إلى «جبهة النصرة» و«داعش» وأخواتها، كانوا قد تحدثوا ولمحوا وتحركوا لإزالة وهدم آثار بحرينية!

ففي يوم الأحد 17 يوليو/ تموز 2005 طالب نائب بإزالة قبور عالي (أكبر مقبرة تاريخية في العالم حتى وقتنا الحاضر)، مطالباً ببناء مشروعات إسكانية عليها.

قد يذهب البعض لإعطاء مبرّر لذلك النائب كونه قدم حاجة الإنسان الحالية على التاريخ والآثار، وأن مطالبته كانت فقط كون تلك القبور قد تحل مشكلة إسكانية، إلا أن الواقع مختلف جداً، إذ كانت لغة النائب هي ذات اللغة الحالية لتلك الجماعات التي تهدم تلك الآثار في العراق وسورية.

النائب المذكور صرّح في جلسة مجلس النواب قبل عشر سنوات وقبل ولادة «داعش» قائلاً: «يكفينا قبر واحد فقط من هذه القبور لكي نقص به على الأجانب، ولا مبرر لإبقاء هذه المساحات من أجل عظام بالية مضى عليها آلاف السنين، ثم إني لا يشرفني أن أفتخر بهؤلاء الكفار ولا أفتخر بدلمون ولا بطيخ وأرجو عدم تسييس القبور»!

هذا الطرح ليس المقصود منه تسليط الضوء على نائب معين، بل على هذا الفكر الذي بات موجوداً على أرض البحرين، ويرفض البعض الاعتراف بوجوده. وهو فكر يؤمن بنظريات «تكفيرية» و«تخريبية» تحارب التاريخ والثقافة والتراث الإنساني، وتعتبره «كفراً» يجب أن يُزال.

هذا الفكر المتشدد يمكن تلمسه عبر عدة شخصيات تتخذ من مواقع التواصل الاجتماعي مساحةً لها للدفاع بشكل غير مباشر حالياً عن تنظيم «داعش» تحت ذرائع متعددة، لا تعيرها السلطة أي اهتمام، لأنها منشغلة بملاحقة مغرّدين يعارضونها فقط في الداخل.

الحكومة البحرينية عبر وزارة الخارجية أصدرت بياناً في (27 فبراير 2015) أدانت فيه تدمير «داعش» الآثار بمتحف الموصل، واصفةً ذلك العمل بـ«الإجرامي» و«الوحشي» و«البربري الغاشم»، والذي يجسّد «وحشية غير مسبوقة ضد الإنسانية ويعكس جهلاً شديداً بالدين الإسلامي، وتطرفاً مقيتاً في فهم الدين وتفسيره».

حكومة البحرين أكّدت أن «الاعتداء الهمجي لتنظيم (داعش) الإرهابي على التراث الحضاري لشعب العراق لا يمت للدين الإسلامي بصلة، ويعد جريمةً بحق تراث العراق بشكل خاص، وبحق التراث والحضارة الإنسانية بصفة عامة».

تلك اللغة التي لا يمكن أن تحصر فيما قيل في مجلس النواب قبل عشر سنوات، لغة تصفها الحكومة البحرينية ممثلة بوزارة الخارجية بأنها «إجرامية»، «بربرية» و«وحشية»، بل تراها أيضاً «لا تمت للدين الإسلامي بصلة». تلك اللغة كانت موجودةً في البحرين، وتحدثت تحت قبة البرلمان، ولكن لم يكن لها موقف منها، ولم تنتقدها أو توقفها عند حدها!

تلك اللغة كفّرت أمةً وجدت قبل الإسلام بآلاف السنين! لغة ترفض التاريخ البحريني القديم وتراثه وتعتبره «بطيخ» ولا يستحق الافتخار به، بل تطالب بإزالته! لغة وعقلية، تحظى بالتفضيل، وبمساحة واسعة من التكريم لتلك الجماعات التي أصبحت تسيطر على بعض مواقع النفوذ في البلاد، ولن تتوانى أبداً عن فعل ذلك متى سنحت لها الفرصة لتطبيق معتقداتها، كما سنحت الفرصة لـ «داعش» في فعل ذلك في العراق وسورية.

لغة لن تموت، وربما تختفي مؤقتاً، وما أن تتهيأ لها الظروف ستنقض من جديد، وستجاهر بمعتقداتها، بل ستعمل على تطبيقها كما يحدث في مناطق عربية سيطروا عليها، إذ تنسجم هذه اللغة أيضاً مع تهديدات سابقة عن اللجوء إلى «القاعدة وأخواتها» في حال قبلت البحرين بخيار الديمقراطية.

إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"

العدد 4732 - الجمعة 21 أغسطس 2015م الموافق 07 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 39 | 7:22 م

      احم احم

      اوهووووووووو رجعنا للنواب

    • زائر 38 | 8:22 ص

      مقال موفق

      يستحق القراءة

    • زائر 36 | 4:15 ص

      القاعدة طير شؤم واحد

      علينا جميعا التصدي للتكفير و عقيدة التكفير و لغة التكفير و علماء التكفير و كتب التكفير. و لكن من يكفر في الهواء الطلق في عز النهار أهون و أوضح ممن يكفر في الخفاء في الغرف المظلمة و يظهر بمظهره الحضاري في العلن!

    • زائر 35 | 4:10 ص

      ....

      ولو لا الدعم اللامحدود من قبل الصهيو امريكان والحكام العرب لتدمير ما تبقى من آثار نفتخر بها للمسلمين لما ظهر هؤلاء السفهاء

    • زائر 33 | 4:09 ص

      داعش و حالش

      داعش و حالش وجهان لعملة واحدة

    • زائر 31 | 3:19 ص

      الآثار

      لقد زرت مواقع أثرية في سار بمعية ادارة المتاحف وهو عبارة عن مقبرة وقال لنا المرشد أنها ستزال قريبا، لماذا؟ لأن هناك موقع آخر مشابهه!! وفعلا ازيلت عن بكرة أبيها..كان ذلك قبل 15 عانا...

    • زائر 30 | 3:14 ص

      صدفه

      نصيحه الي للذين لعب علي عقولهم بأن بأستطاعتهم ان يمحو تاريخ جماعه تسمي شيعه ، فأنهم سيفقدون الجزء المتبقي من عقولهم ، كأنهم ينزفون البحر ليجففوه وانا لا ابالغ والله واقولها وانا واثق مما اقوله والدليل صمود مذهب اهل البيت رغم الاهوال والمصائب التي تفوق عشرات المرات من ما يقوم به هؤلاء الجهله ، ونصيحه ان يقرؤا التاريخ الصحيح وخصوصا تاريخ اهل البيت وكلمة فاطمه الزهراء او ابنتها زينب المشهوره ( والله لن تمحوا ذكرنا ) ودائما ذكر اهل البيت هو الله ونبيه محمد صلي الله عليه واله

    • زائر 29 | 3:07 ص

      التكرار لا ينفع

      إذا كان لب الكلام بأن احد النواب قد طالب بأزالة مقابر عالي وكان هذا من فتره طويلة وقد تم الرد عليه بردود كافيه حتي إن الحكومه لم ترد عليه لان ما قاله كلام لا يستحق عليه الرد ،، نريد مواضيع جديده اخ هاني تعيد لنا اللحمه الوطنيه ويفرج عن ابنائنا ونجد لهم اعمال تليق بالانسان ..تكرار المواضيع لا يغني ولا يسمن ،، شكرآ

    • زائر 28 | 2:52 ص

      كم انت رائع

      مقال رائع . وفقك الله

    • زائر 27 | 2:42 ص

      لا نحتاج الي قبور عالي للاسكان

      حجة أن جغرافيةالبحرين صغيره غير صحيح لأن الأراضي المحاصره كبيره. ع بما فيها الجزر ولكن يكررون دوما لا توجد أراضي وقد اكلناها وصدقنا وإلا فهي تكفي لسنيين طويله

    • زائر 26 | 2:35 ص

      مسجد صعصعة شاهد

      منظر مسجد الصحابي الجليل صعصعة بن صوحان العبدي هو شاهد لما تفضلت به يا أستاذ هاني

    • زائر 17 | 1:56 ص

      بحريني

      التكفير لغة سائدة في البحرين، فقط قف يوم الجمعة عند أحد جوامع مدينة عيسى لتسمع خطب تكفير المواطنين والدعاء عليهم، و إذهب وقت الآذان إلى مدينة حمد في الدوار الثاني أو الثالث، لتسمع الدعاء على شريحة كبيرة من المواطنين بالهلاك، من على المآذن بعد كل آذان!!!!!!!!

    • زائر 24 زائر 17 | 2:29 ص

      الله يحفظ شيعة البحرين

      والدعوه ان شاء الله ترجع على صاحبها ... ويا جبل ما يهزك ريح ... القافله تسير...........

    • زائر 15 | 1:41 ص

      على الحكومة مواجهة الفكر المتطرف

      هذا الفكر المتشدد يمكن تلمسه عبر عدة شخصيات تتخذ من مواقع التواصل الاجتماعي مساحةً لها للدفاع بشكل غير مباشر حالياً عن تنظيم «داعش» تحت ذرائع متعددة،

    • زائر 14 | 1:12 ص

      وما نقموا منهم

      النقمة على تاريخ هذا الشعب واصالته هو من الحسد والحقد فبعض الفاقدين صدورهم تغلي حسدا على باقي البشر ممن منّ الله عليهم واعطاهم من فضله . البلد حين يستضيف شخصا معين فمن حسن الادب ان يردّ الضيف بالمعروف على حسن ضيافته

    • زائر 12 | 12:53 ص

      لغة التكفير هذه في التاريخ المورث لكل مذهب

      وهذا الجدل لا يمكن أن ينتهي فلماذا نفتحه في الأساس ولادخل أي مطالب أو ديمقراطية به

    • زائر 11 | 12:49 ص

      عروبة البحرين واسلام البحرين مستهدف من البعض

      البحرين عربية منذ القدم
      البحرين سبق معظم بلدان العالم الاسلامي للاسلام وبرسالة من الرسول الاعظم
      البحرين بلد صاحب حضارة عريقة
      البحرين بلد مدني بالطبع بعيد عن البداوة
      كل هذه الامور تزعج البعض

    • زائر 10 | 12:41 ص

      ...

      .... واللجوء الى القاعدة واخواتها هي التي هددت بذلك وعلى رغم ذلك هي في بيتها ووظيفتها وكل يوم تطرح افكارها السامة الهدامة وتنظر للدولة

    • زائر 8 | 12:39 ص

      النائب ومعه الكثير يزعجهم تاريخ البحرين لانه لا يمثلهم

      تاريخ ديلمون او أوال او بني عبد قيس او غيره من الشواهد التاريخية هذه امور مؤلمة لبعض الدخلاء على هذه الأرض

    • زائر 20 زائر 8 | 2:21 ص

      أتفق بشدة

      محاولاتهم تمهيداً لمحو الأثر البحراني المتجذر في هذه الأرض ولكن هيهات (إن الله بالغ أمره)

    • زائر 7 | 12:37 ص

      شكرا

      دائماً في الصميم.. والله يحميك ويحمي والوسط..

    • زائر 6 | 11:20 م

      احسنت اخي الفاضل

      ولا ننسى ان نائبا سابقا في 2011 حرض على هدم مساجد للشيعة لان فيها قبور ومنها مسجد الشيخ امير محمد البربغي الذي هدم لأجل سواد عينه واستجابة لمطلبه .

    • زائر 5 | 11:00 م

      احسنت استاذ هاني

      دائماً مقالاتك تكون ناقدة وبناءة للوطن ولكن لا توجد تحركات حقيقية للتصدي لهذا النمط من البشر قي مجتمعنا

    • زائر 4 | 10:55 م

      لا عجب في الموضوع

      .........موجودون في الساحه لا حسيب ولا رقيب ، الكل منهم ماخذ راحته في السب والشتم وتكفير البشر وتوزيع الولاءات حسب مرادهم وعلى المقاس الذي يريده.. فنحن عشاق الامام الحسين "ع" دائما نقول "" لو قطعوا ارجلنا واليدين نأتيك زحفا سيدي يا حسين"" واقول ايضا لهؤلاء لو قطعتوا ارجلنا واليدين......

    • زائر 3 | 10:41 م

      هالنائب نائبة من نوائب الزمان

      ليش هالنائب ما اقترح بإرجاع الأراضي وفرضة وسواحل المسروقة ويتم إقامة مشاريع إسكانية عليها لكن فرته سبقت ولادة الدواعش ليكون من اامؤسسين لهم.

    • زائر 2 | 10:21 م

      17تموز2005

      منه هالنائب هالفلتة وتصريحه قبل ولادة داعش فإذا داعش فلتة من فلتاته .

    • زائر 1 | 9:48 م

      احسنت استاذى.

      الفقرة الاخيره فى موضوعك ه لب الموضوع ففعلا داعش موجوده وحين ما يتحسسون بأنهم سيخسرون شيئا

اقرأ ايضاً