العدد 4736 - الثلثاء 25 أغسطس 2015م الموافق 11 ذي القعدة 1436هـ

قائمتنا المقلقة

هناء بوحجي comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

لم يتفوق على الشكوى من أحوال الطقس، بعد أن سجلت درجات الحرارة ارتفاعات قياسية في دول الخليج خلال الأيام الماضية، ببقائها فوق الأربعين درجة مئوية معظم ساعات النهار، سوى ارتفاع أسعار السمك.

وفي حين ينشغل المستهلكون في ثلاث دول خليجية، هي البحرين والسعودية والكويت، بأسعار السمك ورفعوا شعارات المقاطعة، في تمرين «كسر العظم» ليسجله لهم التاريخ إلى جانب تجربتي البرازيل والأرجنتين في مقاطعة البيض في العامين 2012 و2013 على التوالي، يؤجّل البحرينيون منهم، في قائمة أمورهم الحياتية المُقلقة، ترقب آثار رفع الدعم الحكومي عن اللحوم، فيما تواصل «التسريبات البالونية» أنباءها عن رفع الدعم عن المحروقات ثم الكهرباء.

ينجح المستهلك في المقاطعة إذا كان طلبه على السلع التي ترتفع أسعارها، مرناً، ومع وجود خيارات تجعل التحول إلى سلع أخرى متاحاً، وهذا ما جعل مقاطعة البرازيليين والأرجنتينيين للبيض ناجحة، فالتوقف عن شراء البيض سبب بعض القلق المؤقت للروتين الغذائي للمستهلكين، والحرمان المؤقت أيضاً لـ«عشاق» البيض من دون شك، لكن القدرة على الاستغناء عنه واللجوء إلى بدائل أخرى أنجح سلوك المقاطعة، بل وأجبر التجار في الدولتين على التنازل وخفض السعر إلى مستويات أقل مما كانت عليه قبل المقاطعة، عندما واصل المقاطعون عزوفهم عن شراء البيض بإعادة أسعاره فقط إلى ما كانت عليه.

لذلك فليس صعباً أن تنجح مقاطعة السمك وثمار البحر الأخرى التي يعزو تجار السمك ارتفاع أسعارها إلى انخفاض معدلات الصيد؛ نتيجة ارتفاع الحرارة وتراجع أداء الصيادين الذي يتواكب معه، بحسب قولهم، هروب الأسماك من حرارة المياه إلى مناطق أبعد وأعمق. ذلك بسبب توافر خيارات أخرى لـ«إيدام» السفرة الخليجية، بشكل عام والسفرة البحرينية بشكل مؤقت، أخذاً في الاعتبار ارتفاع أسعار اللحوم، الذي ممكن اعتبارها بديلاً للسمك، المرتقب بداية الشهر المقبل، كما تؤشر الأخبار.

النظرية في الاقتصاد تقول إن ارتفاع الأسعار لا يؤدي إلى انخفاض في الطلب عندما لا تتوافر للمستهلك خيارات أخرى أو حتى أقل جودة، تتناسب مع انخفاض قدرته على مواصلة شراء السلع والخدمات التي اعتاد عليها، وخصوصاً إذا ما كانت هذه السلع والخدمات أساسية وضرورية للحياة كالمحروقات والكهرباء، الطلب وقتها يفقد مرونته.

قائمة البحرينيين المقلقة طويلة ومفتوحة على مختلف المخاوف المصاحبة لأزمة انخفاض أسعار النفط وتداعياتها. وعلى رغم مواكبة التوجه لرفع الدعم، لتطمينات الإبقاء على استفادة المواطن من الدعم وفق آلية معينة تضمن حصوله على حصته من الدعم الذي يغطي حالياً مصادر الإنتاج، فإن القلق لايزال محلقاً في أفق الأسر التي ستغطي من حصتها من الدعم، ما سيتوقف من الدعم الذي تحصل عليه قطاعات الإنتاج في الاقتصاد ممن تتعامل معه مباشرة، فالأسر لا تعيش بمعزل على قطاعات المطاعم والمصانع والإنشاءات التي ستحافظ على هامش أرباحها بتعديل أسعارها بمقدار الكلفة التي سيرفعها انقطاع الدعم عنها.

ستكون الفترة المقبلة مزيجاً من الاختبارات على مرونة الطلب على قائمة السلع والخدمات المتوقع رفع الدعم عنها. وبعيداً عن تقييم الحلول الحكومية لمواجهة عجوزات الموازنة المتوقع استمرارها في المستقبل المنظور، فإن رفع الدعم، سيعيد إلى السلع والخدمات قيمتها الحقيقية، وكذلك سيعيد ترتيب أنماط وأولويات الإنفاق والسلوك الاستهلاكي للأسر المواطنة والمقيمة على السواء، إذا ما أخذنا في الاعتبار أن الأجانب يشكلون أكثر من 50 في المئة من التركيبة السكانية.

رفع الدعم كان من التوصيات التي ينادي بها المختصون لإدارة الطلب في القطاعات التي يشجع فيها انخفاض الكلفة على الإسراف كالمياه والكهرباء، من أجل ترشيد السلوك الاستهلاكي في استخدامها، ليس في البحرين فحسب وإنما في جميع الدول المجاورة التي تتمتع شعوبها بدعم سخي للكثير من السلع والخدمات ما أدى إلى تجاوز السلوك صفة الإسراف إلى الانحراف مما يهدد بدون شك الموارد الناضبة فيها، ويفاقم عجوزات موازناتها.

إلا أن البدء في تطبيقه لابد أن يكون صعباً ومؤلماً. لذلك فالحلول تتطلب الكثير من الدراسة والحذر من صناع القرار وراسمي السياسات وإجراءات التطبيق وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالسلع والخدمات التي لا يكون الطلب عليها مرناً؛ لارتباط ذلك ارتباطاً مباشراً بجودة الحياة، وانعكاسها على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "

العدد 4736 - الثلثاء 25 أغسطس 2015م الموافق 11 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً